بعيدا عن رائحة البارود في منطقة المعارك والدمار في شمال شرق سوريا، ترصد الدوائر السياسية ومراكز الأبحاث الاستراتيجية في واشنطن ولندن وباريس، تداعيات العدوان التركي على الأراضي السورية المحاذية للحدود التركية.
ويرى خبراء عسكريون واستراتيجيون، في موسكو، أن سوريا قد تحصل من العدوان التركي على هدية لم تكن لتحلم بها، وهي استعادة السيطرة على المناطق الكردية وولاء حلفاء الولايات المتحدة الجدد في التحالف الدولي في سوريا، بحسب تعبير كيريل كريفوشييف وسيرجي ستروكان الخبيراي الروسيين.
وأضافا أنه من الواضح أن أنقرة ودمشق قد تتفقان في النهاية على صفقة تسمح لأنقرة، بدرجة ما، بتنفيذ خطتها لإنشاء منطقة عازلة على الحدود مع سوريا، تفصل كردستان التركية عن السورية.
فتح قنوات الحوار بين دمشق وأنقرة
يبدو أن عملية العدوان التركي تعيد ترتيب خريطة الأزمة السورية (بكل مكوناها ومؤثراتها)، في ظل اتفاقيات وتفاهمات بين السطات السورية والأكراد في شمال شرق سوريان، وأيضا في ظل ما كشف عنه المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، في تصريحات صحفية له أمس الثلاثاء من أبو ظبي، على هامش زيارة الرئيس بوتين لدولة الإمارات العربية المتحدة، عن فتح قنوات حوار بين دمشق وأنقرة لـ«تفادي وقوع اشتباك بين الجيشين».
وأوضح لافرينتيف، أن روسيا فتحت قنوات الحوار بين سوريا وتركيا، عبر قنوات وزارات الدفاع والخارجية والاستخبارات.
وقال ألكسندر لافرينتيف، إن حكومتي سوريا وتركيا تخوضان حوارا ومحادثات مستمرة على وقع العملية التركية في سوريا، لمنع وقوع أي اشتباك بين الطرفين.
أشار إلى ضرورة أن يكون أمن حدود سوريا مع تركيا مضمونا من خلال انتشار القوات الحكومية السورية في الأراضي الواقعة على طول المنطقة الحدودية بين البلدين.
«قاعدة حميميم» الروسية استضافت مفاوضات (الأكراد والسلطات السورية)
ويؤكد لافرينتييف، أن روسيا تبذل جهود وساطة لتفعيل الحوار بين السلطات السورية والقوى الكردية، لافتا إلى أن «قاعدة حميميم» الروسية استضافت مفاوضات بين الطرفين، وأن تركيا دفعت الطرفين عمليا لخوض الحوار، ونأمل أن تكون تلك خطوة كبيرة على طريق إعادة سيادة سوريا ووحدة أراضيها واستقلالها.
وتصريحات المسؤول الروسي، تتوافق مع بيان «الإدارة الذاتية الديمقراطية» في الشمال السوري، مؤكدا التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية، على أن يدخل الجيش السوري وينتشر على طول الحدود السورية التركية لمؤازرة «قوات سوريا الديمقراطية» لصد العدوان التركي، وأن هذا الاتفاق يتيح الفرصة لتحرير باقي الأراضي والمدن السورية المحتلة من قبل الجيش التركي كعفرين والمدن والبلدات السورية الأخرى.
تفاصيل «اتفاق التفاهم» بين الحكومة السورية والقوى الكردية
وفي دمشق، تم تسريب أبرز بنود اتفاق «التفاهم» السري، متضمنا إلغاء تسمية «قوات سوريا الديمقراطية»، وإطلاق تسمية «الفيلق الخامس السوري» عليها، مع الاحتفاظ بتنظيمها الحالي وبقائها بقيادة كردية وعربية مشتركة.
