علي شندب يكتب: روسيا والتحولات العربية والإقليمية

علي شندب

تحولات لافتة بدأت تظلّل المشهد العربي والإقليمي عكسها تأكيد وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان بقوله “أن المملكة العربية السعودية تدعم أي جهود حتى تعود سوريا الى حضنها العربي”. تحولات سبق وجحّظها اعتبار وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد “أن عودة سوريا للعمل الإقليمي مع محيطها العربي أمر لا بد منه”.

فمن قال أن للتطبيع سكة واحدة باتجاه إسرائيل فقط؟ها هو باتجاه سوريا أيضا. لكن ما يعترض وصوله إلى عاصمة الأمويين بحسب بن زايد هو “قانون قيصر”. إنه القانون الذي استهدفت واشنطن من فرضه تقويض الدولة السورية وداعميها وخصوصا ايران وذراعها اللبناني حزب الله. لكن “سنّة القوة” تفرض تعليق القوانين عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. كما تفرض تطبيق القوانين عندما يتعلق الأمر بالعلاقات البينية العربية.

أهمية كلام وزيري خارجية السعودية والإمارات أنه ورد رفقة نظيرهما الروسي سيرجي لافروف خلال جولته في المنطقة حيث قال “إن روسيا ترحب بتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل”. إذن تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، (وليس العربية العربية) والتي كانت من اهتمامات صهر الرئيس الأميركي السابق جاريد كوشنر، باتت من أبرز اهتمامات لافروف المنشغلة بلاده حاليا بترميم بعض محطات القطار المدمرة خصوصا في دمشق. وكان الاختراق الروسي في اختراع “دبلوماسية الجثامين” القائمة على نبش قبور جنود اسرائيليين قتلوا أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 فضلا عن الجاسوس الأغلى لاسرائيل ايلي كوهين بهدف إعادتهم إلى إسرائيل. النبش الروسي للقبور الإسرائيلية “الملتبسة المكان”يتم وسط صمت مطبق من ايران وذراعها الضاربة حزب الله بوصفهم راسمي معادلات الكوكب لا المنطقة فحسب.

وخلال الاجتماع الأخير للجامعة العربية سجل موقف لافت لمصر بلسان وزير خارجيتها سامح شكري أكد فيه “أن عودة سوريا الى الحاضنة العربية أمر حيوي من أجل صيانة الأمن القومي العربي” كما برز في السياق عينه موقف للجامعة العربية طالبت فيهتركيا “بسحب جميع قواتها دون شرط من سوريا والعراق وليبيا”. وقد بدت لغة الجامعة تجاه تركيا قريبة من اللغة المستخدمة تجاه إيران.

ما تقدم يعكس بوضوح حجم ونوعية التحولات التي تشهدها المنطقة العربية تجاه سوريا، وأيضا باتجاه ليبيا التي لم يكن ممكنا لحكومتها الجديدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة أن تتشكل وتنال ثقة البرلمان الليبي الذي اجتمع لأيام في مجمع قاعات واغادوغو للمؤتمرات التي بناها الزعيم الراحل معمر القذافي بمدينة سرت، لولا المظلة الاقليمية والدولية التي دعمت جهود بعثة الأمم المتحدة بعدما كادت الأمور في ليبيا تنزلق الى حرب إقليمية كبيرة بأبعاد دولية.

