العراقيون على موعد بعد أسبوع واحد (12 مايو / آيار الجاري) مع الانتخابات التشريعية، التي تبدو استثنائية، قياسا بالانتخابات السابقة، التي جرت بعد الاحتلال الأمريكى لبلاد الرافدين، قبل نحو خمسة عشر عاما ..ولعل أهم ملامح الطابع الاستثنائى لهذه الانتخابات، هي رغبة العراقيين في البحث عن «وجوه جديدة»، أو الأشواق الى روح جديدة فى العراق، أو«المجرب لا يجرب»، بحسب ما أثير مؤخرا من جدلا واسعا في العراق حول تلك المقولة التي نسبت لمرجع شيعي بالنجف، موجهة للناخبين.
فتنة «المجرب لا يجرب»
«المجرب لا يجرب»، مجرد «تعبير .. فتنة» بحسب رؤية عدد من السياسيين الشيعة، لأن المراجع الشيعية تبرأت من هذا التعبير، فضلا عن أن المرجع الشيعي البارز صاحب النفوذ، «آية الله علي السيستاني»، يحرص في إطار فلسفة النجف التي ترفض نظرية ولاية الفقيه الإيرانية، على النأي بالنجف عن التجاذبات السياسية، وعدم الدخول كطرف في الصراع أو إبداء موقف سياسي محدد.. ويقول مراقبون،إن المرجع الشيعي الأعلى «السيستاني» يريد القضاء على الفاسدين وقال إن «المجرب لا يجرب».. ويرى آخرون، أن إعلان السيستاني، الوقوف على الحياد، أخمد فتنة كان يُنتظر حصولها في حال أعلن مجدداً تفضيل طرف على آخر، أو حض الناخبين على عدم انتخاب أي من الوجوه القديمة.
جدل حول تفسير «المجرب لا يجرب»
القوى والشخصيات السياسية التي تصدرت المشهد السياسي في العراق، وتولت مقاليد الحكم طوال الفترة الماضية، عللت قول المرجعية «المزعوم» بأنه يعني عدم انتخاب الشخصيات التي «جُربت» وأثبتت فشلها، غير أن القوى السياسية المعارضة «استغلت» المقولة للترويج بعدم اختيار أي شخص شارك في الحكومات السابقة.. وبينما قال زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إن «مقولة (المجرب لا يجرب) يجب أن تطبق، كلام المرجعية يجب أن يعلو فوق صوت الفساد»، مشيراً إلى أن «شعب العراق مازال محبا لصوت المرجعية».
- والملمح الثاني من الطابع الاستثنائي للانتخابات التشريعية العراقية: هو تحالف «العمائم السوداء» الشيعية، مع «منجل ومطرقة» الشيوعيين، في الانتخابات البرلمانية، ولأول مرة في تاريخ العراق، حيث يضم تحالف «سائرون» ستة أحزاب في غالبيها علمانية، وهي الحزب الشيوعي «استقامة»، وحزب من التكنوقراط مدعوم من زعيم التيار الصدري «مقتدى الصدر»..ويضم ائتلاف «سائرون» 623 مرشحا من مختلف المحافظات العراقية، ما عدا محافظات كردستان العراق الثلاث، وكركوك المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.
ويتوقع القيادي اليساري، جاسم الحلفي، الذي ينظم تظاهرات الشيوعيين ضد الفساد منذ شهر يوليو/ تموز 2015، إنه «ستكون هناك مفاجأة.. قد تحل قائمتنا في المركز الأول، فقد فازت الأحزاب الدينية الشيعية بما مجموعه 104 مقاعد العام 2014،واليوم هم منقسمون إلى أربعة، لا يمكن لأحد أن يتفوق علينا إذا حصلنا على 40 مقعدا، وهو أمر ممكن جدا، لأن الصدريين حصلوا وحدهم في العام 2014 على 34 مقعدا».
