علي شندب يكتب: فرنسا ودخول لبنان مدارات روسيا

علي شندب

فاجأ وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان اللبنانيين باجراءات عقابية تطال المسؤولين السياسيين المتهمين بعرقلة تشكيل حكومة تنقذ لبنان من الانهيار. كلام لودريان تزامن مع زيارة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى العاصمة الروسية موسكو. تزامن دفع لودريان لإطلاق تصريحاته الساخنة من خارج باريس، فمنصة صواريخه الصوتية نصبت في مالطا، الجزيرة التي عبرت أمامها الأساطيل والبوراج التركية في طريقها الى ليبيا أثناء الغزوة الأردوغانية التي أشعلت التوتر التركي العربي الأورومتوسطي قبل أن تكبح مصر جماح الغزوة التركية وتوقفها عند الخط الأحمر الذي سبق وحدّده عبد الفتاح السيسي في مدينتي سرت والجفرة الليبيتين.

فرنسا الدولة النووية والعضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، عارضت الغزو الأميركي الذي شنه جورج بوش ضد العراق عام 2003. معارضة اضطرت الولايات المتحدة لتشكيل تحالف دولي ضم بريطانيا لاحتلال العراق من خارج مجلس الأمن والشرعية الدولية. غزوة القوة الغاشمة هذه ما زالت المنطقة تدفع ثمن تداعياتها باحتلال العراق المدمر للمنطقة العربية. وتبدو عبارة “أوروبا العجوز” التي أطلقها وزير دفاع الغزوة الأميركية دونالد رامسفيلد ضد فرنسا ورئيسها جاك شيراك ووزير خارجيته دومينيك دوفيلبان، وكأنها سارية الصلاحية.

فمنذ 2003 تحاول فرنسا إثبات شبابها لا شيخوختها. فقد استشعرت عبارة رامسفيلد “أوروبا العجوز” أشبه برصاصة شبه مميتة. وقد أثبتت تطورات المنطقة صدق مقولة رامسفيلد الى حد بعيد. ألم يطلب ترامب إتاوة من ميركل المانيا والاتحاد الأوروبي لحمايتهم؟ ألم يقل إيمانويل ماكرون إن حلف شمال الأطلسي ميت سريريا؟ وألم يفكر بعض القادة الأوروبيين بإنشاء ناتو أوروبي يقيهم شر المهانة التركية واستفزاز الأردوغان بحثا عن النفط والغاز شرقي المتوسط على سبيل المثال؟.

ويبدو أن ناظر الخارجية الفرنسية سيزور بيروت لاستكمال تقريع وإهانة بعض المسؤولين اللبنانيين، ليس بسبب نكوصهم عن تحمل مسؤولياتهم وتشكيل حكومة إنقاذية فقط، بل بسبب نكوصهم وعدم التزامهم الوعود التي قطعوها لرئيس ماكرون الذي سبق وأعلن تعرضه لحفلة خيانة جماعية في بيروت.

لكن هل فعلا أن بمقدور بعض ساسة لبنان أن يديروا ظهرهم لصديق لبنان التاريخي فرنسا؟ أم أن ثمة مزاحمة حقيقية تعرضت لها “الأم الحنون”، ما خفف من نفوذها وتأثيرها بفعل تلك المزاحمة. إنها المزاحمة التي تقول إن تغييرا كبيرا ومحوريا حصل في توازن القوى في لبنان كانعكاس بديهي لتوازن القوى في المنطقة التي اختلت توازناتها بفعل الحرب في سوريا وعليها، كما وبفعل تحول سوريا الى منطقة تقاسم نفوذ بين قوى إقليمية ودولية متواجدة بقواعدها وأساطيلها وجيوشها في سوريا التي يمكن القول إن الكلمة العليا فيها باتت لقيصر روسيا، وليس لماكرون فرنسا الذي أخفق ومبادرته في لبنان كما أخفق مع سابقيه في الإليزيه ساركوزي وهولاند في سوريا.

