يبدو أن فرنسا قررت « ترك لبنان لمصيره»، أو «سحبت يدها» من دعم المبادرة التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون في بيروت بشأن إنقاذ لبنان من النفق المظلم.
وللمرة الأولى، تتسرب معلومات بهذه الجدية من الدائرة الفرنسية الضيقة، مؤكدة أن باريس أبلغت جهات أساسية في لبنان بشكل غير رسمي «سحب يدها من مبادرتها» الإنقاذية بعد إمعان كل القوى دون استثناء في نسف أصل المبادرة وتقديم المصالح الفئوية الضيقة والخلافات الشخصية على المصلحة الوطنية، حتى أصبحت الحكومة اللبنانية في «الحجر السياسي».
ولخصت مصادر دبلوماسية، بحسب معلومات الباحثة اللبنانية منال زعيتر، موقف الإدارة الفرنسية من إفشال رئيس الجمهورية، ميشال عون، وصهره زعيم التيار الوطني الحر، جبران باسيل، ورئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، مبادرتها الإنقاذية تجاه لبنان.
وقالت زعيتر، وما يدعو للقلق هنا، ليس موقف الإدارة الفرنسية، ولكن توقيته غداة تسلم الرئيس الأمريكي جو بايدن الحكم غدا، ما يعني نسف كل المعطيات التي تحدثت عن تشكيل الحكومة بعد خروج الرئيس الحالي دونالد ترامب من البيت الأبيض.
مصادر داخلية عليمة، أكدت أن الفرنسيين يراقبون الوضع عن كثب، وفي حال تقدم مساعي الحل التي يقودها البطريرك الماروني بطرس الراعي ومدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم والثنائي الشيعي، يصبح بإمكانهم الدخول مجددا على خط تفعيل مبادرتهم وتقديم الالتزامات الاقتصادية والسياسية التي وعد بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال لقائه القوى اللبنانية في قصر الصنوبر (مقر السفارة الفرنسية) في سبتمبر/ أيلول 2020.
خيبة أمل ماكرون
بات واضحا، كما تقول زعيتر، أن الرئيس ماكرون يشعر بخيبة أمل كبيرة بعد تنصّل عون وباسيل والحريري من وعودهم بتسهيل تشكيل الحكومة فور تكليف الأخير.
وبينما كشفت المصادر، أن ماكرون طلب بشكل مباشر خلال الأيام الماضية من احد اركان الثنائي الشيعي التدخل لتقريب وجهات النظر بين بعبدا (قصر الرئاسة)، وبيت الوسط (مقر سرايا الحكومة) وحسب المعلومات المتوافرة فإن هذه الشخصية بدأت بالفعل بالتواصل مع عون والحريري بعيدا عن الأضواء، ولكن المفارقة أنها أبلغت ماكرون، ان هذه المساعي قد لا تنجح وهناك تعنت واضح من الطرفين بعدم التقدم خطوة إلى الأمام لتسهيل التأليف.
حالة «مستعصية» من الانسداد السياسي
وهكذا تواجه مشاورات تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة حالة «مستعصية» من الانسداد السياسي، وكل المساعي السابقة لتسهيل عملية تشكيل الحكومة أو إيجاد نقاط مشتركة بين رئيس الجمهورية ميشال عون، والرئيس المكلف سعد الحريري، باءت بالفشل.
ومع حالة الاستعصاء السياسي بات الوضع أمام احتمالين لا ثالث لهما، بحسب تقديرات المحلل السياسي اللبناني، إبراهيم بيرم: اما المزيد من النزف والاهتراء مع ما يمكن ان ينتج عنهما من فلتان انعدام وزن على كل الصعد، وإما المضي نحو فوضى وانحلال للدولة مصحوبا بعجز المكونات السياسية قاطبة عن انتاج تسويات ولو موقتة وانضاج حلول ولو ترقيعية فيكون المصير مأسويا على غرار ما حذر منه الفرنسيون قبل نحو 7 أشهر.
تشكيل الحكومة صعب المنال في الأيام المقبلة
وتشير الدوائر السياسية والإعلامية في بيروت، إلى أن تشكيل الحكومة الجديدة، يبدو صعب المنال في الأيام وربما الأسابيع المقبلة، اذ أن حسابات المعنيين بالتشكيل الوزاري، بحسب رؤية المحلل السياسي حنا أيوب، لا تتلاقى مع حسابات عامة الشعب الذي أرهقته سوء الحالة الاقتصادية والمعيشية، فحسابات المعنيين تتوزع بين المصالح الشخصية والحسابات الانتخابية الرئاسية والنيابية والتوزيع الطائفي وتحصيل أكبر عدد من المقاعد تحت عنوان الدفاع عن هذه الطائفة أو ذاك المذهب.
كما أن تراجع الاهتمام الدولي والاقليمي مع انكفاء الفرنسيين مرحلياً وانشغال اللاعبين الإقليميين والدوليين، إضافة إلى جائحة «كورونا»، جعل الملف اللبناني في أسفل لائحة اهتماماتهم.
وفي ظل غياب الحاضنة الاقليمية والدولية لتشكيل الحكومة في لبنان، لا قدرة على الجهات اللبنانية المتصارعة فيما بينها على حلحلة العقد الحكومية خاصةً مع انعدام الثقة بين رئيس الجمهورية من جهة والرئيس المكلف من جهة ثانية.
توقعات «حلحلة» أزمة تشكيل الحكومة
ويتردد في بيروت، أن خطوط الاتصالات لبدء مشاورات حول تشكيل الحكومة الجديدة، ستنشط على مستويات ثلاثة: رئاسة مجلس النواب، بعدما لمس الرئيس نبيه برّي إمكانية الدخول على خط حلحلة النقاط المستعصية، ونائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي، الذي يتولى الوساطة مع التيار الوطني الحر، ومع «قصر بعبدا» الرئاسي أيضاً، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي يتولى التواصل مع الرئيس الحريري وبعبدا، في محاولة لخروج الحكومة من الحجر السيسي
وتوقعت مصادر سياسية، بحسب صحيفة اللواء اللبنانية، أن تعيد دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي لرئيس الجمهورية ميشال عون للمبادرة والاتصال بالرئيس المكلف سعد الحريري لإنهاء القطيعة بينهما، الحرارة ولو ببطء لعملية تشكيل الحكومة الجديدة باعتبار ان توجيه هذه الدعوة من «سيد بكركي» لرئيس الجمهورية تحديدا تحمل في طياتها أكثر من معنى ويجب أخذها بعين الاعتبار.
