علي الصراف يكتب: الحياد مع الحق والحياد مع الباطل

علي الصراف

تفعل الدول ما يناسبها، لأنها دول، تقيس مصالحها بمعايير مختلفة عما يقيس به الناس. ولكننا بشر في النهاية. يؤلمني ما يؤلم جاري. ويهين مشاعري إذا رأيته يُظلم أو يُهان. ولا أستطيع أن أكون محايدا مع الظلم. وإلا فقدتْ معناها كل الأشياء التي صنعت الكفاح من أجل الحرية، ويسّرت لمَنْ لا أعرفهم السبيل لكي يموتوا دفاعا عن حقي.

ترتكب روسيا جرائم حرب مشهودة في أوكرانيا. وجرائم الحرب ينبغي ألا تنتصر. فإذا كان هناك ما يبرر اتخاذ موقف من مساوئ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، فإن الحياد حيال مساوئ الرئيس فلاديمير بوتين ليس موقفا صالحا أمام التاريخ.

وزارة الدفاع الروسية هي ذاتها تقول إن الأوضاع الإنسانية في مدينة ماريوبول مروعة. هذه الأوضاع من صنع القنابل والصواريخ والمدافع الروسية.

لقد تم قصف ملاجئ للأطفال ومستشفيات. وتشرد أكثر من 10 ملايين إنسان. وبمقدار ما يتعلق الأمر بماريوبول وحدها فقد تم تحويل معظم مبانيها إلى ركام. هذه المدينة التي لجأ الى أقبيتها كل السكان، لم تملك إلا الموت أمام البطش الروسي بها.

“أتمنى ألا يرى أحد ما شاهدت”. هذا ما قاله القنصل اليوناني العام مانوليس اندرو لايكس عندما غادر المدينة. وشبّه الدمار بأعنف ما عرفته المدن الأخرى عبر التاريخ: جورنيكا بقصف الفاشيين الإسبان، ولينينجراد كوفتنري بقصف الفاشيين الألمان، وحلب وغروزني بقصف الفاشيين الروس.

ماريوبول شاهد آخر على أن النازية مرض يمكن أن يُصيب روسيا نفسها.

أوكرانيا ارتكبت أخطاء، أو دُفعت لكي ترتكب أخطاء، عندما لم تُصغ إلى المخاوف الأمنية الروسية، وعندما لم تنتبه إلى خطر طبائع الاستبداد التي نمت في موسكو. لم تنتبه إلى أنها صارت مستعدة لتحريك صواريخها النووية لتهديد العالم كله من أجل أن تضم أرضا إضافية، إلى بلد هو الأكبر مساحة في العالم.

تتذرع موسكو بالكثير من المزاعم المضحكة، التي لا يصدقها الروس أنفسهم. بعض هذه المزاعم بلغ حد القول إن القوات الأوكرانية التي تدافع عن ماريوبول في وجه الدبابات والصواريخ الروسية، هي التي تقصف المدينة على نفسها. شيء لم يجرؤ غوبلز على قوله. قلب الحقائق لا يفترض أن يكون مخزيا إلى هذا الحد. إلا أن الابتذال الدعائي شيء، والجريمة شيء آخر.

الحياد حيال الجريمة ليس موقفا صحيحا حيال الإنسانية نفسها. نعم، هناك رئيس في البيت الأبيض ليس أقل سوءا من سلفه، إلا أن هذا لا يبرر الحياد. نحن هنا أمام أزمة إنسانية، تدفع العالم إلى حافة حرب عالمية ثالثة.

أوكرانيا، في النهاية، بلد محدود القدرات العسكرية. وهي تقاتل بأسلحة فردية إلى حد بعيد. أفراد أمام جيش جرار يمتلك طاقات عسكرية تكفي لدمار الكرة الأرضية.

النظر إلى الجرائم التي ترتكبها القوات الروسية في أوكرانيا، من زاوية الحماقة الأمريكية حيال قضايا أخرى، لا ينطوي على رؤية ثاقبة؛ لا يوفر إطلالة واسعة على الأزمة وتداعياتها العالمية.

النظام الدولي الذي تريد موسكو أن تعيد تركيبه على مقاسها، لن تقوم له قائمة. نقطة رأس السطر. هذا مجرد وهم. بلد لا يتجاوز ناتجه الإجمالي 1.5 تريليون دولار لا يستحق ذلك، ولا يقوى عليه.

الحقيقة التي لن تظهر إلا بعد حين، هي أن بوتين الذي تلقى استعدادات صريحة بتلبية مطالبه، خشي أن تتم تلبيتها فعلا، فدفع بقواته لكي تغزو أوكرانيا من أجل أن يفرض عليها “الاستسلام”. لم يكن يريد التفاوض على تلبية مطالبه. لأنه لم يكن يريد بقاء أوكرانيا دولة مستقلة أصلا.

الدوافع التوسعية، والاستعداد لتحقيقها بأقصى وسائل الدمار الشامل، كانت هي التي قادت الغزو.

الأمر لم يكن إلا جريمة مُعدة سلفا. والمسرحيات التي قادها سيرغي لافروف بالشكوى من “التهديدات” الأمنية التي يشكلها توسع الأطلسي، لم تكن سوى تبريرات لارتكابها.

الأطلسي موجود أصلا على حدود روسيا جنوبا، مع تركيا، وشمالا وغربا مع دول البلطيق. بل إن الأطلسي موجود في موسكو نفسها أيضا، مع وجود كل الشركات الغربية التي تعمل وتستثمر مئات المليارات في روسيا.

الجريمة يجب ألا تكسب. وهزيمتها ممكنة.

الوحشية التي تُظهرها القوات الروسية في ماريوبول ومدن أوكرانية أخرى، هي نفسها تعبير عن مشاعر الهزيمة. إنها تعبير عن اليأس.

تبرر روسيا أفعالها، بأن الولايات المتحدة فعلت مثلها أو أسوأ. هذا التبرير هو نفسه غير أخلاقي. جرائم الآخرين لا تبرر أن نرتكب نحن جرائم مثلهم. وإلا فقد العالم عقله، وأضاع كل ما عرفه من قيم التحضر.

ملايين الأوكرانيين الذين فقدوا منازلهم، زعزعوا السقف الذي فوق رأسي ورأسك. ليقولوا لي ولك: الحياد مع الحق، باطل. والحياد مع الباطل، باطل أيضا.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]