عبدالله السناوي يكتب: شواهد نزيف الصور السياسية في مصر.. مزعجة برسائلها

المواجهات الأمنية المفرطة للحراك الشعبي وتظاهرات يوم الإثنين الماضي، أثارت ردود فعل واسعة، تخشى من العواقب، فإذا كان التظاهر حقا دستوريا، ولا توجد تهمة في القانون تبحث في النيات وتعتقل بالمصادفات، فإن القوة المفرطة استدعاء للكراهيات، وتعميق للفجوات بين الأمن وشعبه في لحظة حرب مع الإرهاب، بحسب تعبير الكاتب والمحلل السياسي، عبد الله السناوي.

ويرى السناوي، أن الصور تشي بالفزع لا الثقة، كأن هناك ترقبا لانفجار ما لا يعرف أحد حدوده أو سيناريوهات، وفي نفس الوقت، فإن خشية المجهول اعتراف بتراجع شعبية الحكم بالشارع وسط قطاعات منحته ثقة بلا حدود وعلقت عليه آمالا واسعة أخذت في الأفول.

ويقول السناوي، المعروف بأنه من المقربين من النظام في مصر، إنه يصعب إنكار النزيف الحاد في صورة النظام الحالي، وهذه حقيقة تلمسها دون عناء في السجال العام، وبالنسبة لنظام تأسست شرعيته على إرادة شعبية لا سبيل إلى التشكيك فيها تبدو الصور مأساوية تماما في الذكرى الرابعة والثلاثين لتحرير سيناء، وكأنها مكايدة لقطاعات غاضبة من الرأي العام المصري تسأل وتستفسر عن حقيقة ترسيم الحدود البحرية ونقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير، وبعض المكايدة انتحار سياسي، وبعض الصور مزعجة برسائلها، وساذجة في تصوراتها.

ويضيف السناوي في مقاله المنشور اليوم في صحيفة الشروق المصرية: الصورة الأولى، حشود أمنية غير مسبوقة لمصادرة أي تظاهرات محتملة ضد مشروع الاتفاقية، والصورة الثانية، ما جرى أمام نقابة الصحفيين من تمركزات أمنية غير مسبوقة، ودفع «مجموعات من البلطجية تحملهم سيارات لاقتحام مبنى نقابة الصحفيين»، كأن دعم النظام يستدعي سب الصحافة بأقذع الألفاظ التي يعف عنها اللسان واتهامها بالخيانة والعمالة.

أما الصورة الثالثة، الاعتقالات الواسعة لصحفيين مصريين وأجانب أثناء تغطيتهم المهنية للأحداث وتطوراتها، الصورة الرابعة، الحصار الأمني لمقر حزب سياسي، مهمته أن يعمل في السياسة، ويبدى رأيه بحرية في الشأن العام.

الصور نفسها تنبئ بخلل جوهري في بنية النظام وتوجهاته وتفلت أمنى لا يمكن إغفاله دون حساب عليه، كانت الصور كارثية على نظام ولد من رحم واحدة من أكبر الثورات الشعبية في التاريخ المصري، ونزيف الصور من وهج الآمال إلى خفوت الرجاء يتطلب وقفة تأمل في رسائلها دون مكابرة.

نص المقال:

يصعب إنكار النزيف الحاد فى صورة النظام الحالي هذه حقيقة تلمسها دون عناء فى السجال العام. بالنسبة لنظام تأسست شرعيته على إرادة شعبية لا سبيل إلى التشكيك فيها تبدو الصور مأساوية تماما فى الذكرى الرابعة والثلاثين لتحرير سيناء. أسوأ استنتاج ممكن الإدعاء بعكس الشواهد وخداع النفس بتجمعات مصطنعة ترفع الأعلام السعودية فى ذكرى تحرير سيناء، كأنها مكايدة لقطاعات غاضبة من الرأى العام المصرى تسأل وتستفسر عن حقيقة ترسيم الحدود البحرية ونقل ملكية جزيرتى «تيران» و«صنافير». بعض المكايدة انتحار سياسى وبعض الصور مزعجة برسائلها وساذجة فى تصوراتها.

