«عفوا، لم نجدكم».. فيلم بريطاني يرصد انتهاك الإنسان إلى أبعد الحدود

رياض أبو عواد يكتب من مهرجان الجونة
يصور الفيلم البريطاني “عفوا، لم نجدكم”، للمخرج كين لوتش، الذي عرض ضمن فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان الجونة السينمائي، كيفية استغلال الإنسان باسم الحرية حتى الإنهاك والخروج عن الإنسانية باتجاه العبودية بسلطة المال والتحكم في البشر.

وذلك من خلال رجل جرب كل أنواع الأعمال، وكانت سبل العيش تقفل في وجهه، رشح للعمل في شركة توصيل بضائع إلى المنازل، وفي اللقاء بين الرجل ورب العمل يجري حوار يوحي بأن للعامل حرية في العمل كما يشاء، لكن هناك ضوابط محددة مقابل هذه الحرية، إيصال البضائع في الوقت المحدد، وتسليم كل البضائع أيضا في الوقت المحدد، وتتدخل بتفاصيل تفاصيل العمل مثل ملكية الشاحنة وأجرة الشاحنة في حالة عدم امتلاكها، إلخ.

ويتم توزيع أجهزة إلكترونية تحدد جهات الاستلام، ومواعيد تسليمها، وخطوط سير الشاحنة، التي تحمل البضاعة على مدار يتجاوز الـ14 ساعة عمل يوميا، وأي تقصير في المهمات يتبعه عقوبات مالية يتم خصمها من أجرة العمل التي يحصل عليها.

فبدلا من الاستغلال المباشر المعروف في بدايات الرأسمالية المبكرة أصبح الاستغلال أبشع ومن خلال الذكاء الاصطناعي، الذي يتحكم في خط مسار البشر إلى جانب القوانين، التي يضعها الرأسمالي لزيادة ثروته، وقد تكون هنا تجربة شركة أمازون وصاحبها، أغنى أغنياء العالم، الذي استطاع تكوين ثروته من خلال تجارة الإنترنت، أحد الإيحاءات لكاتب ومخرج الفيلم.

وفي نفس الوقت، تعمل زوجته في رعاية الحالات الصحية، حيث تزور عدة بيوت، تقوم على خدمة المرضى وكبار السن، الذين يعيشون فيها لعدة ساعات يوميا، ولا تستطيع العودة مبكرة إلى البيت لرعاية ابنتها الصغيرة وابنها المراهق، فتنهك نفسيا وجسديا، إلا أنها لا تلغي تواصلها الإنساني مع مرضاها، بما يوحي بأن حالات الضعف الإنساني أيضا في ظل حس إنساني سليم قد يخلق حالة من التواصل يحتاجها الإنسان.

الفيلم، رغم قتامته، يوضح حقائق تجري على الأرض في زيادة استغلال الإنسان والعمال في ظل التقدم التكنولوجي الحاصل على الأرض وحلول الروبوتات مكان الإنسان في العديد من المواقع، بحيث أصبحت تحتل في بعض المدن البريطانية عشرين وثلاثين في المائة من نسبة العمالة، بما يعنيه ذلك من ارتفاع نسبة البطالة.

وأصبحت حركة الإنسان مرتبطة إلى حد كبير بهذا التطور التكنولوجي، وزيادة السيطرة على مسلكياته واستنزافه في ساعات العمل، التي يقدمها مقابل أجره، وهذا الفيلم أحد التعبيرات عن هيمنة التكنولوجيا المستغلة من قبل الرأسمال في استنزاف العامل إلى أبعد حد، حتى يصل الأمر إلى انتزاع الإنساني والعلاقات الإنسانية بين البشر، كما جاء في مشاهد الفيلم المتابعة، ومثال ذلك مشهد اصطحاب الرجل ابنته الصغيرة خلال توزيعه البضائع، بعد أن عجز الوالد عن توفير الوقت لملازمة ابنته حتى ولو لدقائق.

يصور الفيلم مدى البهجة التي أضفيت على الصغيرة ووالدها، ولكن صاحب العمل يمنعه من اصطحابها معه في مرات أخرى، كمعادل للقضاء على البهجة التي يمكن توفيرها.

إلى جانب دور العمل الرأسمالي في تدمير الترابط العائلي، وخلق حالة من التواصل في مشهد صور ضرورة ذهاب الرجل وزوجته إلى مدرسة ابنه لمعالجة مشاكل هذا الفتى المراهق، فيتم منعه من قبل رب العمل، وهذا ينطبق أيضا عندما اعتقل الابن خلال قيامه مع أصدقائه بالرسم على الحوائط في المدينة والحدائق رسوم ذات معنى، وتحمل تساؤلات عن معنى  الحياة التي يعيشونها، فيتم رفض إعطاءه إجازة.

فيضطر أن يتقبل العقوبة المالية المؤثرة في قضايا معاشهم اليومي، ويذهب لمقابلة ابنه والبوليس لحل هذه المشكلة، التي وقفت وراء تفاقم الأزمة بينه وبين ابنه، والتي يلعب فيها غياب الوالدين عن البيت تحت أعباء الحصول على المعاش اليومي.

ولكن الفن يعيد تقاربهما عندما يرى رسومات ابنه، التي يشكلها على صفحات في المنزل، وكلها تحمل أفواها مفتوحة، كأنها تصرخ مستنجدة بالخروج عن هذا المصير البائس، كما عبر عنها الابن في أحد المشاهد، قائلا لوالده “لا أريد أن أكون مثلك”.

تصل الأمور إلى الذروة حين يصور الفيلم كيف يفقد الإنسان إنسانيته بسبب تحكم الرأسمال في حياة البشر، إذ يضطر أن يذهب للعمل، وهو محطم جسديا نتيجة الاعتداء عليه من قبل لصوص سرقوا البضائع التي يحملها وضربوه ضربا مبرحا.

فبدلا من اعتبارها إصابة عمل وانتظاره حتى يستعيد لياقته الجسدية يتم إبلاغة بكم كبير من الغرامات قد فرضت عليه بسبب التأخير إلى جانب دفع ثمن الجهاز المتحكم في حركته، والذي حطمه اللصوص عند الاعتداء عليه.

يذهب إلى العمل ولا يقبل استجداء زوجته وابنه وابنته في البقاء في المنزل حتى يشفى، ويختتم الفيلم مشاهده والرجل يسوق الشاحنة غير قادر على التركيز، ووجهه محطم، وجسده مهشم، كمشهد أخير في رحلة التدمير الإنساني، وإنهاك الروح البشرية في أبشع أنواع الاستغلال.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]