يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حصارا بسبب عدة أزمات على رأسها الأزمة الاقتصادية التي تواجه البلاد جراء جائحة فيروس كورونا، وغضب جماهيري تجاه الشرطة.
ومن المقرر أن يلقي ماكرون خطابا للأمة، اليوم الأحد، بعد صمت طويل، يتناول فيه رؤيته لهذه المرحلة.
ويطالب الفرنسيون، بدءًا من أصحاب المطاعم المتعثرين إلى الممرضات والأقليات الغاضبة من وحشية الشرطة، ماكرون بالتعامل مع مخاوفهم.
وقال مكتب ماكرون إن خطابه الذي سيلقيه مساء الأحد سيركز على الفيروس الذي دفع بفرنسا إلى أزمة لم تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية، وسيتناول عملية إعادة الفتح التدريجي والتحديات الاقتصادية المقبلة و”نقاط القوة والضعف” في تعامل حكومته مع الوباء.
وتأتي الكلمة أيضا قبل ساعات فقط من إعادة فتح فرنسا حدودها مع الدول الأوروبية المجاورة، وترقب مطاعم باريس بشأن توقيت إعادة فتحها بالكامل.
وأمر الرئيس الأسبوع الماضي بإجراء مراجعة داخلية لكيفية تعامل إدارته مع الفيروس – لا سيما بالمقارنة مع دول أخرى مثل ألمانيا، بالإضافة إلى تحقيق برلماني جارٍ.
حديث الاستقالة
وكانت تداعيات الموقف الراهن في فرنسا سببا في بدء حديث عن احتمال تقديم ماكرون استقالته فرارا من هذه الأزمة، ونفت الرئاسة الفرنسية، الخميس، معلومات وردت في تقرير لصحيفة “لوفيجارو” المحلية حول أنّ الرئيس إيمانويل ماكرون تحدث أخيرا عن احتمال استقالته.
وقالت الرئاسة لفرانس برس “ننفي ما ورد (في التقرير). لم يثر رئيس الجمهورية الاستقالة في أي وقت”.
ونقلت الصحيفة عن أحد مصادرها المزعومين أنّ هدف الاستقالة سيكون الدعوة إلى انتخابات مبكرة “في الأسابيع أو الأشهر المقبلة”.
وما زال أمام ماكرون عامان آخران في ولايته الأولى ويكافح بشكل متكرر للتواصل مع الناخبين الفرنسيين.
اقتصاد يتهاوى
لم تتوقف الصحافة الفرنسية من تناول أزمة الاقتصاد وخطط الرئيس لمواجهتها، حتى إن صحيفة “لوموند” كتبت قبل نحو شهر أن ماكرون يدرك جيدا أن “مستقبله السياسي مرهون بقدرته على إعادة الفرنسيين إلى الحياة الطبيعية”، وهذا الرأى لم يختلف في عدد من الإصدارات الأخرى.
وبالفعل، كان الرئيس الفرنسي أحد القادة النشيطين لإيجاد حل أوروبي لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، فقبل أسابيع، أكد ماكرون، أن أوروبا بحاجة للتحرك سريعا لتنفيذ حزمة مزمعة للتعافي الاقتصادي للاتحاد الأوروبي بقيمة 750 مليار يورو (826 مليار دولار).
لكن هذا السعي الطموح، لا يلغي أرقام وتنبؤات سيئة عن مستقبل الاقتصاد في فرنسا، إذ رفعت البلاد توقعاتها لتكلفة إجراءات التعامل مع الأزمات لنحو 136 مليار يورو (154.6 مليار دولار) مؤخرا، وذلك في ثالث مراجعة للميزانية منذ بداية العام.
وأعلنت فرنسا أنها ستقاتل لضمان عدم تقليص خطة المفوضية الأوروبية لتقديم 750 مليار يورو في منح وقروض لمساعدة دول الاتحاد الأوروبي على التعافي من التداعيات الاقتصادية لأزمة فيروس كورونا.
وبعيدا عن الحلول الأوروبية فإن وزير المالية الفرنسي برونو لو مير، أكد بدوره أن اقتصاد بلاده سينكمش 11% هذا العام بسبب أزمة كورونا وإجراءات العزل العام المُتخذة لاحتواء الفيروس على مستوى البلاد.
وقال لو مير في تصريحات إذاعية: “تضررنا بشدة بفعل الفيروس، اتخذنا تدابير فعالة لحماية صحة الشعب الفرنسي لكن الاقتصاد عمليا توقف لثلاثة أشهر”.
أزمة الشرطة والمتظاهرين
وبينما يبحث الرئيس الفرنسي عن حلول لأزمة بلاده في مجال الاقتصاد، تصعد موجة غضب أخرى، من متظاهرين صبوا غضبهم على الشرطة، واتهموا عناصر الأمن بالعنصرية وممارسة العنف.
ولم تكن هذه “الغضبة” بعيدة عن السياق العالمي، الذي اشتعلت فيه الاحتجاجات ضد العنصرية، بعد أن فجرها مقتل مواطن أمريكي من أصل أفريقي بيد الشرطة.
ودارت مواجهات أمس بين الشرطة الفرنسية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع ضد محتجين وسط باريس، حيث تجمع الآلاف في مظاهرة ضد ما يصفونه بعنصرية وعنف الشرطة.
ووسط هذه الأجواء، أقامت الشرطة هي الأخرى احتجاجات في باريس، تحديا للحكومة بعد أيام من تعهد السلطات “بعدم التسامح نهائيا” مع العنصرية بين موظفي إنفاذ القانون.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد طلب حلا من رئيس الحكومة قبل أسبوع لمعالجة أزمة الاحتجاجات ضد مزاعم عنصرية الشرطة.
وذكرت صحيفة “لوموند” الفرنسيّة أنّ “تحسين أداء الشرطة بات أولوية بالنسبة لماكرون”، حيث طلب من وزير الداخليّة الإسراع في تقديم اقتراحات لذلك.
وخرجت احتجاجات هذه المرة من جانب الشرطة، التي تلقت تعليمات تزيد من القيود على عناصر في حالات ضبط المشتبه بهم، ما اعتبره رجال الشرطة عبئا إضافيا على مهامهم، واستجابة غير موفقة من الحكومة لاحتجاجات المتظاهرين طوال الشهر الماضي.
هل ينجح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في معالجة هذه الأزمات المتتالية؟ ربما ينجح ماكرون في إدارة طويلة للمرحلة الراهنة، لكن يبدو أنه من الصعوبة أن يقدم حلا حاسما وسط جائحة تضرب العالم.