عام مر على تنصيب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة، حينها تنفس كثيرون عبر العالم الصعداء لتخلصهم من دونالد ترامب وسياساته الحمائية والانعزالية، كما زاد مؤشر التفاؤل عندما أحاط بايدن نفسه بفريق متمرس على السياسة الدولية وأعرافها.
البداية بحلفاء أمريكا التقليديين في أوروبا حيث تغير الأسلوب لا المضمون فقد عادت اللباقة في التعامل وليس المضمون، إذ إن الضرائب التي فرضت في عهد ترامب على واردات الألومنيوم والصلب لم ترفع.
كما أن (الناتو) لم يعد كافيا بالنسبة لواشنطن لتفاجئ أصدقاءها الأوروبيين بعقد تحالف جديد أنجلوساكسوني في المحيط الهادئ سمته أوكوس تمهيدًا لتطويق الصين.
إهانة
أما الصدمة الأكبر فهي الانسحاب الأحادي من أفغانستان دون تنسيق مسبق مع الأوروبيين الذين انخرطوا معها في حربها الشعواء على الإرهاب.
كما أن فوضى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أثارت ذهول العالم واعتبرها كثيرون إهانة للولايات المتحدة ومكانتها كقائدة للعالم.
ودافع بايدن عن الخروج السريع من أفغانستان بأنه يدافع عن مصالح أمريكا بتحديات 2021 وليس بتلك التي سيطرت على السياسات الأمريكية قبل 20 عاما، وعلى رأسها الصين.
لكن خطوات إدارة بايدن إلى اللحظة لم تؤثر على التنين الصيني بشكل مباشر حيث اختار البيت الأبيض الضغط في المدى المتوسط على حليف بكين، روسيا، ليعود الملف الأوكراني على رأس الأولويات الأمريكية.
أما عربيا فقد عادت واشنطن إلى أسلوبها التقليدي لمعالجة الملفات العربية وهو التهدئة لا التقدم أو الاختراق، ليبقى الملف الوحيد الذي حاولت فيه إدارة بايدن إحراز تقدم فيه هو الملف النووي الإيراني بالعودة إلى طاولة المفاوضات في فيينا بجولاتها اللا منتهية.
تحقيق انتصار في الملف النووي الإيراني يحتاجه البيت الأبيض والديمقراطيون لتقديم اَي إنجاز حقيقي لإدارة بايدن قبل انتخابات الكونجرس في نوفمبر المقبل، حيث تشير المؤشرات إلى أن الجمهوريين سيسيطرون على لجان السياسات الخارجية وبالتالي تضييق الخناق على بايدن.. فهل يستطيع الفريق الرئاسي تدارك الأخطاء؟
أهمية الحلفاء
في هذا السياق، قال إريك هام الكاتب السياسي المختص بالشؤون الخارجية الأمريكية، إن الرئيس جو بايدن لديه خبرة 40 عاما في السياسة الخارجية الأمريكية، لكنه منشغل بتجميع الغرب لمواجهة روسيا التي تنوي غزو أوكرانيا.
وأضاف إريك هام خلال مشاركته في برنامج “مدار الغد” أن الرئيس الأمريكي يدرك قيمة الحلفاء وقيمة التعاون المشترك والتعاون مع الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن إدارة بايدن تواجهها العديد من القضايا الصعبة.
وأوضح أن بايدن ضاعف من اهتمامه بالعلاقات مع أستراليا والهند واليابان، وتستعد لمواجهة النمو الصيني لذا فهي توضح للشركاء والأصدقاء تهديد الصين في المستقبل للجميع.
واستكمل قائلًا: “ما نراه من بايدن رغم الانتقادات الكثيرة الموجهة أنه يعمل على توحيد الولايات الأمريكية، وكذلك توحيد العمل مع الشركاء والحلفاء لمواجهة مشاكل العالم”.
وأردف: “الرئيس جو بايدن كان واضحا من البداية إذ إنه قال إن أولوياته ستكون آسيا أكثر من الشرق الأوسط، وكل الانتقادات طبيعية، ولكن ما رأيناه أنه واضح في أقواله وتنفيذ أفكاره السياسية”.
