علي شندب يكتب: قناة السويس.. ماذا عن الانسداد غير البريء؟
جنوح سفينة بنمية عملاقة في قناة السويس، وتصادم قطارين في سوهاج، وانهيار “عمارة الثلاجة” في جسر السويس.. ثلاثة حوادث تجمعت بتزامن مصادفات بحتة، صاحبها أخبار مسمومة وكأن إعصارا ضرب مصر. أخبار ربطت بين هذه الحوادث التي لا يربط بينها رابط سوى الضحايا والخسائر المادية، فاستحضر أصحابها الخرافة علهم يبثون عبرها ضالتهم.. إنه القدر الغاضب على مصر وفراعنتها. لكن المتبصر البسيط في هذه الحوادث رغم هولها بامكانه تفكيكها وعزلها عن بعضها.
فتصادم قطاري مدينة سوهاج ليس الأول، وربما لن يكون الأخير في مصر. وهو تصادم حدث أمثاله في دول عدة تمتلك قطارات حديثة ومتطورة، فما بالنا بقطارات قديمة عمرها عشرات السنين.. الحكومة المصرية كما هو معلوم وضعت خطة لتطوير سكك الحديد على امتداد مصر، بل هناك خطة لبناء سكة حديد إستراتيجية لقطار إقليمي يربط مصروليبيا والسودان.
حادث قطاري سوهاج ناجم عن “خطأ بشري” سببه عدم تلقف سائق القطار الخلفي واستجابته لكل أنواع التحذيرات من سائق القطار الأول بحسب وزير النقل والمواصلات المصري كامل الوزير الذي أكد أيضا عدم استباق تحقيقات النيابة العامة. فيما عادت قطارات سوهاج إلى العمل بوتيرتها الاعتيادية السابقة.
أما عمارة الثلاجة وهي أقدم عمارة في منطقة جسر السويس فتشوبها مخالفات قانونية، منها تشغيل وإدارة مصنع ملابس دون ترخيص تم إغلاقه بعد تحرير محضر باسم مالك المصنع، بحسب تقارير ذكرت أنه تم تحويل جراج العقار إلى “بدروم”، أخلي من محتويات المصنع قبل إغلاقه وختمه بالشمع الأحمر منذ 20 يوما، ثم حدث الانفجار الذي أدى إلى انهيار العقار بطوابقه العشرة موقعا عددا من الضحايا، ما يعني أن العقار انهار بسبب مخالفات مغلفة بفساد وإهمال تسببا بالانفجار، وليس بسبب تقادم الزمن.
لكن الحادث الأهم المختلف في طبيعته وأهميته وأبعاده هو خروج السفينة البنمية الضخمة عن مسارها في قناة السويس. إنها السفينة التي يوازي طولها عرض القناة، وقد أدى جنوحها الى إقفال القناة التي تحولت إلى ما يشبه جراج للسفن والبواخر العملاقة. كما أدى انسداد القناة لأيام إلى إصابة حركة التجارة الدولية باختناق في جهازها التنفسي وكأنها أصيبت بكورونا متحور، ما انعكس على أسعار النفط وبعض البورصات.
وبات انسداد قناة السويس محط اهتمام دول العالم وقادته، حتى إن الرئيس الأمريكي بايدن أبدى استعداد بلاده للتدخل بمعدات عملاقة لتعويم السفينة، في وقت تتكثف فيه جهود هيئة قناة السويس والشركات المتعاقدة معها ونجاحها في تحريكها نحو 30 درجة بعد تجريف بعض التربة من محيطها، وربما يكون الحل في تخفيف حمولة السفينة عبر تفريغها من العدد الأكبر من الحاويات التي تبلغ 18 ألف حاوية.
من دون شك ستعود قناة السويس التي عبرتها سفن أكبر من السفينة البنمية، لمواصلة عملها الطبيعي. وقد حمّل رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع قبطان السفينة البنمية مسؤولية جنوحها.
وإذا كان تلافي انهيار العمارات يكمن في الكشف عن جميع العقارات المتهالكة ومعالجتها، وتلافي حوادث اصطدام القطارات يكمن في تجديدها وتطويرها ورفع مستويات الأمان فيها، وهو ما تلحظه خطط التنمية الإستراتيجية الطموح، التي تشهدها مصر بأريافها قبل مدنها من خلال بنية تحتية حديثة ومشروعات إعمارية غير مسبوقة، فإن دروسا مستفادة كثيرة ينبغي استخلاصها من انسداد قناة السويس بفعل جنوح السفينة.
لعل الدرس الإستراتيجي الأكبر الذي جحّظه جنوح السفينة البنمية، يقول إن إغلاق القناة وتعطيلها يمكن أن يتم لأسباب بريئة مثل جنوح السفينة، وليس فقط بعمليات عدوانية أو إرهابية. فالممرات البحرية والمائية التي تحيط بالمنطقة هي أهداف عسكرية أيضًا. “باب المندب” توأم قناة السويس، ويعتبر أهم ممر مائي بين أوروبا وآسيا وشرق أفريقيا. إنه الممر الذي يربط المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط عبر البحر الأحمر. وقد تسبب استهداف الحوثيين لناقلتي نفط عام 2018 إلى تعليق السعودية جميع شحنات النفط عبر هذا الشريان المائي الإستراتيجي.
لقد فرض”الانسداد البريء” لقناة السويس، طرح السؤال حول احتمالية “الانسداد غير البريء” الذي يفرض بدوره ضرورة الاهتمام المتجاوز لأمن السفن وتدفقات شحنات النفط وحركة التجارة العالمية، في حين تشتعل فيها حرب السفن غير الصامتة بين إسرائيل وإيران، كما تنتشر فيها حرب الصواريخ الباليستية والمُسيرات والألغام البحرية التي يؤدي زرع أحدها في توقيت ما، في متن سفينة ما، إلى إغلاق هذه القناة أو ذاك الباب أو ذلك المضيق، في لحظة تنتقل فيها حروب السيطرة ورسم خرائط الهيمنة وشرائط النفوذ من الجغرافيا إلى المضائق والممرات المائية.
وفي سياق منفصل متصل، لا نعرف لماذا تبدو بيانات الإدارة الأمريكية المستنكرة للصواريخ الحوثية على منشئآت النفط السعودية، وكأن بايدن يدعم الحوثيين أكثر من خامنئي.