تقرير إحصائي جنائي، أثار ردود فعل واسعة داخل الشارع الأردني، في مواجهة ظاهرة يرى البعض أن لها أسبابها ودوافعها، ويرى آخرون أنها “شاذة” عن طبيعة المجتمع الأردني، وإن كان لها ارتباط بطبيعة البيئة التي تختلف من مناطق الحضر، إلى مناطق البادية، ومن شمال المملكة، إلى جنوبها، ومهما كانت أسباب حدود الظاهرة أو تصاعد معدلاتها، فإن هذا يفرض على مؤسسات الدولة أن ترصد الأسباب، وتتعامل بواقعية مع “الحالة الجنائية” لمحاصرة لغة العنف، وبمساندة دور المساجد والمؤسسات التعليمية ومنظمات المجتمع المدني.
ويظهر التقرير الإحصائي الجنائي، الصادر عن إدارة المعلومات الجنائية في مديرية الأمن العام ، وقوع جريمة كل 21 دقيقة و41 ثانية في الأردن “بشكل عام” وبمختلف انواعها.. وكذلك في كل ساعة و8 دقائق و47 ثانية تقع جريمة جنائية في المملكة .. في حين تقع “جريمة جنحوية” كل 31 دقيقة و 40 ثانية.. والأرقام لم تكن مألوفة داخل المجتمع الاردني، الذي يحمل قيما اجتماعية أصيلة يفترض ان تبعده عن المشاحنات والمشاجرات.
وتناولت الصحف الأردنية، التقرير الجنائي، من زاوية تصاعد لغة العنف في الأردن ، والبحث عن الأسباب، ومعالجة الظاهرة “الخطيرة” المستجدة على الشارع الأردني .. بينما يرى أستاذ علم الاجتماع والجريمة في جامعة مؤتة، الدكتور حسين محادين، أن هذه الأمور ترجع الى أننا أبناء ثقافة لا تعزز قيم الحوار في أغلب الأحيان، حيث يركز الفرد فيها على قيم المغالبة التي ترجع لجذور عقلية الفارس في الصحراء، مبيناً أن عناوين العنف متداولة في حياتنا (عنف اقتصادي، عنف اجتماعي، عنف لفظي)، وقال لصحيفة الرأي الأردنية، إن هذه الأنماط من ثقافة العنف تبدأ من مؤسسات التنشئة المختلفة، بداية بالأسرة وكيفية تقسيم العمل والأدوار بداخلها، وهي ليست عادلة بالمعنى الإنساني، إضافة إلى التمييز بين الذكر والانثى، ومن ثم تنتقل السلوكيات من مؤسسات التنشئة إلى المؤسسات اللاحقة مثل المدرسة والجامعة وانتهاء بوسائل الإعلام، التي يفترض تطوير وديمومة أدوارها التنويرية التي من شأنها تعميق قيم القانون والمؤسسات واحترام الآخر في مجتمع أردني نعتز بتعدديته.
وأكد على ضرورة تطوير وتحديث مضامين وأدوات الخطاب الديني، بما يعزز حضور كل من المسجد والكنيسة في الحياة المعاصرة، لا سيما ما يرتبط بالرسائل التي يفترض أن يتم التحاور مع الشباب بخصوصها، والتي ينبغي ان تستند الى “الحوار بالتي هي أحسن” إلى جانب الإصغاء إليهم دون التفكير والتخطيط بالنيابة عنهم.
ويشير خبراء علم النفس والاجتماع، إلى تأثير مناخ وضح إطالة أمد التقاضي، والتجاذب بين القانون المدني والأعراف العشائرية، وضعف أدوات الضبط الداخلي لدى العديد من المواطنين الأردنيين، ممثلة في تراجع الوازع الديني وتسيد القيم الفردية، وضعف مضامين الضمير الفردي الذي يضبط ويوازن سلوك الأفراد والجماعات في المجتمع. مما يفرض ضرورة الإهتمام ، بتعزيز قيم التسامح وقبول الآخر لتقوية المجتمع الأردني، ومؤسساته تحت مظلة المواطنة بالمعنى القانوني والدستوري.
ويرى سياسيون وخبراء الاقتصاد، أن ضغوط الحياة المعيشية لها تأثير كبير على تصاعد وتيرة العنف في الأردن، وأن الضغوط الاقتصادية ليست بعيدة عن تسجيل تلك الأرقام بمدلولها الخطير، من حيث تسجيل جريمة كل 21 ثانية، وبمعدل غريب عن المجتمع الأردني المسالم بطبعه.
ويؤكد الخبير الاقتصادي والسياسي، زيان زوانة أن الجانب الاقتصادي عامل أساسي في عملية إثارة القلق لدى مختلف المجتمعات بصورة عامة، وذلك يتمثل عندما يكون الفرد قلقا على دخله ومستوى معيشته ولا يشعر بالاطمئنان في استمرار دخله، إلى جانب معاناته من تفاوت الدخول وغيرها، الأمر الذي يؤدي بمجمله إلى شعوره بالاحتقان، إضافة إلى العديد من الأمراض المجتمعية بوجه عام، ما يؤدي إلى العديد من ردود الأفعال السلبية.