علي الصراف يكتب: سلطة الفشل والاستبداد

علي الصراف

الاستبدادُ هو اعترافٌ صامتٌ بالفشل. الناجحون لا يحتاجون أن يمارسوا سلطتهم بالقسر ولا بالقهر ولا بالقوة. ذلك لأن النجاح يكفي بمفرده أن يشكل الحصن الذي تحتمي به سلطتهم.

الفشل هو الذي يهدم الحصون، فتشعر سلطة القهر أنها بحاجة الى أن تُحصي على الناس أنفاسهم، أو تحارب دعوتهم الى التغيير، دون أن تدرك أنها تحارب نفسها، وتبدد قدرتها على البقاء.

والنجاح ليس زعما يزعمه صاحب السلطة. إنه حقائق مادية يدركها الناس في عيشهم وفي كل مظهر من مظاهر حياتهم. فإذا غابت الحقائق، وحضرت المزاعم، وتعالت التبريرات، فإن مشاعر الإحباط التي يعانيها الناس لا تزول. ولكنها سرعان ما تتبدل داخل أسوار السلطة لتكون مشاعر قسوة وعناد ونكران. ومن هذه تبدأ مراسيم العنف والإكراه، فيفرض الاستبداد نفسه، أملا بأن يؤدي الى إخراس الناس، أو تخويفهم، أو جعلهم يقتنعون بأن النجاح سيأتي لو أنهم تنازلوا عن حقهم في النقد أو الدعوة الى الإصلاح.

الفاشلون، على رأس السلطة، لا يمارسون استبدادهم من أجل النجاح. ذلك لأن الفشل الذي قادهم الى الاستبداد، سوف يزداد فشلا. ولكنهم يستبدون لإرضاء غرور، أو لإشباع شهوة. وهذا من الصغائر التي لا يتعين أن يدفع ثمنها شعب، أو أن تضحي بالكبائر. ولأنها، بحسب كل تاريخ الطغيان، سلوك مضاد للطبيعة، فإن عقابها غالبا ما يكون بقطع الأعناق.

أصبح شارعُ السلطةِ زلقا.. وكلما زاد الطغيان، زادت السقطةُ خطرا على صاحبها.

يقال: “إذا كنت في حفرة، فأول شيء يجب أن تفعله للخروج منها هو أن تتوقف عن الحفر”. وسلطة الاستبداد لا تني تزيد الحفرة عمقا. تلك هي طبيعتها. لأنها إذ تحاول معالجة الخطأ بالخطأ، لا تفعل أكثر من أن تزيد الحفرة عمقا على نفسها حتى لا يعود بوسعها أن تخرج مما فعلت. وقد ينتهي الأمر بها، من خطأ إلى خطيئة، ثم إلى عار.

ذلك هو سُلّم النزول المعتاد إلى الدرك الأسفل في العلاقة مع الناس. وهو دركٌ غالبا ما لا يدركه صاحب الاستبداد، لأن العمى الذي أصابه عن رؤية الحاجة الى إصلاح، يوم كان الإصلاح ممكنا، جعله يزداد عمى، فيتخبط ليزداد عمى أكثر فوق عماه.

الذين يعتقدون أنهم هم وحدهم على صواب، والذين يحيطون أنفسهم بأزلام يرددون ما يريد الزعيم أن يسمعه، ويزيدونه غرورا، إنما يحفرون لأنفسهم ما لم يحفره لهم أحد.

وهذا شيء قديم، كانت العرب تسميه “العزة بالإثم”. ولكنه ظل يتكرر مع كل الطغاة والظالمين الذين آثروا أن يبقوا على طغيانهم، لا يرتدعون من شيء، وفي طغيانهم يعمهون.

سلطة المراسيم، التي تصدر عن الهوى، أو عن وحي يوحيه الضالون من حول قائدهم، توفر للطاغية، بحسب ما يعتقد، وسائل سريعة لفرض مشيئته، لتجري الأمور في المجرى الذي يراه مناسبا.

ولكنه إذ يفشل، ثم يفشل، فإنه يستبد ويكذب ويميل الى المخادعات، لكي يبرر الفشل بدلا من أن يُصلح ويصحح. وذلك، لأن التبرير أسهل، ويبدو أقل كلفة. ولكن مثله مثل الذي يشتري بضاعة رخيصة، ليكتشف أنه يدفع الثمن أضعافا دونما فائدة.

ويعجب الإنسان، كيف لا يرى الطاغية، أن الإصلاح هو الأسهل، وأقل كلفة من العناد على الضلال.

والقصة في النجاح والفشل هي قصة حساب في النهاية. فما لا تحسبه أنت يحسبه غيرك. وما لا تراه أنت يراه غيرك. مما لا يُبقي مكانا للمخادعات والتبريرات.

قل لي ماذا جنينا من رئاستك؟ وسأقول لك ما إذا كنت جديرا بإعادة الانتخاب. فاحسب، أو افهم على الأقل ما يحسبه الناس.

شعبك إذا كان يعاني من الويلات، تحت قيادتك، فلأنك تتحمل جزءا على الأقل، من المسؤولية عنها.

ولا يجدر بمسؤول ألا يكون على قدر مسؤوليته، أو أن يلقي بتبعاتها وأعبائها على الآخرين.

الفشل، أو العجز عن تحقيق تقدم، لا يجب أن يكون طريقا مسدودا. وأول السبل للخروج من النفق، هو إعادة النظر؛ إعادة الحساب. وهو يبدأ من فوق أولا. من طرح الأسئلة الصعبة؛ من القدرة على البحث عن أجوبة “من خارج الصندوق”، من البحث عن بدائل في حوار مفتوح لا يُستثنى منه أحد، ولا يُستبعد منه أحد. إذ لا يكفي للحل “الصحيح” أن يكون صحيحا. يجب أن يكون منظورا أيضا، في آليات صنعه، وفي قدرته على تقديم الجواب، فيجرؤ من بعد ذلك على انقلاب شجاع على أسباب الفشل.

عندما تجد نفسك في مأزق، لا تزيد الهمّ بأن تمارس الطغيان فوق الفشل. لا تحكم بمراسيم عشوائية، ولا بقرارات يُزينها لك المنافقون. هؤلاء هم المقصلة. هم الانتحار الذي تنتحره مع مطلع كل نهار.

كل الطغاة انتهوا بما صنعوا، وبما أحاطوا أنفسهم به. ولكن هذا ليس قدرا لكي يتكرر دائما. إنه خيار، يختاره الفاشلون، إما لأنهم لا يعرفون الطريق إلى النجاح، وإما لأنهم لا يريدونه أصلا.

والاستقالة ليست عيبا. إنها موقفُ كرامةٍ شخصيةٍ حيال أسباب الفشل؛ أداةٌ لفتح الطرق إذا انغلقت. إنها محاولةٌ جريئة للبحث عن جواب. وهي فعلٌ يدفع الى استنهاض الإرادة من حال الركود التي يفرضها الاستبداد.

إنها شرفٌ في مواجهة الفشل، إذا عز الفوز بشرف النجاح. أما الاستبداد على فشل، فإنه عارٌ على عار.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]