شرعت الجزائر في «ترميم» علاقاتها مع روسيا، في خطوة يتوقع أن تنتهي بعودة النبض إلى عروق محور موسكو، لدفع الضغوط الممارسة عليها من طرف عواصم غربية وجوار إقليمي يتميز بالاحتقان جراء مواقف الدبلوماسية الجزائرية من قضايا عربية لا تحظى بالإجماع داخل بيت الجامعة العربية.
شرخ في العلاقات العربية
ويرى المحلل السياسي الجزائري، جلال بوعاتي، أن رحلة رئيس الوزراء عبد المالك سلال، إلى موطن الدب الروسي، جاءت في سياق إقليمي أدخل القيادة الجزائرية في أزمة مع الدول العربية، مشيرا إلى أن الشرخ الذي تعاني منه علاقات الجزائر عربيا كبير جدا، ويتطلب ترميمها الكثير من التنازلات من الجانبين، وبخاصة من الجانب العربي الذي على ما يبدو لم يفهم بعد استحالة ” تفريط الجزائر في مبادئ استقلالها والأسس التي بنيت عليها سياستها الخارجية، وفي هذا السياق، تفيد المعلومات الآتية من قصر وزارة الخارجية، بحسب تعبير بوعاتي أن الجزائر لن تفرط إطلاقا في علاقاتها الثنائية مع أي بلد عربي، وستواصل العمل من أجل تحسينها وفقا لمبدأ الاحترام المتبادل والمنافع المشتركة، بعيدا عن التدخل في الشأن الداخلي للدول، ودون أي تنازل عن دعم القضية الفلسطينية والصحراء الغربية.
من الأسد إلى «حزب الله»
ويرى سياسيون جزائريون، أن لجوء الجزائر إلى موسكو جاء بعد فتح قنوات الاتصال مع سوريا، وتغييرها موازين القوى دبلوماسيا وميدانيا، مع تخبط عواصم الغرب إزاء بقاء الرئيس السوري في إطار الحل السلمي الذي صار أقرب للواقع ، بحسب الكثير من المراقبين، الذين ينظرون إلى الموقف الأمريكي المعبر عنه في موسكو، على لسان وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، عقب تفجيرات بروكسل الدامية، بأن هناك تحولا واضحا في الموقف والسياسة الأمريكية تجاه مصير الرئيس الأسد، وأن القرار بيد الشعب السوري وحده، بالتوافق مع الموقف الروسي، ومن هنا جاءت زيارة وزير الخارجية ،عبد القادر مساهل إلى دمشق ولقائه بشار الأسد المعزول في عرينه، قبل أن يعرج على لبنان الذي به قيادة منظمة “حزب الله” الموسومة من الجامعة العربية بالإرهاب.
ماذا تريد موسكو من الجزائر؟
وبقى التساؤل المطروح داخل الدوائر السياسية والإعلامية في الجزائر : لماذا يذهب الوزير الأول، رئيس الحكومة عبد المالك سلال، إلى موسكو على رأس وفد اقتصادي للتفاوض مع أحد أكبر منتجي النفط «خارج أوبك»، ولماذا اختار سلال مرافقيه، وهم رمطان لعمامرة عن الخارجية، وصالح خبري وزير الطاقة، وعبد السلام بوشوارب عن الصناعة والمناجم، بالإضافة إلى وزير التجارة بختي بلعايب ؟ والاجابة أو التوضيح، وفقا لمصادر جزائرية على اطلاع بخلفيات الزيارة، أن الروس مهتمون كثيرا بالاستثمار في مناجم الفوسفات التي تزخر بها الكثير من المناطق الجزائرية، كما أن الروس يريدون مقابل إعادة الجزائر إلى حظيرة حلفائها الذين أداروا ظهرها لها بعد بدء انهيار الاتحاد السوفياتي، مطلع التسعينات، تنمية صادراتها من مختلف السلع التي كانت تأتي أغلبيتها للجزائرمن الصين أولا ثم فرنسا، التي تشن حملة إعلامية وسياسية ضد الجزائر بسبب توجهاتها الجديدة، في ظل تراجع شعبية الشريك اليساري في الشارع الفرنسي، وعدم وضوح الرؤية مع القطب اليميني ممثلا بعمدة مدينة بوردو، آلان جوبي.
معسكر الشرق الجديد
والجانب الاقتصادي، قد يمثل بوابة الانفتاح وعودة العلاقات إلى زمنها الذهبي بين روسيا والحليف الجزائري، وخاصة في عهد الرئيس الجزائري بومدين، بحسب رؤية محللين سياسيين، إلا أن هناك مصالح وأهدافا مشتركة، حيث يريد الروس، كما يقول الخبير السياسي، جلال بوعاتي، دعما دبلوماسيا متواصلا من الجزائر في الملفين الليبي والسوري، بل والانخراط في معسكر الشرق الجديد الذي بدأ يتشكل مجددا مع عودة فلاديمير بوتين إلى الكرملين، وقد سبق لموسكو التعبير عن هذا المطلب أمام الرئيس بوتفليقة، في رابع زيارة لوزير خارجيتها سيرغي لافروف في نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي. ومن الملفات التي لا ترغب السلطات الجزائرية في عودتها من دون التزام روسي، مسألة المساعدة التقنية والتكنولوجية في استغلال الغاز الصخري الذي سيكون بمثابة المنقذ بعد اشتمام عزوف أمريكي وابتزاز فرنسي لا نظير له.
التقارب مع موسكو يزعج أمريكا وفرنسا
وعودة الجزائر إلى حضن الدب الروسي، بحسب تقدير بوعاتي ترجع إلى أن الجزائر التي فقدت حلفاءها داخل الجامعة، الذين تعرضوا لـ«الدك والتركيع»، واحدا بعد الآخر، تعول على تنويع الشركاء. وإن كان التقارب مع روسيا لا يعجب فرنسا أولا، قبل بعض البلدان العربية، ويزعج الولايات المتحدة مخافة حصول الجزائر على ما تريده من موسكو في مجال تكنولوجيات الطاقات المتجددة وتحقيق التفوق العسكري على المغرب، الذي بات منذ 2012 عضوا في مجلس التعاون الخليجي.
تعزيز الشراكة الاقتصادية
ويشير إلى أن نجاح الجزائر في نيل ثقة الروس يتطلب دفع ثمن باهظ، لا تقل قيمته عن كبح طمع اللوبي الفرنسي، الذي عمل خلال السنوات الأخيرة على طرد منافسيه من كل الصفقات الصناعية والتجارية في السلع الاستراتيجية الدواء والحبوب، وهو ما يتجلى من خلال تصريحات رئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال، التي التزم فيها أمام نظيره الروسي ديميتري مدفيديف، بـاستعداد الجزائر لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين الجزائر وموسكو، خاصة وأن الجزائر تعتزم تنويع الاقتصاد الوطني للتحرر نهائيا من المحروقات.
تأييد واسع لمحور الجزائر ـ موسكو
عودة العلاقات الجزائرية إلى سابق عهدها مع الحليف القوي والتاريخي، موسكو، يحظى بتأييد واسع داخل الدوائر السياسية والشعبية في الجزائر، ووصفت الأمينة العامة لحزب العمال, لويزة حنون، السياسة الخارجية الجزائرية بـ«الجريئة والمستقلة والسيدة». مشيدة بالزيارة التي أجراها مؤخرا الوزير الأول عبد المالك سلال إلى موسكو، وبزيارة وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية عبد القادر مساهل إلى سوريا.. وبين الزيارتين خطوط ارتباط واضحة.