كأنما تتهيأ جدران المنازل لاستقبال العائدين من رحلة الحج المقدسة، فيحرص ذوو الحاج على أن تكون الجدران في أبهى زينتها، تكتسي برسوم الجرافيتي للجمل، والطائرة، والباخرة، وعبارات من قبيل «حج مبرور وذنب مغفور»، إضافة إلى آيات من القرآن الكريم «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»، و«وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا»، والحديث النبوي الشريف الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه،«الحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلاّ الجنّة»، وتمثل رحلة الحج إلى بيت الله الحرام، بما تحمله من مظاهر روحانية تتعلق بها القلوب، مصدر إلهام لكثير من الفنون الشعبية، حيث يعتبر ذلك الفن المعروف باسم الجرافيتي أو فن جداريات الحج، مظهرا من مظاهر الاحتفال بعودة الحجاج من الأراضىي المقدسة.
ويتزايد الطلب على الفنانين الشعبيين، في مصر، حيث شهدت تلك الحرفة رواجا شديداً، لا سيما في قرى الصعيد، لرسم مئات من جداريات الحج، على منازل الحجاج، العائدين من الأراضي السعودية، بعد أدائهم الشعائر المقدسة.
واعتبر باحثون في حضارات الشعوب، أن تلك الجداريات تحمل أهمية كبرى في توثيق ما تمثله فريضة الحج على وجه التجديد من مكانة كبيرة عند المصريين، كما أنها دلالة على مدى الإبداع الفني الشعبي في مصر الذي يعبر أيضًا عن خصوصية نابعة من تراث إبداعي وتقاليد تضرب بجذورها إلى عصور قديمة، فجدران المعابد المصرية مليئة بمثل هذه الحالات من التوثيق التي تعبر عن كيفية اعتماد المواطن المصري على توثيق هذه الرحلات، سواءً أكانت دينية، مثل فريضة الحج، أو احتفالات قومية وانتصارات في الحروب، تسجل جوانب عديدة من تاريخ مصر القديمة.
وترى الباحثة المصرية خديجة فيصل مهدي، أن جداريات الحج، لها جذور فرعونية، وقد استمدت من النقوش الدينية، التي كانت تنتشر على جدران المقابر والمعابد الفرعونية، ومنازل قدماء المصريين، وهي تحاكي أيضا، تلك الرسوم التي تتميز بها منازل النوبة بمحافظة أسوان، جنوبي مصر.
وتشير خديجة إلى أنه من الصور المدهشة التي تشتهر بها مدينة الأقصر، هي رسوم وجداريات الحج، التي رسمت على جدران منازل الحجاج، الملاصقة لمعابد الفراعنة، في منطقتي القرنة والكرنك بشرق وغرب مدينة الأقصر.
وتستعين عائلات الحجاج، بهؤلاء الفنانين، الذين ينتشرون في المدن والقرى، بالتزامن مع موسم عودة الحجاج، لرسم الصور التي تعبر عن الفرحة، وتوثق لرحلة الحج، عبر لوحات فنية مبهرة.
وتعد رسوم الحج وجدارياته، إحدى أبرز العادات التي يحرص عليها، حجاج بيت الله الحرام، من المصريين، ويبدع الفنانون الشعبيون، في رسم رحلة الحج، بدءاً من وداع الحاج لأهله، مروراً باستقلاله للطائرة أو الباخرة، وطوافه حول الكعبة المشرفة، ووقوفه بجبل عرفة.
كما تسجل على جدران منازل الحجاج، أغاني الحج الشهيرة، بصعيد مصر، بالكلمة والصورة، في مشاهد تجتذب المهتمين بالفنون، في العالم أجمع، وقد عرفت المكتبات العربية والأجنبية، عددا من الكتب والمؤلفات المصورة، التي تحكى تاريخ ذلك الفن، الذى يتفرًد به صعيد مصر، ومن أشهر تلك الكتب، ما أعده آن باركر وأفون نيل واللذان وضعا كتابا وثائقيا حوى تسجيلا للعشرات من جداريات الحج في صعيد مصر.
ويذكر باحثون شعبيون في صعيد مصر، أن أول رصد لرسوم وجداريات الحج في العصر الحديث، كان على يد رحالة أجانب، زاروا مصر في نهاية القرن التاسع عشر، وأن جداريات الحج كانت بدايتها كتابات بخط بارز تعلن عن أداء صاحب البيت لفريضة الحج، ثم تطور الأمر إلى أن أصبح فنا وظاهرة شعبية لافتة في قرى صعيد مصر.