في الوقت الذي شيعت فيه الجماهير الفلسطينية، جثمان الفلسطيني تامر السلطان، الذي وافته المنية في مستشفى عرفان في مدينة “بيهاتش” بالبوسنة والهرسك، بعد خروجه من تركيا بسبب عدم تحسن الوضع الاقتصادي، لا يزال ملف الهجرة أو ما يطلق عليه “ملف الموت”، يحمل ذكريات مؤلمة لأصحابها ومن عايشها من سكان قطاع غزة.
ومن ذكريات الموت المؤلمة في تركيا، ما حصل مع عائلة أبو جزر من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، التي حاولت الهجرة إلى أنقرة للبحث عن حياة أفضل بسبب الظروف السياسية والمعيشية التي تضرب وتحاصر القطاع منذ 13عامًا، والذي أصبح العيش به والموت وجهين لواقع واحد.
ذكريات مؤلمة
الفلسطيني رباح أبو جزر 34 عامًا الذي فقد بهجة الحياة في غزة، لم يكن يدرك أن سندان الموت في تركيا سيكون له بالمرصاد في فلذة كبده، ولكن قبل ذلك ماذا فعل رباح لكى يستطيع الهجرة التي أراد بها الهرب من مطرقة الفقر في غزة، قائلا في حديث لموقع قناة الغد: “بعت ذهب زوجتي وكل ما نملك لكي أستطيع الهجرة، لكن الواقع كان مؤلما جدًا. في غزة الحياة صعبة ولا يوجد عمل، فمن مطرقة فقر غزة إلى سندان الموت في تركيا”.
ويسترجع الوالد رباح ذكريات ما حدث قائلا: “عندما صعدنا على ظهر المركب الذي غرق في البحر، كنا قبالة شواطئ بودروم التركية، وكان قارب خشب صغير متهالك يحمل مهاجرين من عدة دول بينهم نساء وأطفال وشباب”.
وتابع: كانت زوجتي أسماء وهي حامل في الشهر التاسع ترافقني وابني سمير 6 أعوام وكذلك بناتي الأربعة وهن ( ليان 13 عاما، ملاك 11 عامًا، سما 8 أعوام، جودي 3 أعوام)، وكانت عائلة ابن عمي عائد 34 عامًا وزوجته وطفله إيهاب (5 سنوات)، وطفلته روعة (عامان) معنا أيضًا على ظهر القارب.
الموت في تركيا
ويوضح رباح أنه في 22 أكتوبر من العام 2018، كان “يوم الموت”، في الخامسة والنصف فجرًا، صعدنا على ظهر المركب المتهالك بعد أن دفعنا 16ألف دولار، ولم نكن مجهزين بشيء، كنا تحت رحمة المهربين ولم يكن أمامنا أي خيار إلا الموت أو العبور فكان الموت هو المنتصر”.
وتابع: فقدت طفلي “إيهاب وملاك”، اللذين ابتلعتهما مياه البحر غرقًا، وحينما جاء خفر السواحل لإنقاذنا تم احتجازنا في السجون التركية، وكنا في وضع نفسي صعب جدا، موت الأطفال والاحتجاز، وبعد رحلة عذاب شاقة عدنا إلى قطاع غزة قبل 4 أشهر.
وتناشد عائلة أبو جزر الرئيس محمود عباس، اعتماد “ملاك وإيهاب” على ملف الشهداء أسوة بغيرهم ممن فقدوا حياتهم بحثا عن لقمة العيش، وذلك بعد أن تلقوا وعودا مسبقة من سفارة فلسطين بأنقرة بأنه سيتم اعتمادهما على بند الشهداء، ولكن لا أحد في غزة يحرك ساكنا لتبقى الوعود هي سيدة الموقف.
ولا تزال هذه الذكريات تلاحق الفلسطيني رباح كلما سمع عن خبر وفاة أحد الفلسطينيين بسبب الهجرة، فغزة التي كانت في السابق تتسع للجميع لم تعد رحيمة بأبنائها، فهي إما تودع شهيد رصاص الاحتلال الإسرائيلي، أو مهاجرا تُوفي في البحر غرقًا.