علي شندب يكتب: خط مصر الأحمر يستطلع لبنان

علي شندب

حاول رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون في رسالته الأخيرة حول التدقيق الجنائي المالي، تقمّص الشخصية التي جعلت منه التسونامي، والجنرال المتمرد، ورئيس تكتل الإصلاح والتغيير.

ربما حنّ ميشال عون إلى أيام ما قبل انغماسه في التسويات السياسية المحشوة بالفساد، والتي جعلته ورصيده السياسي يتآكلان، بدءا من طي صفحة الإبراء المستحيل مجرد صعوده باتجاه درج قصر بعبدا.

أغلب الظن أن عون كان صادقا زمن التسونامي، كما هو صادق اليوم في ملف التحقيق الجنائي، لكن عون نفسه يعلم أن جهنم مبلّطة بالنوايا والبطانة الحسنة.

وبدل أن يستهل عهده القوي بالتحقيق الجنائي، جعله الخرطوشة الأخيرة، التي قرأها المستهدفون بشد العصب كنكتة سمجة لزوم شد العصب لعهده، الذي لم يكن قويا إلا في الذهاب بلبنان واللبنانيين إلى جهنم.

لكن هل يستقيم صدق عون حول التحقيق الجنائي، في لحظة يعتقل فيها في أقبية القصر ومنذ أكثر من عام التشكيلات القضائية التي أقرها لمرتين مجلس القضاء الاعلى؟

أعلب الظن أن عون الصادق في التحقيق الجنائي غير مقتنع بالفساد الذي ارتكبه وزراؤه وفي مقدمتهم الوزير الملك وصهره جبران باسيل المعاقب أمريكيا بالفساد فقط لا غير.

المهم في رسالة عون الجنائية، والتي فتك فيها بحاكم مصرف لبنان، وهو الفتك الذي سبقه إليه حسن نصرالله (علما أن عون وكتلته الوزارية صوتوا بالتجديد لرياض سلامة في حاكمية المصرف المركزي) توقيتها.

فقد أرسل عون كلامه عقب استقباله وزير خارجية مصر سامح شكري الذي التقى غالبية الكتل السياسية باستثناء ضلعي تفاهم مار مخايل حزب الله والتيار الوطني الحر. إنه التوقيت الذي صوّب من خلاله عون على مبادرة الرئيس نبيه بري حول تشكيل حكومة “الثلاث ثمانيات”التي تحمل بحسب الوزير سامح شكري عناصر توافقية للحل في لبنان.

بدون شك فإن زيارة وزير الخارجية المصري إلى لبنان بتكليف من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، لم تكن تعبيرا عن فائض ترف سياسي تعيشه القاهرة، بل عن إدراك عميق بالمخاطر المحدقة بلبنان اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وإن إنزلاق لبنان لمزيد من الانهيار من شأنه أن يهدد الأمن الاقليمي الذي باتت القاهرة تملك بناصية الكثير من ملفاته الحيوية الساخنة والباردة.

وبهذا المعنى ليس تفصيلا أن يزور شكري بيروت بعد جولة المفاوضات السيئة في كينشاسا حول أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، وهي الأزمة التي يرجح أن تجد القاهرة نفسها أمام تحد قصف سد النهضة وتدميره بعد استنفادها لكافة وسائل التفاوض الديبلوماسية. فنهر النيل قصة حياة وموت بالنسبة لمصر.

ومع هذا فقد ارتقى الملف اللبناني لهذا المستوى من اهتمام القيادة المصرية التي نجحت مفاعيل قرارها في رسم الخط الأحمر في ليبيا. ويرجح نجاحها في الخط الأحمر الجديد بالتعاون مع السودان حول سد النهضة الإثيوبي الذي شيّد للمناسبة على أرض “بني شنقول” العربية السودانية أصلا، والتي سلخها الاستعمار البريطاني عن السودان وضمها إلى إثيوبيا لأجل مثل هذه الساعة التي يريد فيها الغرب تفجير التناقضات التي خلفها جراء رسمه الخرائط والشرائط الحدودية على امتداد المنطقة.

وبهذا ينبغي النظر لاهتمام مصر المستجد بلبنان والذي تجحّظ بشكل فاعل بعد هبّة مصر وتسييرها اسطول بحري وجوي من المساعدات الطبية والغذائية والعمرانية بعد انفجار مرفأ بيروت بهدف منع لبنان من الاستمرار في التداعي والتحلل المالي والاقتصادي والسياسي والذي بات يقترب من التحلل الأمني الذي يشكل تهديدا للأمن الاقليمي.

بهذا المعنى فإن استثناء موفد القيادة المصرية حزب الله والتيار الوطني الحر من لقاءاته اللبنانية، بدا ترسميا غير مشفر للتوجهات المصرية في لبنان. إنه الترسيم الذي نسّقه شكري أثناء توقفه في باريس في طريقه إلى بيروت مع نظيره الفرنسي جان ايف لودريان، ما يعني إحكاما للعزلة التي تلف جبران باسيل، وهي العزلة التي واكبتها تقارير تقول بأن فرنسا (التي تعيش عقدة الثأر لرئيسها ماكرون من حفلة “الخيانة الجماعية” التي تعرض لها من المسؤولين اللبنانيين) والاتحاد الأوروبي يدرسان آلية معقدة لفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين يعيقون ويمنعون تشكيل حكومة مهمة لانقاذ لبنان ومنعه من التداعي. وهم المسؤولون الذين لم تمنعهم العقوبات الأمريكية الترامبية على مقياس ماغنيتسكي وغيره من تعديل سلوكهم في الفساد والإفراج عن الحكومة.

