علي شندب يكتب: اجتماع غدامس والطريق لانفصال برقة

علي شندب

وتيرة طائرات الشحن العسكرية التركية المتصاعدة إلى “قاعدة الوطية”غربي طرابس، تشي وكأنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعدّ العدة لاستدامة بقاء قواته في ليبيا طويلا. أي لأكثر من خمسمئة عام شكلوا مدة الاحتلال التركي لليبيا، بحسب ما سبق أن أعلنه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار خلال زيارته طرابلس، بعد سيطرة القوات التركية وميليشيات المرتزقة التابعة لها ولحكومة الوفاق على غربي ليبيا، انطلاقا من “قاعدة الوطية” ومحيط طرابلس وخصوصا مدينة ترهونة وصولا الى مشارف سرت.

قاعدة الوطية (التي وللمناسبة كانت تسمّى قاعدة الصحابي “عقبة بن نافع”، قبل أن يبدل إسلاميو الأردوغان ومجاهدو الناتو اسمها إلى قاعدة الوطية بعد سيطرتهم عليها عام 2011)، هي ضمن 10 قواعد أجنبية على امتداد الأرض الليبية التي ينتشر فيها أيضا نحو 20 ألفًا من المرتزقة الأجانب، بحسب رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم بالإنابة سـتيفاني وليامز.

تقاطر الطائرات العسكرية التركية إلى الوطية، يشي أيضًا وكأن تركيا تستبق العقوبات الوشيكة التي يعتزم الاتحاد الأوروبي فرضها ردا على استفزازات تركيا في ليبيا وشرقي المتوسط. وهي الاستفزازات التي كانت في صلب القمة الفرنسية المصرية التي شهدتها باريس. حيث أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الحل السياسي الشامل، وتفكيك الميليشيات، وخروج القوات الأجنبية من ليبيا، هو المخرج الوحيد للأزمة الليبية. فيما أكد ماكرون أن التقدم الحاصل في ليبيا مهدّد من بعض القوى الإقليمية التي تسعى لزعزعة الاستقرار. وخلال المؤتمر الصحفي المشترك مع ماكرون، وجه السيسي نداء للمسؤولين في لبنان دعاهم فيه إلى سرعة تشكيل حكومة جديدة.

لكن زخم الحراك الإقليمي والدولي في المنطقة، وتعدّد المسارات السياسية والعسكرية لم يحجبا الغبار الذي تثيره شحنات الأسلحة والذخائر والمرتزقة التي تجلبها تركيا إلى ليبيا التي تعاني ازدواجيات سياسية واقتصادية ودستورية وعسكرية، جعلت وتجعل من ليبيا كيانا هشّا وفي مهب الريح.

إنها الازدواجيات التي أكثر ما يعبر عنها، اعتراف المجتمع الدولي بحكومة الوفاق والمجلس الرئاسي ومقرهم طرابلس، وأيضا اعترافه بمجلس النواب الليبي ومقره بين طبرق وبنغازي. ويبقى التناحر سمة العلاقات القائمة والحاكمة بين الأجسام التنفيذية والتشريعية، ما فتح الطريق أمام تدخلات إقليمية ودولية متضاربة الأجندات والأهداف.

وفي ظل ما تقدم، برز “ملتقى الحوار السياسي الليبي” برعاية ستيفاني وليامز، كعصا غليظة مسلطة على الأطراف الليبية كافة. فهو الملتقى الذي يضم نحو 75 شخصية يمثلون وفق معايير مبعوثة الأمم المتحدة أقاليم ليبيا الثلاثة. طرابلس، برقة وفزان. وقد توصّل الملتقى إلى إعلان خارطة طريق لإعادة إنتاج وتكوين الأجسام السيادية الانتقالية، يعقبها انتخابات نيابية ورئاسية وحكومة جديدة ومؤسّسات مالية ونفطية واقتصادية وعسكرية وأمنية موحدة. ما جعل ويجعل من الملتقى مؤسّسة مرجعية بديلة تسحب البساط من تحت المؤسسات المتناحرة من جهة ومن مرجعياتهم الإقليمية والدولية من جهة أخرى.

وتزامنا مع انعقاد جلسات الملتقى الواقعية والانترناتية، برزت قطبة مخفية موّهت وراءها الجهات الحقيقية التي أخرجت من أكمامها أرنب فكرة توحيد مجلس النواب. وقد جرى تلقيح الفكرة وتخصيبها في مدينة طنجة المغربية، التي احتضنت اجتماعا تشاوريا واسعا للنواب الليبيين تغيّب عنه رئيس البرلمان عقيلة صالح.

وقد قرر لقاء طنجة النيابي، اعتبار مدينة بنغازي المقر الدستوري للبرلمان الليبي الذي سيعقد جلسة رسمية له في مدينة غدامس لإنهاء حالة الانقسام التي تسوده، كما وإنهاء حالة الصراع والانقسام بجميع المؤسّسات والحفاظ على وحدة وكيان الدولة الليبية وسيادتها، والاستعداد التام للتعاطي الإيجابي مع مخرجات مسارات الحوار بما يتفق مع الإعلان الدستوري وتعديلاته، والاتفاق السياسي الليبي مثمنين ما تم إنجازه عبر لجنة 5+5، والاتفاق على الالتزام بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق إطار دستوري ينهي المرحلة الانتقالية خلال عام من اجتماع غدامس. وشدد بيان طنجة على احترام الإعلان الدستوري وأهمية الالتزام بما جاء في الفقرات 25-28 من الصيغة التنفيذية لقرار مجلس الأمن رقم CSR/2510 بشأن دور مجلس النواب وعدم خلق جسم مواز يساهم في إرباك المشهد.

