طلال عوكل يكتب: غزة الجريحة التي لن تنحني

 

تكاد تنفجر مواقع التواصل الاجتماعي لصراخ ونحيب الأديبة والناشطة دنيا الأمل اسماعيل، فلا تسمع الا صدى المتضامنين على المواقع ذاتها، يعتصرهم الألم لوجعها. دنيا الأمل كانت قد رافقت ابنتها إلى القاهرة لكي تساعدها في ترتيب أمورها للالتحاق بجامعتها لدراسة الطب. بالكاد كانت قد نجحت مع ابنتها في تجاوز العقبات والتعقيدات التي تتصل بإمكانية الخروج من معبر رفح الذي يضيق على أهل غزة، الراغبين في السفر لأسباب اضطرارية فلا يفتح بواباته إلا ما ندر بينما تزداد أعداد الراغبين والمحتاجين لأن يفتح أبوابه على نحو يلبي تلك الاحتياجات. وحين قررت العودة وقبل أن يصل إلى مسامعها خبر رحيل زوجها الناشط الحقوقي المتميز والمناضل المعروف بسام الأقرع كانت بوابات المعبر قد تمنعت أمام الذاهبين والعائدين.

لم ينجح في العبور سوى وفد حركة حماس وعشرات المسافرين من القادمين و العائدين، فيما استغرقت رحلة أغلبيتهم أكثر من ثلاثة أيام نظرا لكثافة الإجراءات الأمنية على الحواجز، وآليات التعامل مع المسافرين. تزامن فتح المعبر في المرة الأخيرة مع بدء الحملة العسكرية الشاملة، التي أعلنها الجيش المصري للقضاء على الجماعات التكفيرية في سيناء مما أدى إلى تعقيد إجراءات السفر فوق ما هو معروف عن تعقيداتها. المعبر مغلق معظم الوقت وصاحب الحظ السعيد فقط هو من ينجح في العبور فيما معبر بيت حانون بخيل جدا في تعامله مع المحتاجين للسفر، فلا يمر منه إلا القليل من الناس وأصحاب الحظ والواسطة. أنواع المحتاجين للسفر محدودة بالمرضى الذين عليهم أن ينتظروا أسابيعا و أشهرا وبعضهم يصل إلى القبر قبل أن يصل إلى مكان تلقي الخدمة الطبية غير المتاحة في غزة. عدا عن هذه الفئة ثمة فئة واسعة من الطلاب الممنوحين أو الراغبين في الدراسة خارج الوطن، وأغلبهم يصلون متأخرين إن وصلوا ولكن بعضهم يفقد سنته الدراسية. وبالإضافة إلى هؤلاء وأولئك فئات متنوعة من الناس أصحاب الإقامات وجوازات السفر الأجنبية والراغبين في الالتحاق بأعمالهم، والراغبات بالالتحاق بأزواجهن وهذه أقل الفئات حظا.

ليس مسموح لأهل غزة أن يفكروا في السياحة، أو زيارة الأقارب والأبناء أو السفر بحثا عن عمل في ظل استمرار وحش البطالة الذي يستهدف عشرات آلاف الخريجين. يحصل هذا في غزة بينما يواصل طرفا الانقسام ترف التمسك كل بحساباته، التي تهبط بحياة الناس إلى أسفل قائمة الاهتمامات. بعضهم سعيد بما يعانيه أهل غزة من عذابات وآلام لأن حساباته تستدعي وقوع الانفجار، الذي تتحدث عنه كل الدنيا و أكثرهم المحتل الاسرائيلي الذي يتمنى أن يبتلع غزة البحر، ويخشى أن تكون وجهة الانفجار شمالا. كانت اسرائيل قد خططت منذ بداية الانقسام لإرغام سكان غزة على الانفجار نحو الجنوب فشددت الحصار ومنعت وصول البضائع بما في ذلك الأساسية منها للقطاع، الأمر الذي دفع الناس لاقتحام الحواجز الحدودية مع مصر. مئات الآلاف اجتازوا الحدود مع مصر وانتشروا كالجراد في مدن وقرى وبلدات سيناء حتى لم يبق فيها طعام لأهلها. أدى ذلك أيام حكم الرئيس السابق حسني مبارك إلى تنشيط اقتصاد الأنفاق حيث اعتمد السكان على البضائع المهربة، بما ينطوي عليه ذلك من تغيرات في البنية الاجتماعية وتراجع دور فئة التجار التقليديين لحساب فئة جديدة من ملوك الأنفاق والتهريب، التي اعتمدت سياسة غسيل الأموال.

اختلفت الأوضاع حيث انتهى اقتصاد الأنفاق، ودخلت حماس التي تسيطر على الأوضاع في قطاع غزة في تعاون وعلاقات إيجابية مع مصر، وبقي أهل غزة تحت رحمة المعابر المغلقة، وحسابات المصالحة التي لا ترحم مريضا ولا محتاجا. سألني أحد الدبلوماسيين الأوروبيين عن أسباب كثرة الحديث عن أزمة تضرب قطاع غزة، بينما تعاني شعوب أخرى في أفريقيا أزمات أشد وطأة وأكثر إيلاما. يحاول الدبلوماسي الأوروبي أن يقلل من خطورة الأزمة أو أنه يراها مفتعلة. يستدرك بسرعة حين يأتيه الجواب بأن غزة تعاني من احتلال ومن حصار ومن تواطؤ المجتمع الدولي الذي يتحمل المسؤولية عن استمرار هذا الاحتلال وهذا الحصار. غير أن لا الدبلوماسي الغربي ولا غيره من الدبلوماسيين هو من ينتظره سكان قطاع غزة، ذلك انهم ينتظرون الفارس الفلسطيني الذي يمتطي صهوة حصان أبيض، قبل أن ينتظروا غيره من العرب والأجانب.

وفي ضوء وقائع السياسة وموازين القوى المختلة لصالح الاحتلال وحلفائه، قد يتجه الانفجار باتجاه الشمال ولكن سكان القطاع لا ينتظرون ولا يأملون في أن يحظوا برحمة احتلال عنصري بغيض، لذلك فإنهم ينتظرون أن يأتي الفرح من خلال بوابتهم الجنوبية إلى العالم. ولأن البوابة الجنوبية مرهونة بالمصالحة التي تداني في سيرها سرعة سلحفاة مريضة، فإن أوجاع أهل غزة تصرخ كل يوم… آه من ظلم الأقربين، إنه فعلا أشد مضاضة.  وهكذا كان صراخ ونحيب دنيا الأمل اسماعيل مثالا صارخا على عمق المأساة والأزمة، ومثالا على شعور المسؤول بالمسؤولية عن شعب يدعي أنه مسؤول عنه، ولكن أهل غزة لن يحنوا رؤوسهم ولن يتنازلوا عن كرامتهم الوطنية، ولا يحلم أحد بأن يتخلوا عن واجباتهم الوطنية.

Attachments area

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]