«عالم ثلاثي الأقطاب».. تحت التشكيل

تطرح الدوائر السياسية  ومراكز الدراسات الاستراتيجية في الغرب، تصوراتها حول تشكيل عالم جديد (عالم ثلاثي الأقطاب)، تكشف عنه الحرب في أوكرانيا، ممثلا في «مثلث القوى العالمي» ـ روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية ـ ويرى خبراء في الشئون السياسية والاستراتيجية، أن ميزان القوى هذا (عالم ثلاثي الأقطاب) ليس أكثر استقراراً من عديد من موازين القوى المختلفة التي سادت في الماضي، بل يبدو فعلياً أكثر عرضة للسماح بتدهور مسار الأمور، والسبب بكل بساطة يعود إلى وجود عدد أكبر من «الأطراف المتحركة» واللاعبين الذين قد يُسيئون قراءة نوايا بعضهم البعض، بحسب تقديرات المحلل السياسي البريطاني، شون أوغرايدي.

  • لكن مستقبل العالم، كما مصير أوكرانيا، يعتمد على اصطفافات هذه القوى العظمى الثلاث (إضافة إلى الاتحاد الأوروبي باعتباره قوة اقتصادية عظمى)، هذا يعني عملياً مَنْ مِنَ اللاعبين، روسيا أو أمريكا، سوف ينجح في استقطاب الصينيين لمؤازرة قضيته وحماية مصالحه.

مصير الصين: تحالف استبداي مع روسيا.. أم التعاون مع الغرب الأكثر استقرارا؟

ويضيف «شون أوغرايدي»:  إذا اختارت الصين روسيا، وأقامت تحالفاً استبدادياً قومياً، يجذب إليه أمثال مودي في الهند، وأردوغان في تركيا، وبولسونارو في البرازيل، فإن آفاق المستقبل ستكون قاتمة حقاً، بالنسبة لأوكرانيا والسلام في العالم. أما إذا تمكن الرئيس بايدن بشكل من الأشكال من إعادة إحياء التعاون المثمر الذي كان يسود سابقاً بين الصين والولايات المتحدة وأوروبا، فإن المسار الذي سيسلكه العالم سيكون بالتأكيد أكثر سعادةً وأقل عنفاً وأكثر ازدهاراً، ولن تمول الصين آلة بوتين الحربية أو تبيعه طائرات من دون طيار. لا يزال هذا الخيار غير محسوم [قائم]، وطالما هو كذلك، سوف تقع المزيد من الحروب.

دروس وتجارب التاريخ الحديث

  • قبل نشوب الحرب العالمية الأولى، كان العالم واقعاً تحت سيطرة الكتلتين الناشئين في القارة الأوروبية – قوى الوفاق المتمثلة ببريطانيا وفرنسا وروسيا ومقابلها التحالف الثلاثي لألمانيا والنمسا وتركيا. وهو توازن قوى ثنائي القطب، مع أنه لم يوفق في الحفاظ على السلام..وفي الفترة الفاصلة بين الحربين العالميتين، عادت أمريكا إلى الانعزالية، فيما اختارت روسيا بناء الاشتراكية في بلد واحد. وانقسمت أوروبا مرة أخرى إلى كتلتين، بين حلفاء ومحور.
  • وبعد الحرب العالمية الثانية، أصبح العالم ثنائي القطب كما هو واضح، لا سيما بعد أزمة السويس، عندما لم تعد الإمبراطورية البريطانية جديرة بأن تكون واحدة من [الدول العظمى] «الثلاثة الكبار» التي انتصرت في الحرب، في ظل القيادة اللافتة وغير المريحة في بعض الأحيان لروزفلت وستالين وتشرشل.

الخوف من التدمير النووي الحراري

حافظت القوتان النوويتان العظميان في بعض الأحيان على توازن هش للقوة من خلال مبادئ الردع النووي والتدمير المتبادل المؤكد. خاضت القوتان الصراعات الأيديولوجية والصراعات على السلطة بالوكالة، بدءاً من أدغال فيتنام، ووصولاً إلى الأدغال الأنغولية وجبال أفغانستان. أثبتت أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 أنه عندما يظهر أي خطر باندلاع اشتباكات مباشرة بين الروس والأمريكيين، يمكن تلافي الحرب عن طريق الخوف من التدمير النووي الحراري المتبادل للحياة على الأرض (ويعتبر إحجام الناتو عن مهاجمة الطيارين الروس فوق أوكرانيا مباشرةً أحد ترددات التفكير نفسه).