وبخلاف اندفاعة القوة العسكرية الروسية الخشنة التي تمكنت من قلب الأوضاع رأسا على عقب في سوريا لمصلحة بشار الأسد خلافا لمصلحة فرنسا ومعاركها في المدن السورية، فإن الدبلوماسية الروسية تسير بهدوء ودون ضجيج، لتصبح موسكو لا باريس مفتاح الحل اللبناني، وفي هذا ما يغيظ فرنسا نتيجة المزاحمة الروسية على تراثها الفرانكفوني والاستعماري في لبنان.

ربما يغفل ساسة فرنسا كيف أن حافظ الأسد ومن بعده بشار الأسد قد ضبطوا الوضع اللبناني لسنوات طويلة وفق ما تقتضيه المصلحة السورية، وأن ضابط الأمن الحقيقي للواقع اللبناني هو الجغرافيا. الجغرافيا التي باتت فيها روسيا بمثابة الراعي الرسمي للدولة السورية كما ولإيران وأذرعها في سوريا واستطرادا في لبنان حيث المنظومة الرسمية التي يديرها ويهيمن عليها حزب الله.

ربما لم يدرك لودريان أن روسيا الدولة الكبرى في العالم، هي بنفس الوقت جارة لصيقة للبنان الذي بات يقع تحت فلك المدارات الروسية ورادارتها التي تغفو تجاه الغارات الإسرائيلية على مواقع إيران وأذرعها في سوريا. ولهذا فإن لبنان اليوم يختلف عن ذلك الذي أعيد إنتاجه بواسطة اتفاق الطائف عام 1989، إنه الاتفاق الذي رعته تسوية إقليمية دولية ضمت كلا من الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وسوريا. وقد بدت هذه الرباعية الدولية حول لبنان أشبه بشبكة أمان لهذا اللبنان.

لكن توازن القوى الإقليمية، تغير بفعل دور إيران المتقدم في المنطقة، انطلاقا من تخادمه مع الشيطان الأكبر، منذ غزو العراق واحتلاله، وصولا الى الاتفاق النووي وتداعياته الميدانية، وتحول إيران غلى قوة إقليمية عظمى تحتل أربعة عواصم عربية. وبات لإيران ممثلة بحزب الله الكلمة العليا في لبنان، وهذا أمر يدركه لودريان كما يدركه ماكرون الذي سرعان ما خضع لضغوط ومطلب الثنائي الشيعي بتخصيصه بوزارة المالية، الأمر الذي جوّف المبادرة الفرنسية وضرب توازنها ووحدة المعاييرة فيها التي تحولت أسلحة تعطيلية في يد رئيس الجمهورية وفريقه تجاه عدم تشكيل الحكومة اللبنانية.

وفيما سعت فرنسا لتحويل مبادرتها اللبنانية الى مبادرة أوروبية، والتهويل بفرض عقوبات فرنسية أوروبية على المعطلين والمعرقلين. فوجئت بانتكاسة ديبلوماسية من طرف وزير خارجية هنغارية الذي زار وزير خارجية لبنان السابق جبران باسيل متضامنا معه ومعلنا عدم موافقة بلاده على أي عقوبات أوروبية تستوجب إجماع كامل دول الاتحاد الأوروبي تجاه المعرقلين وفق الرؤيا الفرنسية.

إذن فشل الجهود الفرنسية دفع فرنسا الى إعلان فرضها قيود منع السفر الى فرنسا على نحو 40 مسؤولا لبنانيا لن تعلن أسماءهم بحسب الأخبار الممهدة لزيارات لودريان لزيارة لبنان.

ويبدو أن موقف فرنسا بمنع سفر بعض ساسة لبنان إليها، وكأنه يحمل في مضامينه العميقة والبعيدة تهديدا مفاده بأن فرنسا سوف لن تجلي أو تستقبل لاحقا أي مسؤول سياسي قد تضطره الظروف الميدانية الى الهروب من قصره واللجوء الى سفارتها في بيروت مرة أخرى.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]