عبد الله السناوي يحذر من خروج اتفاقية «تيران وصنافير» عن التاريخ والحقائق

يستدعي الكاتب والمحلل السياسي عبدالله السناوي، شواهد التاريخ على اتفاقيات مصرية سابقة، لم يجر عليها كما حدث في قضية التنازل عن جزيرتي تيران وسنافير ، مؤكدا أنه رغم اختلاف العصور والدواعى والملابسات لم يكن بوسع أحد مصادرة السؤال العام فى كل الاتفاقيات التى وقعتها الحكومات المصرية خلال الثمانين عاما الماضية، ولا منع الانتقادات أيا كانت درجة حدتها. ويحذر الكاتب في مقاله التحليلي المنشور في صحيفة الشروق المصرية، اليوم السبت، من عدم قراءة التاريخ، أو الخروج عنه، مما يصعب تدارك نتائجه.

ويشير الكاتب، المقرب من مؤسسة الرئاسة، إلى أن كل الاتفاقيات التى تتعلق بالسيادة استخدمت الوثائق المصرية المتوافرة أو التى جرى البحث عنها فى الأرشيفات الدولية لإثبات الحق، على عكس ما جرى تماما فى ملف «تيران» و«صنافير» حيث كرست مؤسسات الدولة لفكرة «التخلى» دون أن تنهض الدولة الأخرى بتقديم مستند واحد يثبت أحقيتها فى الملكية أو طلب السيادة.

ويقول “السناوي” إن من ألغاز اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية أن كل البدائل استبعدت: أولها، التحكيم الدولى بحجة أنه ليس هناك تنازع بين البلدين.. وثانيها، الاستفتاء الشعبى على الحق فى السيادة وفق نص دستورى ملزم.. والمثير أن الاستفتاء استخدم مرتين لأهداف مماثلة: الأولى، فى تقرير مصير السودان الذى أفضى إلى استقلاله.. والثانية، فى إقرار الوحدة مع سوريا وتوسيع نطاق السيادة وفق مفهوم عروبى.

ويرى “السناوي” أن التعتيم الكامل خروج عن الأصول المستقرة فى إدارة ملفات السيادة وأزماتهان وأن أى رهان على مصادرة حق الإحاطة بالتفاصيل والسعى لتصحيح أية أخطاء خروج عن التاريخ وحقائقه ودروسه. بصورة أو أخرى ارتبطت اتفاقيات السيادة ببعضها الآخر كأنها حلقة واحدة رغم تناقض الرجال والعصور.وأنه رغم عدم وجود وثائق، خارج المكاتبات الرسمية، تؤكد الملكية السعودية للجزيرتين، إلا أنه جرى القفز إلى استنتاجات مثيرة للتساؤلات دون نظرة جدية فى أى حق مصرى.

ويخلص الكاتب إلى أن استبعاد البدائل التى تسمح بالتصحيح الذاتى لأية أخطاء ارتكبت، أحد وجوه التعتيم الذى يضر بأى قضية وكل مستقبل، وأن ملفات السيادة لا يملك أحد إغلاقها بقرار، ولا حسمها بقبضة أمن.

 

وفيما يلي نص المقال:

المصريون لا يخترعون التاريخ من جديد فى جزيرتى «تيران» و«صنافير” .. والأسئلة حساسة بقدر خطورة ملفات السيادة .. والاحتجاجات مشروعة بقدر أية تنازلات محتملة.. ورغم اختلاف العصور والدواعى والملابسات لم يكن بوسع أحد مصادرة السؤال العام فى كل الاتفاقيات التى وقعتها الحكومات المصرية خلال الثمانين عاما الماضية ولا منع الانتقادات أيا كانت درجة حدتها.

باسم الشعب وقع زعيم الوفد «مصطفى النحاس» اتفاقية (١٩٣٦) قبل أن يلغيها هو نفسه باسم الشعب فى (١٩٥١). على مدى خمسة عشر عاما هيمنت الاتفاقية ونصوصها والتنازلات التى احتوتها على المجال العام المصرى الذى طلب الجلاء كاملا دون أن يحصل عليه. بموجبها ألزمت مصر تقديم كل التسهيلات والمساعدات للقوات البريطانية فى استخدام موانئها ومطاراتها وطرق المواصلات فيها بحالة الحرب.