  • انتصرت أمريكا في الحرب الباردة، فيما انهار الاتحاد السوفياتي عام 1991 تحت وطأة عجزه عن تلبية التطلعات المادية لسكانه ، وأصبح العالم أحادي القطب. كانت الصين مكتظة بالسكان ولديها جيش كبير، لكن هذا كان كل ما تملك. ولم يقرر «ماو» إعادة إحياء العلاقات الدبلوماسية مع العالم سوى في عام 1972. شكلت الزيارة الشهيرة التي قام بها ريتشارد نيكسون منذ نصف قرن بداية تحول الصين إلى دولة ذات تطلعات خارجية، كما هي اليوم.
  • في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان العالم إلى حد كبير ملك أمريكا وحدها. ولم يبقَ أمام القادة الأوروبيين الذين غاروا من هذا الوضع أمثال جاك شيراك سوى الانفجار غضباً، فيما سعى جورج بوش الابن إلى فرض نظامه العالمي الجديد على أساس أحادي الجانب، وشن الحروب وتغيير الأنظمة كما يشاء. حتى توني بلير، الماهر في إدارة «العلاقة الخاصة» بين البلدين، تبلغ في عام 2003 أن أميركا تنوي غزو العراق إما بموافقة البريطانيين والأمم المتحدة أو رغماً عنهما.
  • اليوم، تغير ميزان القوى مرة أخرى. أصبح لدينا نظام ثلاثي الأقطاب، لكن أضلاع المثلث، إذا جاز التعبير، غير متساوية بدل أن تكون العكس. إنه مثلث غير منتظم، من جميع الجوانب. تمتلك روسيا ترسانة نووية ضخمة، والتي يفترض أنها تعمل بكفاءة أكثر من جيشها من المجندين سيئ التنظيم وسيئ القيادة وغير المجهز تجهيزاً ملائماً (وهذه لازمة متكررة في تاريخها).

ثلاث قوى عظمى.. لكل منها نقاط قوة ونقاط ضعف

الصين بحاجة لأمريكا كسوق ضخمة مزدهرة. وأمريكا بحاجة إلى الصين لكي تقرضها المال لشراء المزيد من السلع الصينية. لقد شبهها بعملاقين مخمورين، يدعم كل منهما الآخر فيما يمشيان مترنحين في الشارع، ويتعثر كل منهما أحياناً بالمصالح المالية أو الجيوسياسية للآخر. علاقة الصين مع أوروبا مماثلة، لكنها أكثر توازناً. لدى الصين مبادرة الحزام والطريق التي تديرها الدولة كشكل من أشكال الإمبريالية الاقتصادية العالمية المتأخرة، حيث تشتري النفوذ والسلطة في كل مكان انطلاقاً من سريلانكا واليونان وجامايكا. أمريكا لديها «وول ستريت» و«أبل» و«ديزني».. روسيا لديها النفط والفحم والغاز.

  • بالتالي، لدينا ثلاث قوى عظمى، لكل منها نقاط قوة ونقاط ضعف، ولا واحدة منها قادرة على دفع الآخرين بمفردها. بالمناسبة، لا تظهر أوروبا كثيراً في هذا المشهد، باستثناء الأوساط الاقتصادية والتجارية لأنها، إما للأفضل أو للأسوأ، ما زالت لم تطور «شخصيتها» الواضحة في السياسة الخارجية والأمنية.

ربما في يوم من الأيام، قد تعيد أوروبا الموحدة التي تخصص فيها ألمانيا للدفاع موازنة متوازية، ومتناسبة، مثل أمريكا، تعيد التوازن إلى العالم مرة أخرى على شكل رباعي الأقطاب، لكن هذا سيستغرق بعض الوقت..في الوقت الحالي، تحمل أمريكا عبئاً ثقيلاً، وقد سئم ناخبوها، على الرغم من غضبهم من بوتين، من التورط في التعقيدات الأجنبية. بعد أفغانستان والعراق، هل سيقاتلون روسيا على مصير رومانيا أو إستونيا؟ على المرء أن يتساءل [هذا سؤال مشروع].

عالم ثلاثي الأقطاب..وقوة عظمى واحدة  «توجه الدفة»

وتابع «شون أوغرايدي»، في مقال نشرته صحيفة الإندبندنت The Independent البريطانية: بعد محادثة هاتفية طويلة بين «الرئيس الصيني شي، ونظيره الأمريكي بايدن» قبل أيام، كرر بايدن خلالها معارضته لاستقلال تايوان، وكان «البيان» الصيني عن المحادثة واثقاً وحازماً بشكل لافت، إذ جاء فيه «على الولايات المتحدة والناتو أيضاً إجراء حوارا مع روسيا لمعالجة جوهر الأزمة الأوكرانية وتهدئة المخاوف الأمنية لكل من روسيا وأوكرانيا».

  • أصبح بإمكان الصين الآن أن تُملي على أمريكا تصرفاتها، تماماً كما تستطيع أن تتوسل بقوتها الصناعية وبراعتها التكنولوجية لكي تملي على بوتين تصرفاته. لا شك في أننا نعيش في عالم ثلاثي الأقطاب، ولكنه عالم تبرز فيه قوة عظمى واحدة وتأخذ موقع قوة الدفع [توجه الدفة] في الشؤون العالمية.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]