وقد رفدت أهداف زيارة شكري، بزيارة مساعد الامين العام للجامعة العربية حسام زكي الذي جال على المسؤولين اللبنانيينوعبر عن انزعاج الجامعة وقلقها من الوضع المتأزم في لبنان المصاب بمتلازمة الأزمات وهي كما عبر زكي أزمة سياسية وأزمة اقتصادية ضخمة، ولا يمكن حل الازمة الاقتصادية دون الوصول إلى مخرج وتسوية للأزمة السياسية، لكن موقف الجامعة الأبرز كما عبر رمزي كان في تماهيها مع مطلب الحياد الذي يرفعه البطريرك الماروني بشارة الراعي.

لكن الأمر اللافت الذي أثاره موفد الامين العام للجامعة العربية مع الرئيس عون هو القلق على اتفاق الطائف. أنه القلق الذي حاول عون تبديده من خلال تأكيده على التمسك به. في حين أن سلوك وأداء الرئيس عون اتسم بمحاولاته المتكررة في تجاوز الطائف الذي بات دستورا من خلال ممارسات التفافية يبغي تحويلها إلى أعراف عبر بدع يرفده بها بعض فقهاء القصر.

لكن سلوك عون الأقسى تجلّى في صمّه لأذنيه عندما قال صهره ووريثه غير البيولوجي جبران باسيل عبر مكبرات الصوت التي وصلت تردداتها كل بقاع العرب أن اتفاق الطائف “نتن”، وساعتذاك لم يقدم عون على رفض مقولات باسيل ولم يضربه على يده، ما جعل محاولاته لتجويف الدستور أكثر من مجرد انطباع لا يبدده تأكيد عون المتقطع حول تمسكه بالطائف.

وبالعودة إلى زيارة شكري وعودة مصر إلى لبنان، فإنه من رحم خط مصر الاحمر في ليبيا استولدت التفاهمات الاقليمية والدولية وتحديدا بين مصر وأوروبا وتركيا التي استولدت بدورها خارطة طريق سياسية أدت لإنتاج مجلس رئاسي وحكومة جديدتين لبضعة أشهر تنتهي بإجراء انتخابات عامة تعيد تكوين السلطة. فإن الوضع في لبنان مختلف بالنظر إلى أن ذاك المستوى من التوازن في ليبيا مفقود في لبنان الذي باتت الكلمة ما فوق العليا فيه وبفعل “الغياب العربي” هي لإيران عبر حزب الله. وقد عبرت إيران بلسان ظريف خارجيتها مرارا عن رفضه المبادرة الفرنسية التي أطلق زعيم حزب الله حسن نصرالله رصاصة الرحمة عليها بعد تجويفها أولا بتخصيص الثنائي الشيعي بوزارة المالية، وثانيا عبر مطالبته بتشكيل حكومة تكنوسياسية ما يعني إرسال المبادرة الفرنسية إلى متحف الارشيف.

من هنا فإن الاندفاعة المصرية معزّزة بدور الجامعة العربية تجاه لبنان، تعني أن هناك قرارا عربيا تعبر عنه مصر بعدم ترك لبنان محل تجاذب صراع النفوذ والاجندات بين ايران والغرب الأوروبي، سيما وأن أمريكا البايدنية منشغلة بمواجهة الصين وتمددها حتى عسكريا عبر إيران من جهة، وبمواجهة روسيا في الصراع المتجدد حول اوكرانيا من جهة أخرى. لكن المتقدم في الأجندة الأمريكية الأوروبية هو استئناف مفاوضات فيينا حول المشروع النووي الإيراني المنطلق دون مشاركة دول الخليج العربي.

المفاوضات التي ستفك حبل العقوبات مجددا عن عنق إيران غير مستعجلة على عودة واشنطن للاتفاق النووي بحسب المرشد الإيراني علي خامنئي. لكن مفاعيل المفاوضات النووية مع الاتفاق الاستراتيجي الإيراني الصيني ستفتح المنطقة على متغيرات وتحولات هائلة لعل طلائعها في قرار الولايات المتحدة الانسحاب من العراق المغلف بإعادة التموضع الذي لم يخل من عمليات كاريكاتورية باسم المقاومة لمحاولة تمظهر الحشد الولائي بطرد أمريكا من العراق في لحظة احتضان الدول العربية لرئيس حكومته مصطفى الكاظمي.

من هنا تتبدى العقد المستحكمة بالواقع اللبناني الذي يسيّره الممسكون بأوراقه التي ستطرح في مطابخ المفاوضات السرية والعلنية لإبرام الصفقة النوويةالجديدة فيما سيكون دور بعض العواصم الكبرى غسيل الصحون في المطابخ، إلا إذا اقتدرت مصر ومعها دول الجامعة العربية على صنع معادلة جديدة من سد مأرب إلى سد النهضة إلى بيروت.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]