ورغم أن قوات الاحتلال انسحبت إلى معسكرات وقواعد بقناة السويس إلا أنها احتفظت بحقوق السيادة كما تجلى ذلك فى حصار دباباتها عام (١٩٤٢) لقصر عابدين وإجبار الملك «فاروق» على إسناد رئاسة الحكومة لـ«النحاس» عندما اقتربت القوات الألمانية من العلمين خشية أى انهيار فى الوضع الداخلى يؤثر على أوضاعها العسكرية.

فى تلك الأيام كتب أحد الصحفيين الكبار: «ألعن المعاهدة وأقبلها».. رد عليه صحفى كبير آخر: «إذا كنت تلعنها فلماذا تقبلها؟». لم يكن بوسع أحد تأميم السجال العام ولا ممكنا لمجمل الحركة الوطنية التى أطلت على المسرح السياسى المصرى ما بين الحربين العالميتين أن تتعايش طويلا مع اتفاقية أتاحت خفض كلفة الاحتلال باسم التحالف مع بريطانيا..النصوص نشرت بكاملها، وهو ما لم يحدث فى مشروع اتفاقية «ترسيم الحدود البحرية». كما أن الفريق الذى أدار المفاوضات فى لندن مع الحكومة البريطانية كان معلوما بأسمائه وخلفياته وتوجهاته، وهو ما بدا غامضا تماما فى التخلى عن الجزيرتين.

التعتيم الكامل خروج عن الأصول المستقرة فى إدارة ملفات السيادة وأزماتها.. لم يحدث مثل ذلك التعتيم عند توقيع اتفاقيتين آخرتين بين عامى (١٩٥٣) و(١٩٥٤).

الأولى، اتفاقية تقرير مصير السودان التى وقعها اللواء «محمد نجيب» مع السفير البريطانى فى القاهرة السير «رالف ستيفنسون»، ولم يكن رجل يوليو القوى «جمال عبدالناصر» من ضمن فريقها المفاوض.بموجب الاتفاقية تقرر انسحاب القوات المصرية والبريطانية فور صدور قرار من البرلمان السودانى برغبته فى الشروع باتخاذ تدابير تقرير المصير. كان أمام الجمعية التأسيسية السودانية الاختيار بين الارتباط بمصر على أية صورة أو الاستقلال التام.

والثانية، اتفاقية الجلاء التى جرى وفقها انسحاب آخر جندى بريطانى من مصر قبل تأميم قناة السويس بشهر واحد. كان كل شىء معلنا مقدماته معروفة ونهاياته مفهومة. رغم أية أخطاء سياسية أفضت إلى تغليب خيار الاستقلال فى الاستفتاء على تقرير مصير السودان، إلا أن الاستفتاء نفسه حق أصيل لا يمكن المنازعة فيه وتقبل نتائجه قيمة سياسية لا يصح التشكيك فيها.

أى رهان على مصادرة حق الإحاطة بالتفاصيل والسعى لتصحيح أية أخطاء خروج عن التاريخ وحقائقه ودروسه. بصورة أو أخرى ارتبطت اتفاقيات السيادة ببعضها الآخر كأنها حلقة واحدة رغم تناقض الرجال والعصور.

من مفارقات التاريخ أن «جمال عبدالناصر» الذى أدار مفاوضات الجلاء لم يكن ممكنا له أو لرفاقه فى الضباط الأحرار أن يلتحقوا بالكلية الحربية لولا اتفاقية (١٩٣٦).