الصورة الأولى، حشود أمنية غير مسبوقة لمصادرة أية تظاهرات محتملة ضد مشروع الاتفاقية. اتخاذ الإجراءات الاحترازية شىء وتوسيع دائرة الاشتباه شىء آخر تماما. ما هو احترازى واجب لضمان سلامة المؤسسات العامة. غير أنه ككل شىء آخر إذا ما زاد عن حده انقلب إلى ضده. لا يوجد تفسير قانونى واحد للاعتقالات العشوائية من على المقاهى ولا لمداهمات البيوت بذريعة «النية فى التظاهر». كما لا يوجد تبرير مقنع واحد للاحتجاز العشوائى بالشبهات فى منطقة وسط البلد التى نالت من مواطنين عاديين كأنه تحريض على كراهية النظام.

التظاهر حق دستورى ولا توجد تهمة فى القانون تبحث فى النيات وتعتقل بالمصادفات. فى القوة المفرطة استدعاء للكراهيات وتعميق للفجوات بين الأمن وشعبه فى لحظة حرب مع الإرهاب. على عكس منطق الردع بمبالغات القوة فإن الصور تشى بالفزع لا الثقة كأن هناك ترقبا لانفجار ما لا يعرف أحد حدوده أو سيناريوهاته. خشية المجهول اعتراف بتراجع شعبية الحكم بالشارع وسط قطاعات منحته ثقة بلا حدود وعلقت عليه آمالا واسعة أخذت فى الأفول. الصورة الثانية، ما جرى أمام نقابة الصحفيين من تمركزات أمنية غير مسبوقة أغلقت شارع «عبدالخالق ثروت» بالكامل.يعزى ذلك إلى التفكير الأمنى فى حجب أى منفذ لأية تجمعات متوقعة ومنع التظاهر من الأصل بذات المكان الذى شهد احتجاجات «جمعة الأرض» التى تبدت قيمتها فى رمزيتها لا أحجامها.

ما لا يمكن تفسيره أو تبريره أو تقبله، أيا كان موقفك من تلك التظاهرات الاحتجاجية، دفع «مجموعات من البلطجية تحملهم سيارات لاقتحام مبنى نقابة الصحفيين».. كأن دعم النظام يستدعى سب الصحافة بأقذع الألفاظ التى يعف عنها اللسان واتهامها بالخيانة والعمالة. باستثناءات محدودة منع الصحفيون من الذهاب إلى نقابتهم بينما جرى السماح لمثل تلك المجموعات أن تتظاهر أمام المبنى العتيد، وترفع بعض أفرادالشرطة على أعناقها كأنها حرب مفتوحة على حرية الصحافة. الصورة نفسها تنبئ بخلل جوهرى فى بنية النظام وتوجهاته وتفلت أمنى لا يمكن إغفاله دون حساب عليه. وقد وصل التفلت مداه بوضع صورتين متجاورتين لرئيس الجمهورية ووزير الداخلية فى إعلان الدعم والتأييد. إذا كان مفهوما أسباب دعم الأول فى قراره بخصوص الجزيرتين فما مغزى وجود الثانى بالصورة نفسها؟ شىء من الفوضى فى التدبير والتفكير أثمانه باهظة.
الصورة الثالثة، الاعتقالات الواسعة لصحفيين مصريين وأجانب أثناء تغطيتهم المهنية للأحداث وتطوراتها.. التقديرات الأولية رجحت وصول رقم المحتجزين إلى نحو (٣٣) صحفيا مصريا..رغم الإفراج باليوم نفسه عن الذين احتجزوا إلا أن الفعل نفسه ترك رسالة بالغة السلبية عن صورة الحريات الصحفية والإعلامية فى مصر. بتقدير منظمة «مراسلون بلا حدود» تحتل مصر مكانة متدنية للغاية فى سلم الحريات الصحفية. هناك من اتهم التقرير بالمبالغة لأسباب سياسية. قد يكون ذلك مقبولا نسبيا بالنظر إلى مجمل مواقفها غير أنه يصعب الآن الادعاء بعكس تقريرها.