لا خيارات أخرى
من جانبه، قال جان بيير ميلالي، خبير العلاقات الدولية، إن الحلفاء يثقون في الولايات المتحدة، لأنه لا خيار آخر لديهم، ولكن ما فعلته مع فرنسا بشأن عرقلة صفقة الغواصات النووية كانت ضربة خشنة.
وأضاف ميلالي أن السياسة الخارجية الأمريكية في عهد بايدن ليست جيدة، ولا يمكن الاعتماد على خبرته الطويلة لبناء آمال أخرى، مشيرا إلى أن هناك انتقادات كبيرة له في الداخل الأمريكي بسبب فترة غزو العراق عام 2003.
وأكد أن الخبرة لا بد أن تعتمد على رؤية إستراتيجية واضحة، وحتى الآن لا توجد لديه رؤية واضحة بصراحة، لافتا إلى أن انتخابات التجديد النصفي ربما يفوز بها الجمهوريون.
وأشار ميلالي إلى أن هناك فرقا في التعامل مع القضايا والصراعات العالمية بين الدول الأوروبية، لكن تبقى الأزمة الأوكرانية محط اهتمام الجميع لتقييم السياسة الأمريكية.
خسارة الحلفاء
فيما يرى الدكتور فواز كاسب، الباحث في الشؤون السياسية والإستراتيجية، أن فوز بايدن ووصوله إلى البيت الأبيض مؤشر بأن هناك ثقة كبيرة فيه من قبل الأمريكيين.
وأضاف فواز كاسب أن تغيير الخطاب السياسي لبايدن يجلعه عرضة لخسارة بعض الحلفاء الإستراتيجيين، موضحا أن هناك تغييرا ملحوظا للإستراتيجية الأمريكية على مدار العقدين الماضيين.
وأوضح كاسب أن الرئيس جو بايدن قام بتغيير السياسية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط منذ أن تسلم مهام في البيت الأبيض، وخاصة الملف النووي مع إيران التي تهدد المنطقة بالإرهاب.
ونشرت إذاعة «صوت أمريكا»، تقريراً موسعاً، تضمن نتائج استطلاعين للرأي، أجراهما معهد غالوب، شمل الأول 60 منطقة ودولة، وأظهر أن العام الأخير من رئاسة ترامب كان معدل الرضا عن القيادة الأمريكية للعالم لم يتعد 22%، وهي النسبة التي زادت بعد 6 أشهر من بدء رئاسة بايدن، لتصل إلى 49% في الاستطلاع الثاني والذي شمل 46 دولة ومنطقة.
وبعد سنوات من شعار ترامب «أمريكا أولاً»، رفع بايدن شعار «أمريكا عادت» إلى دورها في قيادة العالم، وإلى التعددية والدبلوماسية كأدوات رئيسية للسياسة الخارجية، وعادت إلى المنظمات متعددة الأطراف، وإلى الاتفاقات التي انسحبت منها، وشاركت في القضايا العالمية؛ مثل التعافي من جائحة كورونا، والتغير المناخي.
وعددت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، جين باساكي، إنجازات إدارة بايدن قائلة إن «الولايات المتحدة استعادت القيادة في بعض أكبر التحديات العالمية، بما في ذلك جائحة كوفيد-19، والتغير المناخي، مع استعادة التحالفات، وحل النزاعات التجارية مع الدول الأوروبية، ورفع مستوى الشراكات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من خلال الرباعي (الحوار الأمني الرباعي) الذي يضم الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان، ومبادرة “AUKUS“، للشراكة الأمنية الثلاثية التي تشمل الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة.
إلا أن هناك من يعتبر تلك المبادرة ليست نجاحاً كاملاً، نظراً لأنها أثارت غضب فرنسا، والتي كانت قد وقعت عقداً لتزويد أستراليا بغواصات، في صفقة كانت بقيمة 66 مليار دولار، وهو ما يراه البعض بمثابة خطأ فادح في السياسة الخارجية الأمريكية، مع فرنسا أحد أهم حلفائها.