ككل الاتفاقيات التى تتعلق بالسيادة استخدمت الوثائق المصرية المتوافرة أو التى جرى البحث عنها فى الأرشيفات الدولية لإثبات الحق، على عكس ما جرى تماما فى ملف «تيران» و«صنافير» حيث كرست مؤسسات الدولة لفكرة «التخلى» دون أن تنهض الدولة الأخرى بتقديم مستند واحد يثبت أحقيتها فى الملكية أو طلب السيادة. لم تكن اتفاقية الجلاء مثالية. وفق نصها: «تجلو حكومة المملكة المتحدة جلاء تاما عن الأراضى المصرية».. غير أنها اشترطت فى حالة وقوع هجوم مسلح على أى بلد يكون عند توقيع هذا الاتفاق طرفا فى معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية أو على تركيا أن تقدم مصر من التسهيلات ما يقد يكون لازما لتهيئة قاعدة قناة السويس للحرب وإدارتها إدارة فعالة.

النص بذاته استثار غضب قطاع لا يستهان به من النخب السياسية على الاتفاقية. رغم رفع العلم المصرى على قاعدة قناة السويس ونداء «ارفع رأس يا أخى» ظلت التساؤلات تطرح نفسها بإلحاح حتى أمم «عبدالناصر» القناة ودخل فى مواجهة عسكرية مفتوحة ضد العدوان الثلاثى. المعنى التاريخى أن مصر اكتسبت سيادتها الحقيقية بقوة الإرادة الوطنية فى حرب السويس. المثير أن الرجل الآخر فى اتفاقية الجلاء السير «انتونى ناتنج» وزير الدولة للشئون الخارجية البريطانية بدا ممزقا بين مثله الأخلاقية والتزاماته الحكومية إثر حرب السويس فاستقال من منصبه احتجاجا.

ورغم أن مصر خرجت بعد حرب السويس قوة كبيرة لا يمكن تجاهلها فى المعادلات الدولية، إلا أن بعض نتائجها بقيت غصة فى الحلق فيما يتعلق بالملاحة الإسرائيلية حيث خليج «العقبة» و«تيران» و«صنافير».

فى أتون النار لم تتحدث الخارجية السعودية لمرة واحدة عن احقيتها فى الجزيرتين، ولا تحملت أية مسئولية سياسية أو عسكرية للدفاع عنهما. بمعنى آخر هناك نوعان من التخلى عن الجزيرتين لا يمكن نفيهما. الأول، سعودى طوال سنوات المواجهة.. والثانى، مصرى بعد أن انقضت كل مواجهة. فكرة «التخلي» لا سابق لها فى كل الاتفاقيات والمعاهدات التى وقعتها مصر بغض النظر عن طبيعتها وظروفها وبيئتها الدولية.

فى اتفاقيتى (١٩٣٦) و(١٩٥٣) إجراءات تنال من السيادة، لكنها مفهومة بالنظر إلى حقائق القوة فى عصرها. «كامب ديفيد» نفسها لم تنطو على تخلٍ عن الأرض. الانتقادات الحادة انصبت على «السيادة الناقصة» فى سيناء وفق الملاحق العسكرية لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.بالتحكيم الدولى حول طابا استعادت مصر كامل أراضيها فى سيناء دون أن تبسط كامل سيادتها.

من ألغاز اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية أن كل البدائل استبعدت. أولها، التحكيم الدولى بحجة أنه ليس هناك تنازع بين البلدين. وثانيها، الاستفتاء الشعبى على الحق فى السيادة وفق نص دستورى ملزم. المثير أن الاستفتاء استخدم مرتين لأهداف مماثلة.الأولى، فى تقرير مصير السودان الذى أفضى إلى استقلاله. الثانية، فى إقرار الوحدة مع سوريا وتوسيع نطاق السيادة وفق مفهوم عروبى.

ورغم أنه لا توجد وثائق، خارج المكاتبات الرسمية، تؤكد الملكية السعودية للجزيرتين إلا أنه جرى القفز إلى استنتاجات مثيرة للتساؤلات دون نظرة جدية فى أى حق مصرى..استبعاد البدائل التى تسمح بالتصحيح الذاتى لأية أخطاء ارتكبت أحد وجوه التعتيم الذى يضر بأى قضية وكل مستقبل. ملفات السيادة لا يملك إغلاقها بقرار ولا حسمها بقبضة أمن.

أرجو قراءة التاريخ فالخروج عنه يصعب تدارك نتائجه

 

 

 

 

 

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]