علي الصراف يكتب: شجاعة القطيع
كل الذين راهنوا على “مناعة القطيع” في مواجهة وباء كورونا، سوف يحصلون عليها. أسوأ السيناريوهات يتحقق الآن في بريطانيا. وليس معدلات الإصابة هي التي تخرق السقف، وإنما معدلات الوفيات. ولكن هناك في مقابلها، قدرة على التماسك. البريطانيون شعب صبور. ويقبل الحقيقة. فعندما لا تملك شيئا لتفعله حيال القدر، فمن الحكمة أن تتقبل ما يفرضه عليك. تحتاج الى شجاعة في مواجهته. ولكن إذا كانت النتيجة هي نفسها، بشجاعة أو من دونها، فمن الخير أن تتظاهر بالتماسك على الأقل. وربما أن تجد نكتة لتقولها لمن يقف في جوارك.
اتخذ كل ما يتوجب اتخاذه من احتياطات، ولكن السجال مع القدر لا ينفع. ومن الناحية العملية، سوف يصاب معظم المواطنين، إن لم يكن كلهم، ليتحقق ما لم يمكن تحقيقه باكتساب المناعة عن طريق اللقاحات. لقد وصلت اللقاحات متأخرة على أي حال. وما من بريطاني إلا وجرب كيف يفوته القطار. يقف على رصيف الانتظار لقطار آخر. يمسك جريدته أو كتابه، ليكمل ما بدأ به وكأن شيئا لم يكن.
هناك أخطاء ارتكبت. معظمها كان ناجما عن سوء تقدير سياسي. ولكن من ذا الذي يمكنه أن يتدبر كل شيء بنجاح؟ لا أحد.
وإذا كان بوريس جونسون أكبر من أخطأوا التقدير، فقد دفع الثمن، وكاد يخسر حياته نفسها. البريطانيون، في الغالب، غفروا له، ولم ينتقدوا تباطؤه في معالجة الوباء عندما كان في مراحله الأولى. ونسوا المسألة. ونسوا حزب المحافظين الذي دفعته حماسته للخروج من الاتحاد الأوروبي، أن يتجاهل صفقة أوروبية للحصول على أجهزة تنفس صناعي. قال أحدهم: الخروج يعني الخروج حتى لو لم نعد نتنفس. وعندما رأى جاره الذي يناصر حزب العمال وهو يمارس رياضة اليوغا، قال: إنه يتأمل طرق العودة الى أوروبا.
أحدهم علق على إعلان حزب الديمقراطيين الأحرار بإلغاء المؤتمر السنوي للحزب، قائلا: ذلك غير ضروري، لأن الخطر يكمن في التجمعات الكبيرة.
الملكة إليزابيث الثانية قالت في رسالتها الى البريطانيين في عيد الميلاد: أنكم لستم وحيدين. بينما كانت المسكينة وحدها في القصر. لا أبناء ولا أحفاد ولا محتفلين. كيف يكون المرء ملكا لوحده؟ ولكن أليس كل من هو بمفرده ملك؟
بعد أسبوع من الحجر المنزلي، سُئل أحدهم، لماذا بقيت تخرج من المنزل خلال أوقات الحجر. قال: لا بد أن الحياة أصبحت صعبة على اللصوص، مع بقاء الجميع في منازلهم.
قالت صديقته: بقيت لعدة سنوات أرغب بتنظيف المنزل، ولكن لم أجد الوقت. اكتشفت هذا الأسبوع أن هذا لم يكن السبب.
سألت أخرى زوجها بعدما رأته يرتدي بذلته ويشد ربطة عنقه: الى أين أنت ذاهب ونحن في الحجر؟ قال: عندي موعد في غرفة الجلوس بين الساعة الثامنة والتاسعة.
قال آخر: مع عدم وجود مباريات كرة قدم على التلفزيون، لاحظتُ وجود امرأة جميلة تجلس معي على الكنبة. اتضح أنها زوجتي.
وقالت أم لإبنها: ألا يكفيك النوم طوال الليل لتنام طوال النهار أيضا؟ قال: يا أمي، قبل كورونا كنت أنام بسبب الكسل. ولكني أنام الآن لكي أنقذ العالم.
في الطريق الى ألمانيا، استوقفني ضابط الجوازات. قال: ألا تعرف أننا في المستوى الرابع من الحجر. قلت: أمضيت المستويات الثلاثة في البيت، والكل كان في الشارع. ولا أعرف لماذا اختفى الجميع عندما قررتُ الخروج. هل اكتشفوا الفايروس الآن؟
قال ضاحكا: خذ جوازك، واذهب الى حيث تريد.
مؤسسة للخدمات الصحية البريطانية تغرق بالمصابين. والأرقام ترتفع، وستظل ترتفع، إلا أن المعنويات عالية. توجد وفيات، ولكن لا يوجد رعب.
البريطانيون هم هكذا دائما. خاصة عندما يرتكبون الأخطاء ويسيئون التقدير. يبلعون القصة، ويتعاملون معها وكأنهم من كوكب آخر.
هناك شيء واحد فقط أفضل من مناعة القطيع. إنه شجاعة القطيع.