علي الصراف يكتب: عندما تخدع إسرائيل نفسها

علي الصراف

 اغتيال مهندس نووي واحد، لا يلغي الخطر الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني. البرامج النووية، كما يعرف العالم كله، هي سلسلة مترابطة من المشاريع والأعمال الهندسية. وهذه ليس لها “أب” واحد، ولا حتى مجموعة آباء، لأنها عمل معرفي يشترك فيه مهندسون من كل حقل من علماء الفيزياء والكيمياء ومهندسي الكهرباء والإلكترونيات وإدارة المنظومات والصيانة الى عمال السباكة وربط الأنابيب.

لكي تنجز مشروعا نوويا، بالنسبة لبلد من العالم الثالث، فإنك بحاجة الى أن تنجز مشروعا علميا وهندسيا يشمل خبرات الآلاف من العلماء والخبراء والمهندسين والعمال والتجار والمهربين واللصوص. وكل هؤلاء، إنما يعملون في حلقات موصولة وغير موصولة ببعضها البعض. وما هو غير موصول فيها أخطر مما هو موصول، لأنه يدخل في سلسلة من البرامج الإنتاجية المدنية التقليدية التي لا يمكن مكافحتها.

اغتيال محسن فخري زادة، ليس سوى عمل رمزي. ووصفه بأنه “أبو القنبلة النووية” الإيرانية مجرد وصف دعائي لا علاقة له بالواقع. فحتى لو كان مشرفا على تجميع كل الخبرات المتاحة لدى إيران من أجل بناء برنامج نووي سري، فإن اغتياله لا يغير شيئا في هذا البرنامج. العلماء والمهندسون الآخرون سوف يواصلون المهمة، ربما بنشاط أكبر من قبل.

اغتيال العالم المصري يحيى المشد في باريس في العام 1980 لم يوقف البرنامج النووي العراقي. بل وحتى قصف مفاعل تموز العراقي في العام التالي، لم يدفع العراق الى التخلي عن برنامجه النووي. ولولا اندفاع العراق الى اجتياح الكويت في العام 1990، لكان البرنامج النووي العراقي السري حقق أهدافه، على بعد زمني لا يتجاوز سنتين أو ثلاثة.

الشيء الحاسم فيما يفترض أنه “خطر إيراني” لا يتعلق بما إذا كان يمكن اغتيال عالم أو عشرة علماء. وفي الحقيقة فإن فخري زادة هو خامس مهندس إيراني يتم اغتياله منذ العام 2010. المهندسون الأربعة السابقون هم: مسعود علي محمدي، ومجيد شهرياري، ورضائي نجاد، ومصطفى أحمدي روشن. وهؤلاء قتلوا إما بتفجير سياراتهم بلغم أو بإطلاق النار مباشرة. وربما كان هناك آخرون لم يكتسب اغتيالهم الشهرة ذاتها.

البرنامج النووي ما أن يبدأ بالظهور، حتى لا يعود وقفه ممكنا. لأنه سرعان ما يتحول الى مؤسسة ناظمة لعمل معظم مؤسسات الإنتاج في البلد، وجامعة لمعظم خبراته. ولا ينتهي إلا بأحد خيارين لا ثالث لهما، إما تركه يصل الى النهاية الطبيعية له، وإما إسقاط النظام السياسي الذي يتكفل به. لا يوجد خيار ثالث.

الأسباب التي تدفع إيران الى بناء برنامج نووي هي ذاتها الأسباب التي دفعت كوريا الشمالية الى بناء برنامجها الخاص، وأولها الخوف. شعور النظام بأنه مستهدف، وأن أسلحته التقليدية لا توفر حماية كافية له، وأنه لا يثق بشعبه، يجعله مضطرا الى البحث عن وسيلة قاهرة لكي يأمن جانبه من حدوث صراع يؤدي الى تغييره، وتعليق المشانق لقادته.

الفرق بالنسبة لإيران، في مقابل كوريا الشمالية، هو أن الأخيرة لا تقوم برعاية أفّاقين ودجالين وجهلة في كوريا الجنوبية، وليس لديها ميليشيات مسلحة هناك، ولا تنفذ عمليات إرهاب في اليابان، كما ليس لديها مشروع توسعي يتعدى الرغبة بتوحيد الكوريتين على الأساس الأيديولوجي نفسه السائد في الجزء الشمالي من شبه الجزيرة الكورية.

نظام الولي الفقيه قائم، على العكس من ذلك، على تصدير الميليشيات وجماعات الإرهاب لـ “تصدير الثورة”. إنه نظام قائم على أساس الأعمال العدوانية لزعزعة الاستقرار في كل مكان يمكن أن يتمدد إليه. وهذا ما يزيد من وطأة مشاعر الخوف لديه. الأمر الذي يجعل بناء مشروع نووي خيارا لا بديل له.