لا أحد فى العالم سوف يصدقنا، وهو يتابع ما يجرى على شاشات الفضائيات من تغييب لكامل الصورة باستثناءات تستحق الاحترام. فى احتجاز ثلاثة صحفيين فرنسيين رسالة إحراج للرئيس الفرنسى «فرانسوا أولاند»، الأكثر دعما للنظام فى مصر، أمام «الميديا» فى بلاده. وفى احتجاز ثلاثة صحفيين أوروبيين آخرين مأساة إضافية كأننا لا نتعلم شيئا من ظلال قضية مقتل الباحث الإيطالى الشاب «جوليو ريجينى» الذى اختفى يوم (٢٥) يناير (٢٠١٦) وسط إجراءات أمنية بالغة التشدد. إذا افترضنا أن ضررا بالغا لحق بالصحفى الدنماركى الذى احتجز بأحد أقسام الشرطة فما الذى كان يمكن أن يحدث؟ أى استبعاد للعقوبات الدولية فهو كلام فارغ. اللعب بنار الأمن دون أى رؤية سياسية تحكم التصرفات قد يورد البلد كله إلى أوضاع صعبة لا يحتملها اقتصاده المنهك.

الصورة الرابعة، حصار مقر حزب «الكرامة» الذى يقع بالقرب من ميدان «المساحة» بحى «الدقى» الذى شهد تظاهرات احتجاجية سرعان ما فرقها الأمن. الحصار الأمنى لمقر حزب سياسى، مهمته أن يعمل فى السياسة ويبدى رأيه بحرية فى الشأن العام، انتهاك للقانون والدستور معا. لا يملك حزب سياسى لديه شىء من الشرف أن يسلم مختارا بعض المتواجدين فيه لقوات أمن تنتظر على السلالم ويرفع بعضها السلاح فى وجه من يطل عليهم. رغم أن القصة انتهت بسلام غير أن صورتها كرست رسالة سلبية أخرى عن مدى احترام التنوع فى الرأى صلب أى انتساب للديمقراطية والحياة الحزبية التى يعتبرها الدستور أساس نظام الحكم.

الصورة الخامسة، تلخص فداحتها التجمعات الاحتفالية لبعض المواطنين الذين يوصفون بـ«الشرفاء» فى ميدانى «عابدين» و«مصطفى محمود» وميادين أخرى فى المحافظات. لم يكن لائقا الربط بين الاحتفال ببطولات أكتوبر وعودة سيناء وقضية ترسيم الحدود مع السعودية. كما لم يكن مقبولا شحن مواطنين بسطاء جرى جلبهم بـ«الميكروباصات» إلى حيث الاحتفالات إلى حد تطوع سيدة أمام الكاميرات بإبداء استعدادها لإهداء العاهل السعودى «الأهرامات» و«أبو الهول» فوق الجزيرتين. الكلام العشوائى من طبيعة الاحتفالات التى نظمت برعاية أمنية كاملة.

كانت الصور كارثية على نظام ولد من رحم واحدة من أكبر الثورات الشعبية فى التاريخ المصرى. الجسور شبه تهدمت ما بين (٣) يوليو (٢٠١٣) وما بعده و(٢٥) أبريل (٢٠١٦) وما قبله. الفوارق هائلة بين رهانات الحرية والعدالة وبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة وبين قوة الأمر الواقع وظلاله الداكنة بلا قدرة على الحشد والتعبئة والإلهام.
نزيف الصور من وهج الآمال إلى خفوت الرجاء يتطلب وقفة تأمل فى رسائلها دون مكابرة.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]