إنهاء حالة الانقسام في البرلمان الليبي هي الشفرة غير السرية لاجتماع غدامس، تلك المدينة الصحراوية المحاذية للحدود مع الجزائر. ويكمن فكّ الشفرة البرلمانية عبر تعديل النظام الداخلي للبرلمان بهدف انتخاب رئيس جديد له، بحسب ما أفصحت عنه تصريحات بعض النواب الموجودين في غدامس، ما سيطوي صفحة رئيس البرلمان عقيلة صالح ويقصيه عن صدارة المشهد السياسي الليبي.

وفي حين تحدثت بعض المعلومات عن رشى مالية كبيرة لشراء أصوات بعض النواب، وشت معلومات أخرى عن تعرض نواب آخرين لضغوط وتهديدات جدية تطالبهم بالانسحاب من جلسة غدامس، التي لا تحظى باعتراف رئيس البرلمان عقيلة صالح الذي استجابت أقلية نيابية لدعوته حضور جلسة مجلس النواب، التي التأمت من دون نصاب قانوني. ما دفع صالح لتوجيه الدعوة لعقد جلسة جديدة والتأكيد بأن “قرارات البرلمان لا يمكن أن تصدر إلا من بنغازي”. في حين أن اجتماع غدامس المقرر الإثنين أُجل بهدف تكثيف المشاورات ليوم الثلاثاء التي يرجح أن تحضرها أغلبية نيابية واضحة.

وبعيدا عن السجال حول قانونية اجتماع غدامس، وعن العصمة القانونية الحصرية برئيس البرلمان أو أحد نائبيه. فإن العصمة السياسية والمالية التي تمتلكها الجهات التي أخرجت من أكمامها أرنب توحيد البرلمان، قد فعلت فعلها في الكثير من النواب بدليل ما تردّد عن عمليات ترهيب وترغيب ورشى مالية طالت بعض النواب وأعضاء ملتقى الحوار السياسي معا.

وإذا ما نجح اجتماع غدامس في انتخاب رئيس برلمان بديل لعقيلة صالح سيكون بحسب اتفاق طنجة من أحد نواب بنغازي، فإنه سيلغي تناقض وازدواجية الشرعيات بين المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق في طرابلس من جهة، وبين مجلس النواب من جهة أخرى.

وفي هذا السياق بدت إشادة قائد الجيش الليبي خليفة حفتر برئيس البرلمان عقيلة صالح، وأيضا امتداحه لدور صالح الوطني ودور قبيلته في دعم الجيش والدفاع عنه مثيرة للانتباه والاهتمام. لكنهما الإشادة والامتداح اللتان قرأتهما نخب ليبية متابعة كنوع من “مكافأة الصرف من الخدمة” لصالح، والتي يبدو أنها تتلاقى مع أهداف جلسة غدامس المرتقبة والتي ربما تلقى ذات المصير الذي لقيه “الملتقى الوطني الجامع” الذي كان المبعوث الأممي السابق غسان سلامة ينوي تنظيمه بمدينة غدامس إياها في منتصف نيسان/ إبريل 2019، وقد حالت اندفاعة الجيش الليبي تجاه طرابلس وقتذاك دون انعقاده.

وفي هذا السياق أيضا، بدا لافتا للغاية بيان “القبائل والمكونات الاجتماعية في إقليم برقة” التي أعلنت دعمها الكامل لمبادرة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الضامنة لحقوق الأقاليم التاريخية ووقف الاقتتال وإعلان مرحلة جديدة للتفاوض والسلام. “قبائل برقة” التي أثنت على دور مصر البارز شعبا وحكومة لحل الشقاق في ليبيا، أعلنت رفضها القاطع والمطلق للقفز بأي شكل من الأشكال على حق الإقليم في اختيار من يمثله في المجلس الرئاسي. وأعلنت أيضا تمسكها بخيار عدم المساس بالمؤسسة العسكرية وقيادتها المتمثلة في المشير خليفة حفتر.

قبائل برقة ترى في إزاحة عقيلة صالح استهدافا لها، ما يرجح حصول تصدّعات جدية داخل مدن الشرق الليبي، كما يرجح رفع البرقاويين لعلم برقة، تعبيرا عن الانفصال الذي له بيئته الحاضنة. الأمر الذي ستكون له تداعيات خطيرة على وحدة ليبيا. لأن إقصاء رئيس البرلمان بحسب بعض نخب برقة، هو انقلاب يخدم المشروع السياسي لتركيا والإخوان، واختطاف لمجلس النواب برمته حتى لو انتخب اجتماع غدامس (التي تقع ضمن المجال الجوي لقاعدة الوطية ومسيرات بيرقدار التركية)، لرئاسته احد النواب الموالين لحفتر.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]