رغم أن المال السياسي؛ ليس بدعة أردنية، بل حالة عربية وعالمية، بإغراء وتطويع الناخبين عبر المال والاسترضاء بالامتيازات، فإن عودة الظاهرة إلى واجهة الانتخابات البرلمانية الأردنية، أثارت قلقا واسعا داخل الأوساط الحزبية والسياسية، وأثارت أيضا هواجس أمنية لدى السلطات الأردنية ، وفي المقدمة الهيئة المستقلة للانتخابات، والتي حاولت معالجة هذه القضية عبر تعليمات تنفيذية خاصة بالاقتراع والفرز، وبخاصة للناخب الأمي، الذي يعد أحد مفاتيح شراء وبيع الأصوات، وتنبهت الحكومة أيضا إلى ذلك فشددت في القانون على عقوبة شراء الأصوات، بيد أن ذلك لم يحجم الظاهرة أو بقلل منها .
ومع بدء العد التنازلي للانتخابات البرلمانية ، بعد أسبوعين فقط ، ارتفعت هواجس دور المال السياسي، وخشية استفحال الظاهرة، مما دفع دائرة الإفتاء العام في المملكة الأردنية، بإصدار فتوى ، تحرم شراء الأصوات في الانتخابات، ونصت الفتوى على “يحرم على المرشح أن يدفع المال للناس مقابل انتخابه وحشد الأصوات لصالحه، سواء أكان نقداً، أم هدايا، ومن يفعل ذلك فكيف يؤتمن على مصالح وطنه ومقدراته .. ومما يذمّ به المجتمع أن تكون المجالس النيابية قائمة على شراء الضمائر، وماذا يُتوقع ممن يرى المال كل شيء فيبيع صوته، أو يشتري صوت غيره؟ وماذا يُتوقع منه إذا صار صاحب قرار؟”.
كانت الهيئة المستقلة الانتخابات، أحالت مؤخرا عددا من قضايا المال السياسي إلى القضاء، بينما تشهد بعض الدوائر الانتخابية ” دوران المال السياسي” داخل المقار الانتخابية، بل وصل الأمر إلى حد المجاهرة بالمال السياسي، مما يفرض ، بحسب تقارير سياسية وإعلامية، التصدي له ووقفه قبل استفحاله.
ووفق تقرير صحيفة الغد الأردنية، يتخذ هذا المال أشكالا متعددة؛ من بينها : الرشوة التي يقدمها مرشحون للناخبين، لقاء ضمان أصواتهم؛ سواء كان الصوت لصالح مرشح معين أو توظيفه ضد مرشح آخر، إما بحجب الصوت أو منحه مرشحا آخر لتشتيت الأصوات، والحيلولة دون نجاح أحد المرشحين.. وهناك وجه آخر للمال السياسي من خلال وعود بتحصيل بعثات دراسية في الجامعات، أو دفع رسوم المدارس، فيحصل المرشح وأعوانه على تعهدات من مواطنين بالتصويت له مع التلويح بوقف تلك البعثات إن لم يصدق الناخب بتعهده.
هناك أشخاص، يتم توظيفهم من قبل مرشحين، للترويج لهم واستغلال الظروف المعيشية الصعبة لمواطنين لشراء أصواتهم.. ويؤكد الشارع السياسي الأردني، أن استعمال المال السياسي في الانتخابات الحالية أو الماضية، هو بمثابة شراء للذمم، واستملاك للكرامة، وعبث بحقوق الناس الحالمين بمجلس نواب قوي، قائم على الشفافية والنزاهة،
و أن ظاهرة شراء الأصوات، أفقدت مجلس النواب السابق هيبته وجعلته عرضة للنقد، والغمز واللمز بشكل واضح، ولربما ساهم ذلك في تدني مستوى أداء المجلس، ما أفضى في النهاية للإسراع في حله، وأن العملية الانتخابية الحالية ، إن لم تكن خالية من قضايا الرشوة وتدوير المال الخاص بالمرشحين على المواطنين، فإنها ستكون فاشلة، لأنها ستفضي لانتخاب نواب لا يفكرون إلا بالمال والمصلحة الشخصية على حساب الناس، وهو ما تخشاه السلطات الأردنية قبل القوى السياسية والحزبية في البلاد.