هذا الخطر لن يمكن استئصاله إلا باستئصال النظام نفسه.

إسرائيل تخدع نفسها فقط، إذا شعرت بالتفوق لأنها استطاعت “تحييد” مهندس فيزياء إيراني آخر. فما لم يتم “تحييد” النظام نفسه، فإن الخطر سيظل قائما.

الوجه الآخر للمسألة هو أن إيران تبدو مستعدة للتضحية ببرنامجها النووي، في كل ما يتعلق بحلقاته الأخيرة، مقابل رفع العقوبات. ولكن السؤال الذي يواجه دول المنطقة والعالم، بما فيها إسرائيل، هو: ماذا بشأن الحلقات الإنتاجية الأخرى، التقليدية والمدنية التي لايزال بوسعها أن تنتج مشروعا نوويا آخر؟ ماذا بشأن الخبرة والأسس المعرفية التي لا يمكن اغتيالها ولا شطبها بجرة قلم؟

نظام ديني شاذ، يقوم على نشر التخريب والفساد ودعم الميليشيات ومنظمات الإرهاب، لا يستطيع أن يأمن على نفسه في بيئة معادية. وسوف يظل يعود للرهان على قدراته الدفاعية القصوى بالسعي لبناء قنبلة نووية. وهو يفترض أنها ستحميه، ولكن ليس لاستخدامها، وإنما لمنحه أفضلية تفاوضية، يمكن أن تجعله خصما على قدم المساواة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

عمل استعراضي من قبيل اغتيال فخري زادة، لا يغير شيئا في حقيقة أن إيران ماضية في ما هي سائرة فيه. وذلك لكي تفرض أجندات الدمار والتخريب والتهديد في المنطقة.

مرحليا، تريد إيران أن تتخلص من عبء العقوبات، من دون أن يمس أدوارها الأخرى أي ضرر. وبما أن الخبرات موجودة، فإن المرحلة اللاحقة يمكن أن توفر لها الوقت والغطاء والمرونة الكافية من أجل تمرير برنامج نووي سوف يقال إنه سلمي، لكي يتحول الى أداة ليس للمساومة، وإنما منصة للصداقة والتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل، على حساب دول المنطقة الأخرى.

إيران لا تعادي إسرائيل. كما أنها لا تعادي الولايات المتحدة. أدلة التواطؤ طويلة الأمد تشير الى إمكانية انقلاب العداوة الزائفة الى صداقة حقيقية.

تعاون إيران والولايات المتحدة أكثر من واضح في العراق. فقد اقتسما الكعكة هناك على نحو ظل مرضيا للطرفين لنحو 14 عاما متواصلة، تم خلالها نهب العراق وتدميره برضا واشنطن، بل وبمشاركة قواتها في قمع ملايين العراقيين ممن ناهضوا المشروع الطائفي الإيراني. إسرائيل لم تكن بعيدة عن هذا التواطؤ. لقد كانت طرفا فاعلا فيه، من أجل بناء شبكة مصالح وعلاقات مع أطراف المشروع الإيراني نفسه من ميليشيات الولي الفقيه.

لا حاجة للخداع في هذا. إسرائيل تعرف أكثر من غيرها أن إيران لا تعاديها. ومنذ أن انتهت الحرب مع حزب الله في لبنان في العام 2006 الى اتفاق على الانسحاب وترسيم الحدود، فقد كان المعنى من وراء ذلك هو الاتفاق الضمني على ترسيم المصالح، على النحو التالي: إسرائيل لا تشكل تهديدا للمشروع الطائفي الإيراني في لبنان، مقابل ألا يشكل حزب الله شوكة في خصر إسرائيل. وانتهت القصة منذ ذلك الوقت. والآن فإن باب التفاوض مفتوح على “ترسيم” مماثل في البحر لتقاسم المصالح النفطية فيه.

إيران تعادي دول المنطقة الأخرى. وكل ما تريده من إسرائيل والولايات المتحدة هو أن تقبل بنفوذها وبمشروعها التخريبي، مثلما قبلت به في لبنان. وهو مثلما كان مفيدا في العراق (بدلالة الاتفاق الأمني الذي وقع في العام 2008)، فإنه يمكن أن يكون مفيدا في لبنان وسوريا واليمن وغيرها من دول المنطقة التي يتعين أن ينتقل إليها عامل الخوف.

بوجود برنامج نووي أم بعدم وجوده، باغتيال خمسة مهندسين وترك عشرة آلاف، فإن التهديد الإيراني يظل هو نفسه. لا حاجة للخداع في هذا. فالفاصل في الخديعة لا يكمن في السؤال عن مصير “البرنامج السري النووي الإيراني”، وإنما عن مصير النظام الإيراني نفسه: هل يعيش بمده بأسباب البقاء؟ أم هل يتم استئصاله لاستئصال كل تهديداته؟

الجواب هو الفاصل.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]