علي الصراف يكتب: طموحات شريرة.. لرجل شرير

علي الصراف

لم أنجح في محاولاتي لبناء دولة تحترم نفسها.. فماذا أفعل، وأنا شخص طموح؟

قررت أن أبني دولة فاشلة. ولكني احترت كيف أفعل ذلك؟. إذ كنت على يقين تام بأن صنع دولة فاشلة، يحتاج إلى خبرات سلبية استثنائية لا تقل براعة عن الخبرات الإيجابية لبناء دولة ناجحة. ذلك أن بناء الدول، مثل هدمها، يتطلب تكريس إمكانيات أو “إمكانيات مضادة” لجعل آليات البناء أو الانهيار تعمل بوتيرة ثابتة.

كنت أريد أن أجعل دولتي فاشلة الى درجة أنه لا شيء يمكن إصلاحه فيها، مهما حاولت الأمم المتحدة، ومهما أرسلت من مبعوثين، ومهما عقدت اللجان الدستورية من اجتماعات. وقلت لنفسي، عندما تصل الأمور الى نقطة اللاعودة، فإن شيئا لن يعود بوسعه أن يجعل النكوص ممكنا. فمثلما يفرض التقدم آلياته، فإن الخراب يجب أن يكون عاما وأصيلا بحيث يفرض آلياته أيضا، لمئتي سنة على الأقل.

أنا شخص شرير. ولقد نظرت في عدة “تجارب” للانهيار، بما فيها الصومال، إلا أنني لم أجد فيها ما يُرضي طموحاتي. وكلما رأيت بلدا محطما، قلت في نفسي: أريد أكثر. فالمرء إذا كان حاقدا حقدا عاديا، فإنه لا يحقق المرام. يجب أن يكون حقده أعمى. وأن يكون قلبه مثل الحجر الصوان على شعبه. وأن يحتقر كل الناس احتقارا لا مثيل له. “وما في شي يفرق معه”. لا البشر.. ولا ألف ولا مليون ولا عشرين مليونا.. كلهم الى الجحيم.. المهم الكرسي. هذا هو الشعور الوحيد المناسب، الذي يمكنك أن تبدأ به لبناء دولة فاشلة.

وظلت أحقادي تعلو وتضطرم، حتى حطت بي الرحال في بلد قريب من عالم الأساطير. إذ كان بلدا له إرث مجيد في الطغيان. وكل ما كان بحاجة له، لكي تتم “المتمّة”، هو أن يجد قائدا طموحا مثلي.

هناك فقط، وجدت الفرصة السانحة لكي أتكفل بتحويله من بلد يتمتع بمقدار معقول من السيادة الى بلد لا سيادة له، ومن بلد ينتج مواد زراعية كافية لإطعام نفسه، الى بلد يشترى له الآخرون قمحا ليأكل. ومن بلد قادر على الدفاع عن نفسه، في مواجهة أعتى قوة عسكرية في الجوار، الى بلد لا يحتاج أحد أكثر من خمس ساعات لكي يحتل عاصمته. ومن بلد ينعم بالأمن (الزائد عن اللازم) إلى بلد يحتل الإرهاب أجزاء واسعة من أراضيه. وأخيرا من بلد يستقبل مئات الآلاف من النازحين، الى بلد يصدر ملايين الهاربين.

أي شرير، مثلي، كان سوف يسأل نفسه السؤال البديهي التالي: كيف تحقق ذلك؟ وكيف يمكن نقل هذه “التجربة” الغنية إلى شعوب أخرى لكي تستفيد منها فتقوم بتصدير البشر بدلا من تصدير القمح؟

بعد تمحيص وتدقيق عميقين، وجدت أن هناك إثني عشر خطوة تكفي في الواقع لبلوغ نقطة اللاعودة، بحيث لا يعود ينفع مع البلد أي علاج. لا لقاءات دولية ولا اجتماعات محلية، ولا قرارات مجلس الأمن.

كنت بحاجة، طبعا، الى أن أتمتع بشجاعة استثنائية لكي أمضي في خطواتي قدما. ولكني نجحت. وأود أن أعرض خبراتي على الأشرار لدى الشعوب الأخرى لكي يستفيدوا منها.

وتلك الخطوات هي:

أولا، لا تصغ الى “أهل الخبرة” ممن يقدمون لك النصيحة غير المريحة، وقم باعتقالهم وتشريدهم واحدا واحدا. واكتف بالإصغاء الى “أهل الولاء”، وخاصة الذين يبالغون في النفاق معك، بحيث إذا قلت “واحد” زادوا عليه عشرة. (لكي تتيقن بنفسك، بأنه نفاق تام، ودجل أصيل، وشعارات فارغة).

ثانيا، لا تترك أحدا في الجوار إلا واستعديته. وكلما وجدت نفسك قادرا على قول شيء قبيح، فلا تتردد. قله، وتوكل على إيران.

