علي الصراف يكتب: رأب الضرر بين اليهود والعرب

 

غلعاد إردان، السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، رجل متحمس لروايته. ولذلك فإنه يعجز عن رؤية ما فيها من ثقوب. كما يعجز عن رؤية مخاطرها على تلك الرواية أيضا. وفوق ذلك فإنه لن يقبل ما ترسيه أو ما تتطلبه من وسائل رأب الضرر، ما يجعل الرواية الإسرائيلية للحدث مرتبكة وفوضوية الى درجة تكاد لا تصدق. ولكن ماذا يسع الظالمون غير أن يتعثروا بأقدامهم نفسها.

مؤسفة الحاجة الى ذكر ما قاله إردان احتجاجا على إحياء الأمم المتحدة للذكرى 74 للتصويت على خطة التقسيم، التي دعت، في القرار رقم 181 الذي أُصدر بتاريخ 29 نوفمبر، الى قيام دولة يهودية إلى جانب دولة عربية 1947.

ولكن ما قاله إردان، بمقدار ما يجسد الحجة الإسرائيلية، فإنه ينقضها في الوقت نفسه. بل إنه ينقضها أكثر مما يدافع عنها، إلى درجة تثير التساؤل عما إذا كان ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة يعي ما يقول.

بيد أن ما قاله، هو في الواقع، كل ما تملكه إسرائيل أيضا. فلقد حفر الإسرائيليون آبار ذكائهم كلها، فلم يعثروا على أفضل مما لخصه سفيرهم في الأمم المتحدة.

أردان قال إن الاحتفاء بالقرار 181 يهدف إلى تعزيز “حق العودة” الفلسطيني وهو “أمر شائن”. والشائن، بحسب هذه النظرة، هو أن يعود الفلسطيني إلى أرضه التي طُرد منها، بينما ليس شائنا أن يعود اليهودي “الى أرضه” التي لم يولد عليها أصلا.

حاول أن تكمل، من دون أن تشعر بالغثيان.

إردان قال “في 29 نوفمبر، قبل 74 سنة بالضبط، اعترفت الأمم المتحدة بحق الشعب اليهودي في دولة. قَبِل اليهود وإسرائيل خطة التقسيم هذه ورفضها الفلسطينيون والدول العربية وحاولوا تدميرنا”. والتكملة الطبيعية لهذا القول هي: “.. وعاقبناهم باحتلال المزيد من أراضيهم”.

أضاف إردان: “لم يهاجم الفلسطينيون والدول العربية إسرائيل والدولة اليهودية فحسب، بل اضطهدوا وذبحوا وطردوا الجاليات اليهودية في بلدانهم في نهاية المطاف (…) ومن خلال تقديم وتضخيم الرواية الكاذبة والخطيرة للفلسطينيين وإسكات القصص المأساوية الحقيقية للاجئين اليهود الذين طردوا من الدول العربية ومن إيران، فإن الأمم المتحدة تمحو التاريخ اليهودي وتشوه الحقيقة ولن نسمح بحدوث ذلك أبدا”.

هناك إذن عنصران رئيسيان في هذه المحاججة. الأول، هو أن الفلسطينيين رفضوا القرار واختاروا العنف. والثاني، هو أن الدول العربية “اضطهدت اليهود وذبحتهم وطردتهم”.

قرار التقسيم، كان ولايزال قرارا ظالما في نظر الفلسطينيين. فإزاء جماعات صهيونية مهاجرة جاءت من بولندا وألمانيا وروسيا وغير من شتات العالم، لإقامة دولة على أرضهم، أمر لايزال ينطوي على إجحاف شديد. وحتى لو كان ذلك تعويضا عن اضطهاد تعرض له اليهود من جانب ألمانيا النازية، وقبلها المسيحية الغربية، فلا يوجد مبرر عاقل واحد يسمح بالتعويض لأحد على حساب اضطهاد غيره.

واحد يضطهدك في بلد بعيد، فتأتي، على سبيل التعويض، لتضطهدني من دون أن تكون لي أي علاقة بالقصة كلها. هذه هي الرواية.

الإسرائيليون لا يملكون في تبرير هذا الإجحاف سوى الاستعانة بأساطير تاريخية لا تثبت شيئا.

الموسوية ديانة شرق أوسطية. واليهود جزء من تاريخ هذه المنطقة. إنهم موجودون في كل مكان، مثلهم مثل المسيحيين وباقي الأقليات الدينية الأخرى.

هذه الأقليات لم تُنشئ لنفسها دولا خاصة بها. وبحسب المنطق الإسرائيلي، فقد كان من الجائز للمسيحيين الفلسطينيين أن يُقيموا دولة خاصة بهم ويستدعوا كل مسيحيي العالم للإقامة فيها.

هذه الرواية لا تستقيم مع واقع أن الحركة الصهيونية، التي نشأت لكي تبحث عن ملاذ يُنجي اليهود الغربيين من الاضطهاد الغربي، كانت تبحث عن إقامة دولة يهودية في أوغندا أو كندا، قبل أن يعثر لها المشروع الاستعماري البريطاني على بديل في فلسطين. البريطانيون قدموا وعد بلفور في العام 1917، في إطار نتائج الحرب العالمية الأولى لإعادة ترتيب الخرائط والمستعمرات. لم تكن لديهم أساطير. كانت لديهم خطط لاقتسام تركة الإمبراطورية العثمانية.

