عبدالله السناوي: الكلام المرسل لا يحقق استقلال القرار الوطني

يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المصري، عبد الله السناوي، أن تصويت القاهرة في مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار الروسي بشأن الأزمة السورية، كان داعيا لاستعادة مفردات «استقلال القرار الوطني» في التداول العام، ورغم  جرأة التصرف على نحو مستقل في أزمة معقدة وحساسة، فإنها لا تؤشر بذاتها على تحول جوهري في إدارة الملفات الإقليمية ولا نزوع مؤكدا للخروج من شبه العزلة إلى حيوية المبادرة.

 

ويقول السناوي في مقاله المنشور اليوم السبت بصحيفة الشروق، إذا كان الأمر قد وصل إلى هذا الحد فإنه لا بد من الاعتراف بأن أحوالنا قد تدهورت إلى ما يفوق “كوابيس كافكا”. لأن  الحدث عن مصر أكبر دولة عربية التي تولت قيادة العالم العربي لعقود طويلة بلا منازع، وبتعبير الأمير «تركى الفيصل» أحد أركان الأسرة السعودية، قبل زيارة الملك «سلمان» الأخيرة للقاهرة بأيام: «مصر القيادة الطبيعية للعالم العربي، غير أنه بسبب ظروفها الحالية تقدمت السعودية لتشاركها مسؤولية القيادة”.

 

ويتساءل الكاتب، إذا كان  لعب الأدوار الإقليمية  لها تكاليفها، ولاستقلال القرار الوطني معاركه، فما هي هذه المعارك التي دعت الرئيس السيسي  للقول: “عايزين تبقى عندكم استقلالية بجد ماتاكلوش وماتناموش” ؟ أخشى أن تكون دعوة مبطنة لاحتمال ارتفاع الأسعار وغياب عدالة توزيع الأعباء وعدم مراجعة السياسات والأولويات التي راكمت الأزمة حتى كادت أن تنفجر.

 

ويؤكد السناوي، إذا ما أردنا استقلالا حقيقيا فلا بد من توفير أسبابه ومقوماته لا الاستغراق في كلام مرسل لا يقف على أية أرض صلبة.

 

 

نص المقال:

تلخص قضية استقلال القرار الوطني، بمعاركها الكبرى وانتكاساتها المروعة، التاريخ المصري الحديث كله.. بتلخيص آخر فإنها المرجع الرئيسي للحكم على النظم السياسية، التي مرت على مصر منذ تأسيس دولتها الحديثة على عهد «محمد على»، فلا هي عابرة ولا مؤقتة ولا تتوقف عند أزمة ولا تصنعها دعاية.
وقد كان التصويت المصري في مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار الروسي بشأن الأزمة السورية داعيا لاستعادة مفردات «استقلال القرار الوطني» في التداول العام.. رغم جرأة التصرف على نحو مستقل في أزمة معقدة وحساسة فإنها لا تؤشر بذاتها على تحول جوهري في إدارة الملفات الإقليمية ولا نزوع مؤكدا للخروج من شبه العزلة إلى حيوية المبادرة.
بأي حساب سياسي فإننا نتحدث عن أزمة محدودة في ظروفها وسياقها مع السعودية لا عن مراجعة حقيقية لطبيعة العلاقات معها، إذا ما كانت استراتيجية على قواعد الندية والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة أم أنها بالافتراض تبعية استدعت غضبا جامحا من طرف عندما تصرف الآخر وفق ما يعتقده في مجلس الأمن.
أرجو أن نلتفت ــ أولا ــ إلى أن مشروع القرار الروسي، الذى يدعو إلى الفصل بين المعارضة المسلحة والجماعات التكفيرية في حلب يناقض مشروع القرار الفرنسي، الذى يدعو إلى منطقة حظر جوى فوقها بما يضفى حماية أممية على تلك الجماعات.
لا يوجد أحد في العالم مستعد أن يصدق أن القرارين ليسا متناقضين، فإذا ما خرج المتهمون بالتطرف والإرهاب من شرق حلب فإن المعارضة المسلحة تفقد أي وزن لها أمام الجيش السوري وحلفائه، وهذه ضربة قاصمة للحسابات السعودية والتركية والقطرية والغربية والأمريكية، وإذا ما بقوا تحت مظلة حظر الطيران فإن ذلك يسحب على المفتوح من الرصيدين الروسي والإيراني.

 

لا معنى إذن للحساسيات السعودية من صورة ضمت وزيري خارجية مصر وإيران في محفل دولي مماثل إلا إذا كانت تحرم على مصر ما تبيحه لنفسها.

 