ثالثا، عاند. تمسك بمواقفك “المبدئية”. ولا تقدم تنازلا لأي أحد. وكلما وجدت الأزمة تتفاقم، امض بها أبعد، وكأنك في سباق مع الخراب.

رابعا، لا تحترم مطالب شعبك. لأنها “مؤامرة”. ولا تعترف له بأي حقوق، فمن يضمن أنك إذا أعطيتهم شيئا، فإنهم لن يطالبوا بالمزيد؟ ولذلك، “هات من الآخر”، ولا تعطهم أي شيء.

خامسا، اعتقل المعتدلين وعذبهم، وقم بإطلاق سراح المتطرفين. لأنك عبر هذه الوسيلة تضمن تفشي خيارات العنف القصوى، لكي يكون الخراب تاما.

سادسا، إذا شئت أن تقوم بعمليات إصلاح، فيجب أن تترك لدى المجتمع انطباعا واضحا، بأنها عمليات مزيفة تم صنعها في غرف مغلقة. واحرص على أن تقدمها كـ”مكرمة” فيشكرك المنافقون عليها، وكأنها معجزة من معجزات الزمان.

سابعا، اجعل قبضتك الأمنية محكمة، الى درجة تضمن معها أن أحدا لا يستطيع أن يتنفس بأي كلمة غير المديح الفج. وإذا حدث، وتجرأ أحد على قول رأي، فعاقبه بتهمة “إشاعة الوهن في نفسية الأمة”.

ثامنا، بدلا من جهاز مخابرات واحد، قم بإنشاء عشرين جهاز مخابرات. ويجب أن تتيقن أنها تراقب شعبك، وليس الأعداء في الخارج. كما يجب أن تتيقن أن بعضها يراقب بعضا.

تاسعا، احتقر النخبة من الفنانين والأدباء والمثقفين وذوي الخبرات العلمية. فهؤلاء هم عدوك الأول. ولا تقدم لهم أي شعور بأنهم يملكون أي قيمة في بلدهم، وشجعهم على الهرب لكي تضمن تفريغ البلاد ممن يمكنهم أن يساهموا في إعمارها الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي. وإذا رأيتهم يهاجرون، فلا تقلق. وزد على ذلك، بألا تسمح بتجديد جوازاتهم، لكي تضمن عدم العودة.

عاشرا، حوّل الاقتصاد الى فساد تام. واجعل من الرشوة هي “الراتب” الأول لكل موظفي الدولة. فهذا يضمن تفسخ المجتمع، وتفسخ مؤسسات الدولة أيضا.

حادي عشر، لا تحاسب من أخطأ بحق شعبك. لكي يفهم هذا الشعب مكانته الحقيقية عندك، ولكي تتماسك العصابة من حولك، فلا تشعر أنها مهددة بالصواب الأخلاقي أو السياسي أو القانوني. والعنصر الأخير خطير جدا، لأنه يعني “دولة قانون”، بينما غايتك هي بناء “حارة كل مين إيدو إلو”. وابتعد عن أي شيء يتعلق بالقانون، لأن الدول التي تتسلح به تعود لتعتمر، بينما غايتك الفساد والطغيان وأعمال التعذيب وكتم الأفواه وملاحقة كل الذين يطالبون بالإصلاح، ومعهم كل الذين يقولون “آخ” إذا توجعوا.

ثاني عشر، اعتمد في قيادة السلطة على الغنم، الذين كلما قلت لهم “هش” قالوا “ماآآآع”. ذلك أن قيادة الدول الناجحة تعتمد على فكرة تقول: “الكبير يكبر بالكبار من حوله”، بينما أنت تريد أن تبني دولة فاشلة، والفكرة الصحيحة لإنجاز هذه المهمة هي أنك كلما قربت إليك خرفانا وإمّعات، كلما صار الفشل مضمونا أكثر.

أخي الشرير، إذا طبقت هذه الخطوات، بجدية واتقان، فلن تمضي عشر سنوات حتى يصبح البلد الذي تقوده حطاما، وحتى تتحول سلطتك الى بومة تنعق فوق تلة الخراب.

وإني لأرجو من كل الزعماء الذين يتأبطون لشعوبهم شرا، أن يأخذوا تلك الخطوات بعين الاعتبار، كلما شعروا أن غليلهم لن يشفى إلا بالسير على درب الطموحات الشريرة لبناء دولة فاشلة.

وأرجو أن تسمح لي بأن اعترف، بأن نجاحي ليس من دون منغصات. فهناك بين قادة العالم من يعتقد أن الإصلاح ممكن. وكأنهم لا يرون أني أنجزت ما لا عودة عنه. وفي الحقيقة، فإن فكرة الأمل بالإصلاح، هي نفسها إهانة. وأنا لا أسمح بمجرد طرحها كفكرة، حتى ولو أقر الجميع أنها غير قابلة للتطبيق. ففيها ما يمكن أن يشوه مستقبل البلاد وإرثها من الطغيان المجيد.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]