الفلسطينيون لم يبدأوا العنف ضد المستوطنات اليهودية. عصابات مسلحة مثل “هاغانا” و”الأرغون” و”اتسل” و”هارغون هستفائي هليئومي” وغيرها هي التي بدأته. وكانت عصابات مسلحة، وتؤمن حصرا بأن إقامة دولة يقوم على فكرة تقول إن “مصير الشعب اليهودي يحسم بقوة السلاح العبري فوق أرض الوطن”.

الفلسطينيون، على أي حال، كانوا يقاومون الاستعمار البريطاني، الذي شنّع بهم أسوأ تشنيع بالإعدامات الجماعية وكل أوجه الاضطهاد الأخرى. التجمعات اليهودية لم تكن هي الهدف الأول. العصابات المسلحة اليهودية التي دعمها وسلحها البريطانيون، هي التي بدأت أعمال العنف ضد الفلسطينيين. وكان من الطبيعي والمنطقي للغاية أن يتم رفض قرار التقسيم باعتباره جزءا من حرب استعمارية ظالمة. تاريخ الوجود البريطاني في فلسطين يكفي دليلا على ذلك. ومن لا يقرأه، يبقى جاهلا بأصول الرواية الحقيقية وظروفها.

الاعترافات الإسرائيلية التي تثبت أن أعمال الاضطهاد ضد اليهود في بعض الدول العربية، تم تنفيذها بتدبير من منظمات صهيونية، كثيرة للغاية أيضا.

لم يهاجر اليهود العرب الى إسرائيل خوفا من أعمال الاضطهاد. القول بذلك كذبة كبيرة. ولكنها كانت من تدبير الدولة الإسرائيلية الناشئة التي كانت تبحث عن سبيل لبناء قوة سكانية.

اليهود العراقيون، على سبيل المثال، ظلوا جزءا محترما ومقبولا في النسيج الاجتماعي العراقي. وكانت لهم مكانتهم المرموقة، ليس في التجارة وحدها، وإنما الفن والغناء والموسيقى الأصيلة. وكان أول وزير للمالية في الدولة العراقية التي أعلن قيامها في العام 1921، يهوديا، هو حسقيل ساسون. وصار مضرب مثل في النزاهة والتشدد في رعاية المال العام، ويعود له الفضل الأول في تخليص الدولة العراقية من عبء الديون العثمانية.

جهاز الموساد هو الذي بدأ ما بين العامين 1949 و1951 ما تدعى “عملية عزرا ونحميا” لتهجير اليهود العراقيين، وذلك بإثارة القلاقل وأعمال تفجيرات لفرض الخوف عليهم، وإجبارهم على الرحيل. التفجيرات شملت مقهى يتردد عليه اليهود ومحلين تجاريين يعودان لتاجرين يهوديين في بغداد. فغادر نحو 123 ألف من بين نحو 134 ألف يهودي عراقي. معظمهم، وأحفادهم لا يذكرون شيئا حقيقيا عن أعمال اضطهاد قبل أن يقوم الموساد بتدبير تلك الجرائم ضدهم.

وعندما وضع “الموساد” أسلحة في كنيس يهودي في بغداد، قال كبير حاخامي العراق آنذاك ساسون خضوري “إنه من الواضح أن الصهيونيين هم الذين وضعوا هذه الأسلحة من أجل استفزاز السلطات والسكان العرب”.

الشيء نفسه حصل في اليمن، بعملية تدعى “بساط الريح”. أما في مصر، فقد انتهى الأمر بثلاثة أرباع اليهود المصريين الى الهجرة الى الدول الغربية رافضين الهجرة الى إسرائيل.

السجلات التاريخية واعترافات المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم عن عمليات التهجير، إنما تدين إسرائيل. ومزاعمها عن “اضطهاد اليهود وذبحهم وطردهم” هي ذاتها مزاعم شائنة ولا تسندها وقائع.

الكذب شيء مألوف بالنسبة لرواية لا تجد ما تستند إليه. ولكن لا بأس. ما رأيك بسبيل لرأب الضرر وجبر الخواطر على الجميع؟ ألا يمكن لحق العودة أن يكون شاملا ومتساويا ولا يستثني أحدا؟

كل يهودي هاجر من أي بلد عربي يمكنه العودة، بل ويمكنه أن يحصل فوقها على تعويضات عن الأملاك التي فقدها، وذلك بمثل ما يعود الفلسطينيون الذين طردوا من أرضهم إليها ويحصلوا على تعويضات متساوية.

يمكن للأفراد أن يقرروا مصائرهم بأنفسهم أيضا، فيقبلوا التعويضات ويختاروا العيش أينما يشاؤون. مرحبا بالجميع. عيشوا بسلام آمنين، ومتساوين.

الأمم المتحدة جديرة بأن ترعى حقوق الجميع. بصرف النظر عن الأكاذيب. وبصرف النظر عن الروايتين، الشائنة وأختها.

الرواية الحقيقية، هي رواية الحق الإنساني البسيط. كل من يثبت أن لديه حقا، يمكن أن نطلبه. وسنرفع المفاتيح.

أليست هذه وسيلة منطقية لوضع نهاية عاقلة للمأساة؟

إسرائيل سوف ترفض. هل تعرف لماذا؟ لأن رواية الأكاذيب لا تفضح إلا نفسها في النهاية.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]