علي الصراف يكتب: بانتظار غودو؟ ولكن ماذا لو لم يأت؟

تنتظر السلطة الفلسطينية، بطريقة أو أخرى، أن يتم استئناف عملية السلام المتعثرة منذ أكثر من ربع قرن. إنها تنتظر غودو (بطل مسرحية صموئيل بيكيت، الذي ينتظره الجميع، ولا يأتي). في هذه الأثناء (ويا لها من أثناء)، تمكنت إسرائيل من بناء العشرات من المستوطنات الكبرى داخل أراضي الدولة الفلسطينية المزمعة، في القدس ومحيطها وفي الضفة الغربية والغور. لم يمنعها شيء. وظلت سلطة غودو تولول من دون طائل. ولكن، ليس لأنها لا تملك شيئا آخر لتفعله، بل لأنها التزمت مع نفسها بأن لا تفعل شيئا يضايق إسرائيل أو يزعجها أو يُشعرها بالقلق.

المفاوضات ظلت تجرجر أقدامها حتى لم يعد منها نفع. وانتهت السلطة الفلسطينية الى قطعها احتجاجا على أعمال الاستيطان التي لم تنقطع. ولا أحد يعرف الآن، ما هو المخرج.

يقول المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، إن “الخطط الاستيطانية الإسرائيلية الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ستؤدي إلى قطع التواصل بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، وكذلك بين القدس الشرقية وبيت لحم، مما يعني تقويضا لحل الدولتين”.

وفي الواقع، فإن الاستراتيجية الإسرائيلية قائمة بالأساس على تدمير حل الدولتين، بالمعنى الذي يتعلق بالأرض. ولا يهمها ما إذا كانت السلطة الفلسطينية القائمة على التجمعات السكانية الرئيسية في الضفة وغزة، تسمي نفسها دولة أو سلطة أو امبراطورية. إنها، بحكم الواقع، مجرد كانتونات إدارية لا أكثر. وهي تلتزم بما يتوجب عليها الالتزام به، وانتهت القصة.

ولن يمضي وقت طويل قبل أن تستكمل إسرائيل بناء المستوطنات التي تُقطّع أوصال الأرض التي كان يُفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية. وحتى لو تم إعلان وفاة “حل الدولتين”، فان استراتيجية التقطيع ماضية قُدما. كما لن يغير في شيء، لو أن السلطة الفلسطينية قررت حل نفسها. فالحصار المفروض على الكانتونات سوف يظل قائما، وسوف تظل هناك حاجة لإيجاد سلطة إدارية من نوع ما لرفع القمامة على الأقل، ولتنسيق الحصول على عائدات الضرائب وغيرها من التفاصيل التي تشتغل بها السلطة الفلسطينية الآن، (ومنها بناء سجون للمعارضين، بكل أسف).

إسرائيل تأخذ بمسار واضح، يقوم على تجاهل السلطة الفلسطينية، وعدم الإصغاء لعويلها ما دامت تواصل أداء الواجب الأمني المطلوب منها. وهناك بيانات تنديد وصراخ جاهزة تصدر في كل مرة تقوم بها إسرائيل بعمل ما، حتى ليسود الاعتقاد بأنها بيانات مكتوبة مسبقا. وكل ما يحتاجه الناطقون بها هو أن يستلّوا منها البيان المناسب. وحتى لو نقصت الخبرات لكتابة بيانات التنديد والوعيد، فان إسرائيل يمكن أن تكتبها على سبيل الكرم أو السخرية.

هذه هي، بالضبط، اللعبة التي ظلت تتواصل على مدار ربع قرن، حتى تداعت الجدران، وانهارت المعنويات.

وهناك قائمة طويلة من الأوهام التي تفترض أن المستوطنات التي تبنيها إسرائيل في عمق أراضي الضفة الغربية، سوف تؤول في النهاية الى السلطة الفلسطينية في إطار مشروع لتبادل السكان، أو لتعوض اللاجئين. وما هذا إلا مجرد وهم، استفادت إسرائيل من تغذيته لبناء واقع آخر.

لدينا، إذن، طرفان: واحد يبني وفق استراتيجية واضحة. والآخر قاعد ينتظر. السؤال الآن هو: ما الذي يُلزم إسرائيل بالعودة الى المفاوضات؟ لماذا يتوجب عليها أن تتحاور أصلا مع السلطة الفلسطينية حول أي شيء؟

يمكن لإسرائيل أن ترفض التفاوض، قالت بذلك أو لم تقله. لأنها ليست ملزمة بشيء أصلا. وليس ثمة في الواقع ما يجبرها على التنازل عما استولت عليه من الأراضي.

وبرغم كل الجهود لاستئناف المفاوضات، فإن بوسع إسرائيل أن تتساءل: تفاوض على ماذا؟ وحتى لو جرت مفاوضات، بأي شكل، فإنها سوف تكون فارغة كسابقاتها، ولا تفضي الى أي نتيجة. كما أنها يمكن أن تطول الى ما لا نهاية. ربما لكي تغذي دوافع الانخراط بمسرحية بيكيت.

الحقيقة من كل ذلك، هي أن غودو الذي تنتظره السلطة الفلسطينية لن يأتي. ومثلما ظلت تنتظره لأكثر من عشر سنوات بعد انفضاض آخر جولات المفاوضات على فشل، فإنها يمكن أن تظل تنتظر عشر سنوات أخرى أو عشرين. لا شيء في ذلك يزعج إسرائيل. إنها تبني، بينما الجدران تتهدم على الجانب الآخر.

الخلل، إذا شاء المرء أن يقتفي أثر الصدق مع نفسه، ليس في إسرائيل. إنها تعرف ما تريد. وتعرف الطريق إليه. وتفرضه بالقوة. بقي أن يعرف الطرف الآخر ما يريد، ويعرف الطريق إليه، ويوجد السبل لفرضه بالقوة. وهذا يتطلب بحثا. إنه يتطلب قراءة متفحصة للواقع وممكناته وعوائقه. كما يتطلب رؤية وطنية مشتركة، وسلطة أخرى غير سلطة الانتظار والفشل.

لماذا؟

لأن المأزق الراهن يُملي، قبل كل شيء آخر، الخروج من مسرح العبث.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]