- والملمح الثالث: بروز خارطة جديدة من التحالفات (27 تحالفا) في الانتخابات التشريعية، تبنت غالبيتها جملة من التوجهات والنزعات الجديدة التى تتمحور حول التحول نحو المدنية الليبرالية، وإعداد برامج للمرحلة المقبلة تقوم على مفاهيم المواطنة وسيادة الوطنية، سعيا لديمقراطية حقيقة، وإقرار مبدأ التعددية السياسية بما يتوافق مع المصلحة الوطنية للدولة العراقية بعيدًا عن الطائفية والمذهبية التى طغت على الحياة السياسية منذ الاحتلال الأمريكى فى ٢٠٠٣ وحتى الآن ..ويبلغ عدد القوى السياسية المشاركة فى العملية الإنتخابية ٢٥٠ حزبا وكيانا.
- الملمح الرابع: يتمثل في الوجود المتزايد للقوى الصغرى، والتي تعد واحدا من ملامح الانتخابات العراقية، فهى قد فصلت نفسها عن التحالفات الكبرى، واختارت أن تخوض السباق الانتخابى بمفردها.
- الملمح الخامس: انقسامات المكونات السياسية والمذهبية والعرقية .. فعلى صعيد القوى الشيعية، فإنها تمر بالمرحلة الانقسامية الأسوأ منذ عام ٢٠٠٣ ، والتى بدأت بفصل عمار الحكيم عن «المجلس الإسلامى الأعلى فى العراق» وبتأسيس «حركة الحكمة»، وبالإضافة نهاية «الزواج الكاثوليكي» بين «منظمة بدر» و«ائتلاف دولة القانون» بقيادة نورى المالكى، ويرأس هادى العامري، وهو زعيم «منظمة بدر»، «ائتلاف الفتح» الذى يتكون من أجنحة سياسية للجماعات التى شكلت «قوات الحشد الشعبي» مثل «عصائب أهل الحق»، وأيضا من القوى السياسية التقليدية مثل «المجلس الأعلى الإسلامى فى العراق». كما أثر الانقسام السياسى على «حزب الدعوة الإسلامية» يتوزع أعضاؤه على لائحتين انتخابيتين إحداهما «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نورى المالكى نائب رئيس الجمهورية، والأخرى «تحالف النصر» برئاسة رئيس الوزراء حيدر العبادى..وفى السياق الشيعى، شكّل «التيار الصدري» بقيادة مقتدى الصدر تحالف «سائرون من أجل الإصلاح» الذى يضم الى جانب تياره الحزب الشيوعى العراقى.
والقوى السياسية السنية؛ منقسمة بين قائمتين رئيسيتين، ولكن بتحالفات مختلفة فقد دخل إياد علاوى وسالم الجبورى وصالح المطلك فى «اللائحة العراقية» إلى جانب بعض قادة «قوات الحشد الشعبي»، وشكل أسامة النجيفى وشقيقه أثيل النجيفى «تحالف القرار» إلى جانب قوى أخرى .
أما القوى الكردية؛ فإنها تعانى من الانقسام خاصة بعد الاستفتاء الفاشل على الانفصال فى سبتمبر/ أيلول الماضى، ولم تعد موحدة تحت مظلة ائتلاف «التحالف الكردستانى»، ويبرز التحالف الذى تم تشكيله حديثا بين «تحالف الديموقراطية والعدالة»، و«حركة كوران»، و«الجماعة الإسلامية فى كردستان»، كمرشح قوى للغاية ,وقد أعلن «الاتحاد الوطنى الكردستاني» و«الحزب الديمقراطى الكردستاني»، وهما الجناحان الرئيسيان لـ «التحالف الكردستاني»، فى وقت سابق أنهما سيشاركان فى الانتخابات فى لائحتين انتخابيتين منفصلتين. الأمر الذى يترك الجانب الكردى من الانتخابات أكثر انقساما الآن من أى وقت مضى .
وترى الدوائر السياسية في بغداد، أن الانقسام السياسى، سوف يشكل عائقا أمام تشكيل حكومة ائتلافية، ولن يسمح تخصيص مقاعد البرلمان المقبل لواحد أو اثنين من الائتلافات بتشكيل الغالبية.