طلال عوكل يكتب: أوسلو.. والحصاد المر

أربعة وعشرون عاما، انقضت منذ توقيع اتفاقية أوسلو، في الثالث عشر من سبتمبر 1993، أقل بسنتين من عمر الثورة الفلسطينية المسلحة، التي اندلعت على نحو واسع في العام 1967.

مرحلة طويلة تخللتها معانيات وتضحيات كبيرة لكن الأهم هو ما تخللها من تنازلات وتضحيات كبيرة على المستوى السياسي والثقافي. المشهد في حديقة البيت الأبيض الأمريكي مساء الحادي عشر من سبتمبر 1993، كان يمنح قيادة منظمة التحرير حينذاك والمدافعين عن توقيع تلك الاتفاقية، الكثير من الأمل، والكثير من المبررات في وجه المعارضة الواسعة. عدد كبير من رؤساء ورؤساء حكومات ومسؤولي دول العالم كانوا هناك، مما كان يوفر شهودا وضمانات دولية، والمفروض أن تشكل عاملا مهما في إنجاح عملية السلام، التي توقع أصحابها أن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس في مايو 1999.

ست سنوات منذ توقيع الاتفاقية وفشل هدف تحقيق الدولة، كانت كافية لإعادة تقييم الأمور، ذلك أن مآلاتها كانت أكثر من واضحة. ومع أن وجود إسحاق رابين وشمعون بيريز آنذاك، لم يكن يوفر الضمانة والثقة بإمكانية إنجاح مسيرة أوسلو، إلا أن اغتيال رابين، كان مؤشرا مبكرا على فشل الرحلة. وبعد أشهر قليلة، تعزز الشعور بالفشل حين تولى بيرز رئاسة الحكومة الإسرائيلية، فعمد إلى تجميد خطوات واجبة بحسب الاتفاقية، ثم ذهب إلى حرب على لبنان، ارتكب خلالها مجزرة قانا. وبعد أشهر قليلة وتحديدا في حزيران العام ذاته 1996 فاز الليكود برئاسة بنامين نتنياهو بتشكيل الحكومة، وهو وحزبه الذي وقف وراء عملية اغتيال رابين وبالتالي اغتيال أوسلو.

المجتمع الدولي الذي احتشد في البيت الأبيض، احتفالا بتوقيع الاتفاقية لم يعد له أثر في الضغط على إسرائيل من أجل تصحيح المسيرة، ولعب كل الوقت دور المخدر لمنع انفجار الوضع. دور المجتمع الدولي أيضا لم يتجاوز سلوك إدارة الأزمة، وفي كثير من الأحيان أحد عواملها نظرا لأنه منح إسرائيل كل الوقت الكافي لتنفيذ مخططاتها الاستيطانية والتهويديه. حال المجتمع الدولي لم يكن أفضل من حال الأمم المتحدة، التي اتخذت الكثير من القرارات، التي تنصف جزئيا الفلسطينيين، لكن إسرائيل واصلت تحدي الكل ورفض تلك القرارات، بدون أن تتلقى العقاب. المجتمع الدولي عمليا ساعد إسرائيل وشجعها على تعزيز طبيعتها العدوانية، كدولة مارقة، تضع نفسها فوق القوانين والأعراف والمواثيق الدولية.

لم يبخل المجتمع الدولي المعرف بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إزاء رشوة المقاتلين والمناضلين بما في ذلك القيادات السياسية، وتحويلهم إلى موظفين يحرصون على امتيازاتهم الجديدة، ليغادروا ثقافة المقاومة، وبرنامجها، وسيكولوجيتها. أنتج هذا الوضع مقاتلين من نوع آخر، لم تصلهم الرشوة بعد واستمدوا دوافع قتالهم، من الالتزام بمرجعيات حزبية وسياسية وإيديولوجية أخرى رفضت منذ البداية اتفاقية أوسلو ونهج المفاوضات. وعلى الرغم من ظهور المزيد من المؤشرات على فشل الالتزام بقيود أوسلو والمراهنة على نهج المفاوضات وتراجع الأمل إزاء إمكانية تحقيق الدولة الفلسطينية إلا أن الأمور اتجهت نحو المزيد من تدهور السياسة الفلسطينية، وتضخم التضحيات وتنوعها. منذ توقيع الاتفاقية شهدت الأراضي الفلسطينية مرحلتين رئاسيتين، الأولى قادها الراحل الكبير ياسر عرفات، وامتدت لأحد عشر عاما، والثانية قادها الرئيس محمود عباس، وهي متواصلة منذ ثلاثة عشر عاما، يفصل بينهما مرحلة انتقالية لستين يوما تولى خلالها رئيس المجلس التشريعي روحي فتوح الرئاسة. كان خطاب عرفات، مليء بمفردات الكفاح، والإصرار على تقديم التضحيات لتحقيق الأهداف، وقد أظهر استعدادا عمليا لمغادرة التمسك الحصري بالمفاوضات، حين تحدى الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، ثم بدعمه لكتائب شهداء الأقصى في الانتفاضة الثانية. دفع عرفات ثمن خروجه عن الخط العام، حيث تواطأ الشهود على عملية اغتياله من قبل الطرف الذي اغتال شريكه، اسحاق رابين. تغيرت العناوين بتغير أدواتها، وبدأت مرحلة جديدة، حين تسلم عباس مقاليد الرئاسة والقرار، حيث التزم بقوة منهج المفاوضات والنضال السلمي السياسي والدبلوماسي، ورفض وقاوم كل محاولة لاستخدام السلاح في مواجهة انهيار عملية أوسلو والاستغلال البشع للوقت من قبل إسرائيل.

تبدلت الظروف وتبدلت الأدوات وانقسم الفلسطينيون على أنفسهم، الأمر الذي يقدم خدمة جليلة تساعد إسرائيل في تنفيذ وإنجاح مخططاتها ويستنزف الكثير من الجهد وقوة الفلسطينيين في الصراع الداخلي، على سلطة هشة. ومع أن البعض ما يزال يعطي فرصة لإمكانية انتزاع دولة بشروط متدنية، إلا أن مؤشرات الحراك العربي والإقليمي والدولي لا تتيح التفاؤل بإمكانية تحقيق تلك الدولة من خلال المفاوضات. وهكذا يفتقد الفلسطينيون الوضوح والتوافق على استراتيجية، وتوفير مستلزماتها، في ظل ظروف فلسطينية وعربية غاية في الرداءة والسوء. ثمة دروس كثيرة وعميقة تحتاج إلى حوار ومراجعة وتصحيح بعد كل رحلة الفشل، والحصاد المر، تستهدف إعادة تعريف وتوحيد الهوية الوطنية، وإعادة تعريف المشروع الوطني، وترميم أو تغيير أدواته، فضلا عن الحاجة للتفكير من خارج الصندوق لاشتقاق استراتيجية جديدة وخيارات واضحة.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]