وأرجو أن نلتفت ــ ثانيا ــ إلى أن السعودية دولة إقليمية مهمة لكنها ليست قوة عظمى كالولايات المتحدة فيما بعد الحرب العالمية الثانية ولا بريطانيا عندما كانت تحتل مصر لاثنتين وسبعين سنة متصلة حتى يقال إن الاختلاف مع خياراتها هو عنوان استقلال القرار الوطنى.
إذا كان الأمر قد وصل إلى هذا الحد فإنه لابد من الاعتراف بأن أحوالنا قد تدهورت إلى ما يفوق “كوابيس كافكا”.
نحن نتحدث عن مصر أكبر دولة عربية التي تولت قيادة العالم العربي لعقود طويلة بلا منازع… بتعبير الأمير «تركى الفيصل» أحد أركان الأسرة السعودية، قبل زيارة الملك «سلمان» الأخيرة للقاهرة بأيام: «مصر القيادة الطبيعية للعالم العربي، غير أنه بسبب ظروفها الحالية تقدمت السعودية لتشاركها مسئولية القيادة».
وهو كلام دبلوماسي منضبط على حقائق التاريخ سجله في حضور أمين عام الجامعة العربية الأسبق «عمرو موسى» والسفير السعودي «أحمد القطان» ونخبة من الشخصيات العامة المصرية على مائدة عشاء فى منزل وزير الخارجية السابق «نبيل فهمى»، الحوار تطرق إلى الأزمات المكتومة بين البلدين وضرورة المصارحة بالحقائق.
في توقيت مقارب صرح وزير الخارجية الحالي «سامح شكري» بأن مصر لا تسعى لقيادة العالم العربي ولا تبحث عن ريادة.. التصريح لم يكن موفقا أبدا، صحيح أن مصر في ظروفها الحالية ليس بمقدورها أن تمسك بمقاليد القيادة، غير أن غيرها لا يقدر على أن يحل مكانها، وقد فشلت بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية كل محاولات وراثة الدور المصري من دول عربية عديدة.
أول مواضع النظر في أي حديث عن استقلال القرار الوطني، ما تعريفه بالضبط؟، حتى لا يفلت الكلام ويفقد أثره، وهذه مسألة رؤية في الأمن القومي وحقائق القوة وفلسفة الحركة الدبلوماسية التي ترتب الأولويات وفق المصالح الاستراتيجية التي يسعى إليها.
وقد كشف الرئيس فى حديثه الأخير عن مجموعة عمل تناقش بعمق التجارب المصرية السابقة، لماذا لم تستكمل، وكيف نتجنب أخطاء الماضى، وقد أشار إلى تجربتى «محمد على» و«١٩٥٢»، دون أن يذكر «جمال عبدالناصر» بالاسم، ربما مراعاة لبعض الحساسيات السعودية التى تجنب ذكرها بالاسم فى معرض حديثه عن الأزمة الأخيرة.
أهم الأسئلة هنا: ما النتاج الفكرى الذى توصلت إليه مجموعة العمل الرئاسية؟.. لماذا لا يطرح للنقاش العام؟.. ثم أين المشروع الذى يتبناه الحاضر حتى يستفيد من أخطاء الماضى؟ المشروع مسألة رؤية، وهذه غائبة بفداحة وأحد أسباب تفاقم الأزمات على جميع الأصعدة.
وثاني مواضع النظر، مدى مقومات استقلال القرار الوطني، فأي استقلال للإرادة يتطلب استقلالا اقتصاديا، وقدرة على توفير الاحتياجات الأساسية لمواطنيه وأن يتسع أفق الأمل أمامهم في غد أفضل بالحقائق التي يرونها لا بالدعايات التي لا يصدقها أحد.
يكفى أن نطل على الدلالات السياسية والاجتماعية لفيديو «سائق التوك توك»، لنعرف حجم الأنين العام من تدهور الأوضاع الاجتماعية ومعدلات عدم الرضا عن السياسات المتبعة، في ساعات تجاوز عدد مشاهديه على شبكة الإنترنت (١٨) مليونا، وهو رقم غير مسبوق ورسائله كاشفة.
الرئيس يقول إن التقارير تصله عن سخط الناس فى الشارع ويطالب بالتحمل لكنه لا يقدم خطة عمل تشمل عدالة توزيع الأعباء بدلا من أن تدفع الفئات الأكثر عوزا والطبقة المتوسطة الفواتير كلها.

 

لا يمكن لبلد تغيب عنه ثقته في مستقبله أن يتطلع للعب أدوار مؤثرة في إقليمه وعالمه.
للعب الأدوار الإقليمية تكاليفها، ولاستقلال القرار الوطنى معاركه، فما هى هذه المعارك التى دعت الرئيس للقول: “عايزين تبقى عندكم استقلالية بجد ماتاكلوش وماتناموش”
أخشى أن تكون دعوة مبطنة لاحتمال ارتفاعات الأسعار وغياب عدالة توزيع الأعباء وعدم مراجعة السياسات والأولويات التى راكمت الأزمة حتى كادت أن تنفجر.
أين المعركة؟
لا توجد أية إجابة تبرر أية تضحية من هذا النوع.
وثالث مواضع النظر، مدى ما تلهمه أي تجربة حكم في الاتساق مع حقائق عصرها.
في عصر المعلومات والاتصالات والسماوات المفتوحة لا يمكن تأميم الإعلام، أو إغلاق أبواب النقاش العام أو التهوين من ضرورات الحريات العامة وحقوق الإنسان.
إن أي تطلع للعب أدوار إقليمية ملهمة يستدعى نموذجا في الداخل تفتقده مصر كما السعودية تماما.
الأولى، على خلفية سجل الحريات العامة وحقوق الإنسان المتراجع بفداحة.. والثانية، على خلفية ضيق نظامها عن الاتساع لمشاركة سياسية تستحقها نخبه الحديثة، التي حظيت بتعليم متقدم في أفضل الجامعات الأمريكية والأوروبية، فضلا عن سجل غاراتها في اليمن التي أفضت إلى كوارث إنسانية لا سبيل لإنكارها وتورطها في الدفاع عن منظمات متطرفة مثل جبهة “النصرة”
إذا ما أردنا استقلالا حقيقيا فلابد من توفير أسبابه ومقوماته لا الاستغراق في كلام مرسل لا يقف على أية أرض صلبة.

 

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]