إنها الحرب التي تمكنت فيها مصر من لجم الاندفاعة التركية التي قلبت الأوضاع غربي ليبيا في سياق سعيها لفرض معادلات جديدة على امتداد ليبيا عبر محاولتها السيطرة على منطقة الهلال النفطي في خليج سرت. لكن معادلات تركيا وتغوّلها في ليبيا اصطدمت بالخط الأحمر الذي رسمه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بإعلانه منطقتي سرت والجفرة خطا أحمرا للأمن القومي المصري والعربي. “الخط الأحمر”الذي أدى بحسب السيسي الى نتائج طيبة تمثلت بـ”وضع نهاية للصراع بين الأشقاء في ليبيا” والإعداد لمرحلة الانتخابات التي فيها السلطة لرئيس منتخب بإرادة الشعب الليبي.وقد بدت التوافقات حول ليبيا جزءا من تفاهمات أوسع في شرقي المتوسط، الذي كاد بدوره أن ينزلق الى حرب بين تركيا وجوارها المتوسطي الأوروبي والعربي.
صحيح أن الخط الأحمر المصري وضع حدا للتمدد العسكري التركي باتجاه شرق ليبيا، لكن الصحيح أيضا أن إفرازات”ملتقى الحوار السياسي الليبي” من المجلس الرئاسي والحكومة المنبثقة عنه عوّضا على تركيا تغوّلها العسكري شرقا، بتمدد سياسي باتجاه الشرق اياه. وبحسبة بسيطة يتضح أن تركيا هي الفائز الأكبر بالمخرجات السياسية في ليبيا، بحيث أن كلا من رئيسي الحكومة والمجلس الرئاسي الليبي عبد الحميد دبيبة ومحمد المنفي لم يحلقا مطلقا خارج المدارات التركية. وبالحسبة البسيطة اياها يتضح بالمقابل أيضا أن الأحصنة التي تعتبر نفسها امتدادا لمصر في ليبيا، وتعتبر مصر عمقها وامتدادها الطبيعي، ونعني عقيلة صالح وخليفة حفتر، كانت أحصنة عرجاء ولم تربح سباق الخيول لا على المستوى السياسي ولا على المستوى العسكري، الأمر الذي اضطر مصر لإطلاق مبادراتها السياسية وخطوطها الحمراء العسكرية، والى تمسكها بتعليق الاتفاقيات التي أبرمتها أنقرة مع حكومة الوفاق الليبية، ومناقشة خروج القوات التركية من ليبيا وعدم وجود أي قواعد عسكرية تركية في ليبيا لبدء أي حوار في المستقبل، أكدت القاهرة تمسكها بدخول قبرص واليونان في أي مفاوضات مع تركيا بشأن ترسيم الحدود البحرية.

ورغم هذا المناخ الجديد، برز تحول لافت في الموقف التركي تجاه مصر. ففي حين اعتبر وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو “أن تركيا ومصر قد تتفاوضان على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط إن سنحت الظروف”. أكد المتحدث الرئاسي التركي ابراهيم غالن وفي غزل غير مسبوق “أن مصر قلب وعقل العالم العربي ولديها دور مهم في المنطقة” ورأى غالن أنه “يمكن فتح صفحة جديدة في علاقاتنا مع مصر ودول الخليج الأخرى للمساعدة في السلام والاستقرار الإقليميين”. لكن التحول في مواقف تركيا لم يقف عند حدود مصر والدول الخليجية بل تعداها ليشمل تواصلا نوعيا مرئيا بين الرئيس التركي أردوغان ونظيره الفرنسي ماكرون، بعدما اهتزت العلاقات التركية الأوروبية والفرنسية خاصة بشكل هدّد وحده حلف شمال الأطلسي بالتحلل والتفكك خصوصا بعدما وصفه ماكرون بالميت سريريا.

وقد برزت ملامح المرونة في العلاقات العربية التركية عقب انعقاد قمة العلا لمجلس التعاون الخليجي بحضور مصر وجاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب. وفيما رحبت يومها تركيا بانعقاد القمة وبالانفتاح على الدول العربية والخليجية، صبّت ايران جام غضبها على قمة العلا ومقرراتها، وقد ترجم الانزعاج الايراني من القمة في تكثيف هجمات الحوثيين بصواريخ ايران البالستية التي استهدفت مؤخرا مدينة الظهران، فيما استهدفت مسيرات مفخخة يرجح أنها انطلقت باسم الحوثيين من جنوبي العراق ميناء رأس تنورة.

وبالعودة الى الدينامية المتجددة للدبلوماسية الروسية التي تعبر عنها جولة سيرغي لافروف في المنطقة والتي يبدو وكأنها تستكمل نتائج تدخل روسيا العسكري في سوريا في عهد باراك اوباما، كما وترسم وتحدد مناطق النفوذ والسيطرة بين القوى الدولية والاقليمية خصوصا بعد إخفاق بعض المبادرات الاوروبية ومنها المبادرة الفرنسية حيال لبنان الذي يلتهب شارعه على إيقاع الانهيار المالي والاقتصادي الذي أصاب بدوره المؤسسات العسكرية والأمنية، وقد تلقف اللبنانيون الصرخة غير المسبوقة لقائد الجيش اللبناني بوجه حضرات المسؤولين غير المسؤولين.

ويبقى أن نجاح روسيا حيث أخفقت فرنسا، يتوقف على حقيقة حصول بوتين على تفويض دبلوماسي بايدني، مماثل للتفويض العسكري الأوبامي.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]