يبدو أن الأوضاع في قطاع غزة، بدأت تأخذ منعطفا جديداً في أعقاب قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي بتشديد الحصار الخانق على القطاع، من خلال إغلاق معبر كرم أبو سالم، وهو الوحيد الذي يزود غزة بالاحتياجات الأساسية من غذاء ودواء ومواد أخرى تبقي اقتصاد غزة على قيد الحياة، بعد سنوات طويلة من تشديد الحصار المتواصل منذ 12 سنة، حوّلت فيها إسرائيل حياة سكان غزة لجحيم لا يطاق.
ومنعت سلطات الاحتلال أمس إدخال الوقود وغاز الطهي إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم حتى إشعار آخر، وبحسب الإذاعة الإسرائيلية العامة، فإن وزير الجيش الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان أوعز إلى جنوده بمنع إدخال الوقود وغاز الطهي للقطاع والسماح بنقل الأدوية فقط عبر معبر كرم أبو سالم.
وأضافت الإذاعة، أن هذا القرار يأتي في إطار تشديد الإجراءات التي تتخذها إسرائيل ضد حركة حماس في غزة على خلفية استمرار إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة باتجاه إسرائيل.
وقال المهندس رائد فتوح رئيس لجنة تنسيق البضائع إلى غزة، إن الجانب الإسرائيلي أبلغهم بإغلاق معبر كرم أبو سالم حتى إشعار آخر. ويعد معبر كرم أبو سالم هو المدخل التجاري الوحيد، الذي يزود سكان القطاع بالأغذية والمساعدات ومواد البناء والخام والمحروقات، وكانت سلطات الاحتلال أغلقت معابر ناحل عوز وكارني وصوفا مع القطاع بشكل كامل خلال السنوات الماضية.
ورأت الفصائل الفلسطينية في القرار الإسرائيلي “إعلان حرب” وسيكون له تداعيات خطيرة، وقالت حركة حماس على لسان الناطق باسمها فوزي برهوم، إن قرار الاحتلال الإسرائيلي إغلاق معبر كرم أبو سالم جريمة ضد الإنسانية تضاف إلى جرائمه بحق الشعب الفلسطيني وسكان القطاع.
وأضاف برهوم “أن هذه الإجراءات الانتقامية تعكس حجم الظلم وبشاعة الجريمة التي تتعرض لها غزة، والتي سيكون لها تداعيات خطيرة يتحمل مسؤوليتها الاحتلال الإسرائيلي، ولن تفلح أبدا في التأثير في المواقف الوطنية لاستمرار النضال والمقاومة لانتزاع حقوقنا وإنهاء الحصار”.
واعتبر القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أحمد المدلل، أن الحصار وتضييق الخناق على قطاع غزة يهدف على فرض مقايضات لتضييع القضية الفلسطينية وتحويلها من قضية وطنية إلى ظروف معيشية وهو ما يرفضه الشعب الفلسطيني.
وشدد المدلل في حديث “للغد” على أن المطلوب الآن هو الوحدة ورص الصفوف ونبذ الانقسام والفرقة لمواجهة خطوات الاحتلال العقابية هذه، ودعا الأشقاء المصريين على استكمال جهود المصالحة وطي صفحة الانقسام لمواجهة التحديدات التي تعصف بالقضية الفلسطينية.
ويرى مراقبون فلسطينيون أن تشديد الحصار على قطاع غزة، من شانه أن يعيد القطاع إلى مربع الحصار الأول عام 2007 “لكن بشكل أخطر” .
واعتبر الكاتب إبراهيم حبيب، أن إغلاق المعابر كافة يأتي في إطار الضغط على غزة وإنهاك الجبهة الداخلية؛ لإنهاء الاحتجاجات بكل أشكالها ووقف الطائرات الورقية التي يطلقها الفتيان.
وأكد حبيب على خطورة الأوضاع المرتقبة في الأيام المقبلة، ووصفها بـ”الكارثية”، “نتيجة الحصار على قطاع غزة”. ويرى أنه “لا أحد في غزة يسعى إلى الحرب، لكن يبدو أن إسرائيل تفرضها وتريد تركيع غزة بشكل كامل، لذلك المقاومة سيكون لها كلمة أخرى” .
وحذر المحلل الاقتصادي ماهر الطباع، من زيادة حجم التدهور الحاصل في الاقتصاد الفلسطيني المنهك في غزة، وتداعياتة الخطيرة على مجمل الأوضاع الإنسانية والمعيشية لسكان القطاع، مؤكدأ أن الخطورة تكمن في عدم وجود بدائل إلى الآن لإنعاش المواطن الفلسطيني الذي يعيش تحت وطأة الحصار.
وقال الطباع، إن نسبة البطالة في غزة بلغت 49% وهناك ربع مليون عاطل وهو المعدل الأعلى عالميا، فيما وصلت نسبة الفقر إلى 53%، ويرى الطباع أن إجراءات الاحتلال ستقضي على ما تبقى من اقتصاد غزة، وستمس كل القطاعات سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر.
وقررت حكومة الاحتلال أمس الإثنين إغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري حتى إشعار آخر، كما أنها قررت تقليص مساحة الصيد في بحر غزة إلى 3 أميال، سبق ذلك توصيات تبناها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الإثنين الماضي، وتقضي بإغلاق معابر القطاع المحاصر منذ 12 عاما بدعوى الحرائق التي تشتعل في البلدات الإسرائيلية بـ”غلاف غزة” الناجمة عن الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، التي تطلق من القطاع.
ويبدو أن حكومة الاحتلال الواقعة تحت ضغط المستوطنين في مستوطنات غلاف غزة بضرورة إنهاء ظاهرة الطائرات الحارقة وما خلفته من تداعيات خطيرة، وتسعى بكل السبل للتغطية على فشلها في وضع حد لهذه الظاهرة وذلك من خلال التلويح العسكري تارة واستهداف مطلقي هذه الطائرات هذا من جهة ومن جهة أخرى تعمد إلى استغلال ورقة الحصار وتضييق الخناق أكثر على غزة لإجبار الفلسطينيين على وقف هذه الطائرات على اعتبار أن ضررها عليهم بات أكثر من نفعها.