وكذلك ضمان حقوق الأكراد في الدستور السوري الجديد بما يكفل لهم حكما ذاتيا مناسبا، والعمل على إخراج القوات التركية من كافة مناطق سوريا ومنها عفرين.
كما أن مراكز المدن والمؤسسات التابعة لـ”قسد” ستستمر بعملها حاليا دون أي تغيير، وتم الاتفاق على إعادة افتتاح المدارس المغلقة في عدد من الأحياء ورفع العلم السوري وإعادة التدريس وفق المناهج الحكومية.
بينما يؤكد المسؤول الكردي السوري البارز، بدران جيا كرد، أن الاتفاق يحمل طابعا عسكريا مبدئيا ويقتصر على انتشار الجيش على طول الحدود من بلدة منبج إلى المالكية في شمال شرق البلاد، وأن الجانبين سيبحثان القضايا السياسية في وقت لاحق.
وسبق أن أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» نيتها إبرام صفقة مع الحكومة السورية وروسيا إذا عجزت واشنطن عن حمايتها من عملية «نبع السلام»، التي أطلقتها تركيا يوم 9 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بشمال شرق سوريا بهدف تطهير الشريط الحدودي بعمق نحو 30 كم من القوات الكردية وإقامة حزاما أمنيا فيها.
واتهم الأكراد السوريون، الولايات المتحدة التي ساعدتها «وحدات حماية الشعب» الكردية المنضوية تحت لواء «قوات سوريا الديمقراطية» في حربها ضد تنظيم «داعش»، ببيع الأكراد وتركهم للذبح.
ويرى الخبير البريطاني، ريتشارد سبنسر، أنه من غير المرجح أن يتم إنشاء منطقة آمنة حدودية شمال شرق سوريا يُنقل إليها نحو مليوني لاجئ سوري، كما يرغب أردوغان، ولكن أردوغان بالتأكيد سيرى أن سيطرة النظام السوري على المنطقة خير له من سيطرة الميليشيات الكردية عليها. ولكن، في الوقت ذاته سيستخدم نظام الأسد الميليشيات الكردية كورقة للضغط والتفاوض مع أردوغان.
الأكراد يشكلون ما بين 7 إلى 10% من سكان سوريا
يذكر أن الأكراد يشكلون ما بين 7 إلى 10% من سكان سوريا، وقبل اندلاع أحداث الأزمة السورية في العام 2011، كان الكثير من الأكراد يعيشون في مدينتي دمشق وحلب إلى جانب المناطق ذات الغالبية الكردية بالقرب من الحدود التركية وهي: عفرين شمال غربي البلاد، وكوباني «عين العرب» في شمال البلاد والقامشلي في شمال شرقه.
وفي العام 2012، انسحبت القوات الحكومية السورية من المناطق الكردية، للتركيز على قتال فصائل المتمردين في أماكن أخرى، فأصبحت تلك المناطق خاضعة لسيطرة الأكراد.
وفي أواخر العام 2014، شن تنظيم «داعش» هجوما على مدينة كوباني، ما دق ناقوس الخطر في أنحاء العالم، وتدخل تحالف متعدد الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة ضد «تنظيم داعش» من خلال شن غارات جوية، وبعد تراجع مسلحي تنظيم داعش، أصبح الأكراد الشريك الأكثر أهمية للتحالف على الأرض في سوريا.
وفي العام 2015 شكلت وحدات حماية الشعب الكردية، تحالفا مع بعض الفصائل العربية المحلية المسلحة سميت بـ «قوات سوريا الديمقراطية»،وبمساعدة قوات التحالف الدولي، طرد مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية، عناصر تنظيم داعش من ربع مساحة الأراضي السورية، واستولوا على الجيب الأخير (الباغوز) الذي كان تحت سيطرة التنظيم في مارس/ آذار 2019. كما أنشأوا «إدارة مستقلة» لحكم المنطقة.
