«نجح الفلسطينيون في إعادة قضيتهم إلى صدارة الاهتمام العالمي» ـ بحسب تقرير المركز العالمي للدراسات الاستراتيجية بموسكو ـ رغم التطورات المتلاحقة في المنطقة تحت النفوذ الأمريكي، ورغم حالة الترهل العربي، ورغم تراجع القضية الفلسطينية منذ سنوات على الصعيد الدولي، ورغم حالة الانشقاق بين «القيادات الفلسطينية» دون مراعاة مصالح الشعب، ورغم الاستفزازات الأمريكية والبطش الإسرائيلي.. وأكد التقرير الاستراتيجي، أن الشعب الفلسطيني انتفض لأول مرة بقفزات واسعة وعيونه على كل أراضي الوطن، رافعا شعارا واحدا «العودة» مما فجر هواجس الخوف والرعب داخل مختلف الدوائر الإسرائيلية.
وأوضح التقرير الإستراتيجي، أن فكرة «التخييم» على الشريط الفاصل بين أراضي 48 وأراضي 67 ، ومسيرات العودة الحاشدة، ضمن أسلوب نضالي جديد منذ الجمعة الماضية، رسمت أمام العالم، ولأول مرة، صورة فلسطينية جديدة، عبر التطور النوعي المفاجىء وغير المتوقع إسرائيليا، في المقاومة والنضال الفلسطيني، ورغم وسائل وأدوات التصعيد الإسرائيلي، والتهديد بعدوان أعنف.
وأضاف التقرير، بينما تمتزج أصوات الطائرات الاستطلاعية بأصوات أعيرة نارية يطلقها جنود الاحتلال المتمركزون على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، في مسعى لصد مئات الألاف من المشاركين في مسيرة «العودة الكبرى»، يواصل الفلسطينيون التحدي بالمسيرات الشعبية والحشد على خمس نقاط لـ «التخييم» وضعت على حدود قطاع غزة، تمهيدا لـ «يوم الزحف العظيم » المقرر في 15 أيار/ مايو المقبل الذي يصادف ذكرى «النكبة».
ويؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء محمود عبد اللطيف، في تصريحات للغد، أن إسرائيل، وهي دولة الاحتلال، تواجه أخطر تحدي من الشعب الفلسطيني، منذ نكبة 1948 لأن أصعب ما يواجهه «المحتل» على مدى سنوات التاريخ، أن تستيقظ الروح الوطنية المطالبة بكل الحقوق دون تنازلات، ودون الالتفات إلى «لعبة ومناورات وتنازلات السياسة».. وقال اللواء عبد اللطيف للغد: إذا كان الشعب الفلسطيني لم يتنازل يوما عن حق المقاومة المشروع، والنضال فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة، خارج حدود فلسطين التاريخية 1948، فإن المقاومة والنضال الآن انتقل إلى مرحلة جديدة، بصحوة إقرار «حق العودة».
وأضاف للغد، إن القوة العسكرية الغاشمة من المحتل، وفقا لقواعد الاستراتيحية العسكرية، مقيدة باعتبارات «محدودية المكان» وأيضا الزمن ضدها، بينما مجال الحركة مفتوح أمام الشعب فوق أرضه المحتلة، إلا في حالة واحدة فقط وهي قيام المحتل بـ «مذبحة» لا يستطيع تقدير تكاليفها عليه..وفي حالة المقاومة الفلسطينية الشعبية السلمية، التي اتخذت شكلا جديدا غير مسبوق، فمن الصعب أن تنفذ دولة الاحتلال تهديدات بالمذابح، ورغم الانحياز الأمريكي الأعمى لصالحها، لأن هناك تقديرات حسابات تتصل بالشعوب العربية، وبشعوب الدول الإسلامية، وقبل كل ذلك فإن رجال المقاومة الشعبية الفلسطينية، على وعي وإدراك كاملين بسيناريوهات دولة الاحتلال، وقد أكدوا أن الاحتلال لن يجر الفلسطينيين الى «مربع الموت»، وأن الشعب الفلسطيني متمسك بالحق في الحياه والحق في العودة وتنفيذه بشكل سلمي وقانوني.
لن ينتظر الفلسطينيون جرّ قادة الاحتلال إلى «محاكم جرائم الحرب»، بحسب تأكيد أستاذ علم الاجتماع السياسي، د. رؤوف العبد، للغد، ولكنهم يواصلون مسيرات العودة بإصرار وعزيمة، رغم سقوط نحو 17 شهيدا وأكثر من 1400 جريحا، والعدوان الإسرائيلي متواصل يوميا، دون أن ينال من عزيمة شعب قرر«العودة» وأن عليه أن يضحي في سبيل الهدف الأعظم.. ورغم التهديدات العنيفة المستمرة من جانب قوات الاحتلال، إلا أن مخاوف إسرائيل هي التي يجب أن نضعها في الاعتبار، لأن «حق العودة» أشبه برصاصة في قلب المحتل، فصلا عن ردود الفعل التي بدأت تحت مشاعر القلق داخل إسرائيل.
واضاف للغد، سوف ينظم الفلسطينيون، سلسلة من الفعاليات خلال الأيام والأسابيع المقبلة وصولا الى «مسيرة الزحف العظيم».. واللافت للنظر ملاحظيتن، لهما دلالات ومعان كبيرة: أولا من الملاحظ أن فعاليات مسيرات العودةن لم تقتصر فقط على المواجهات مع جنود الاحتلال، ولكن نظمت فعالية ترفيهية جرى خلالها تقديم فقرات فنية، شملت الرسم على الخيام الموجودة هناك، وكتابة أسماء القرى المهّجرة.
والملاجظة الثانية، بينما يواصل الفلسطينيون مسيرة العودة الكبرى التى بدأت الجمعة الماضية وتستمر ستة أسابيع.. فقد تظاهر المئات من الإسرائيليين اليساريين، مساء أمس الأحد، في مدينة تل أبيب، رفضا للتصعيد العسكري الإسرائيلي، ووفقا للإذاعة الإسرائيلية الرسمية، فإن المتظاهرين رفعوا شعارات تطالب الجيش بوقف التصعيد الذي ينتهجه ضد المدنيين الفلسطينيين على حدود غزة منذ أيام، وإيجاد حل سياسي والبدء بعملية السلام فورا.. ومن هذه الصورة سوف تتداعى ردود فعل واسعة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهو ما تجاول دولة الاحتلال إجهاضه، ولن تستطيع بالطبع، لأنها لن تقمع ردود فعل أخرى داخلها، مع هواجس القلق من تحركات الفلسطينيين داخل أراضي 48 والذين لم ينسوا قضيتهم رغم انهم يحملون الجنسية الإسرائيلية، لأن الإنتماء للجذور والوطن الأم هو الغالب.