فورين بوليسي تهاجم ترامب: «يريد تدمير النظام العالمي»

حينما تم انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، كان المراقبون الأجانب يأملون في أن يخفف من مواقفه الراديكالية التي ميزت حملته الانتخابية، إذ أن الممارسة الفعلية للحكم من المفترض أن تجعله يتبنى مواقف أكثر رصانة، وتأخذ مصالح البلاد المتشابكة والمعقدة مع العالم والتي صيغت منذ عقود طويلة بعين الاعتبار.

لقد خاب أملهم في ذلك، وحتى أملهم في احتواء الضرر حتى يعود الناخبون الأمريكيون إلى رشدهم في الانتخابات المقبلة. لقد أحبطهم ترامب. وبالرغم من كونه فوضوياً بالمطلق، إلا أن ترامب منهجي بشكل دقيق في جهوده الساعية لتدمير هيكلية منظومة العالم الحر وقد تجلى ذلك وبوضوح في الأسابيع الأخيرة، إن كان من خلال تنصله من بيان مجموعة الـ7، وحربه التجارية الشرسة ضد حلفاء الولايات المتحدة، وتقويضه الناتو، وانتقاداته اللاذعة للاتحاد الأوروبي، وخنوعة في قمته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي، وخلال 18 شهراً من ولايته، نجح في تمزيق وشائج التضامن الغربي، التي نسجها أسلافه بجهود أسطورية على مدى سبعة عقود.

لقد بدأ حلفاء الولايات المتحدة المذهولون بالتأقلم مع المتغيرات الجديدة، عن طريق اتخاذ خطوات لم يكن من الممكن تصورها في السابق، فلديهم إدراك عميق بأن أمريكا القديمة قد لا تعود أبداً كما كانت عليه، وبغض النظر عن من يلي ترامب في السلطة، فإنهم يسعون إلى صياغة إستراتيجية جديدة تسعى للاعتماد على الذات، ويسعون بالتالي إلى فك الارتباط عن الولايات المتحدة التي لم يعد من الممكن التنبؤ بسياستها ومواقفها. وهم يفكرون في كيفية صياغة تعاون دولي جديد في عالم ترك دون دفة في أعقاب تخلي الولايات المتحدة عن دورها القيادي العالمي. بشكل جماعي، وبعد أن هز ترامب إيمانهم الراسخ في القيم السياسية ومتانة المصالح التجارية المتبادلة وقوة المؤسسات المشتركة للحلف الذي نشأ إثر دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية في 7 ديسمير/كانون الأول من عام 1941، بدأوا بالتوجه الى الصين لحماية العولمة، وتوسيع نطاق استقلالهم الاستراتيجي للابتعاد عن واشنطن، والاستعداد للدفاع عما تبقى من العالم الحر وحمايته من القوة التي ساهمت وبشكل قيادي في بنائه وتعزيزه.

هيمنة الشخصية التجارية لترامب على دوره المناط به كرئيس للقوة الأعظم للعالم، سمحت للصين التجارية (التي تسرق بشكل فاضح الملكية الفكرية وتقيد الاستثمار الأجنبي وتحمي قطاعات محلية واسعة من المنافسة الأجنبية) كما يقول ستيوارت، بتصوير نفسها على أنها معقل للتجارة العالمية، وقبل وقت قصير من تنصيب ترامب، كان الرئيس الصيني (شي جين بينغ) في دافوس بسويسرا، حيث قام بتوجيه وزير خارجية الولايات المتحدة السابق كورديل هال وتصوير نفسه بالتالي على أنه منقذ للعولمة.

وفي 16 يوليو/تموز، عقد الاتحاد الأوروبي والصين قمتهما الأولى في عهد ترامب. وأعلنوا التزامهم بنظام تجاري متعدد الأطراف قائم على قواعد من الشفافية والعدل والإنفتاح وتم الإتفاق على أن تكون منظمة التجارة العالمية عموده الفقري. وعلى النقيض من ذلك، تعهدت إدارة ترامب بتجاهل النتائج التي توصلت إليها توصيات منظمة التجارة العالمية لتسوية النزاعات، وهو يفكر في الاستغناء عن المنظمة بالكامل، على أساس أنها تقيد سيادة الولايات المتحدة وخياراتها. وسيكون هذا خطأ فادحاً بالنسبة للأمة التي سعت لتأسيس منظمة التجارة العالمية وفازت بنسبة مذهلة بلغت 91 في المئة من القضايا التي رفعتها أمام هيئة حل النزاع لدى المنظمة.

وبينما قاوم الاتحاد الأوروبي حتى الآن طلبات الانضمام الصينية للدخول في تحالف تجاري كامل ضد الولايات المتحدة، فإن هذا الاحتمال أصبح أكثر احتمالاً. سيكون مثل هذا التحالف بمثابة تقليد شاحب لصفقات التجارة رفيعة المستوى التي تم الإتفاق عليها والتي اتبعتها إدارة أوباما في مفاوضات الشراكة عبر المحيط الهادي وشراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي، وبخلاف ذلك، من الواضح أن الكتلة الأوروبية لا تقف ساكناً، لقد وقع الاتحاد الأوروبي على اتفاقية تجارة حرة مع اليابان، ويقوم بإجراء دراسة حول عقد اتفاقية أخرى مع ميركوسور، وهي الكتلة التجارية لأمريكا الجنوبية. وليست هذه هي المرة الأولى التي تدفع فيها تصرفات ترامب الاتحاد الأوروبي إلى الحضن الصيني، قبل عام، عندما رفض الرئيس اتفاقية المناخ في باريس، أكدت كل من بروكسل وبكين إلتزامهما بالإتفاقية. ومهما كانت مخاوفهم من صعود الصين، فإن الزعماء الأوروبيين مستعدون لإقامة شراكات مع المارد الشيوعي لمنع الانقسام الاقتصادي العالمي والحفاظ على تماسكه الهش بفضل ترامب.

منذ يناير/كانون الثاني 2017، تاه حلفاء أمريكا مع الإدارة المنقسمة، من جانب طمأن مستشارو الرئيس وإدارات عديدة في الدفاع والدولة، حلف شمال الأطلسي وحلفاء الولايات المتحدة من خلال التأكيد على أن الضمانات الأمنية الأمريكية متينة، ومن جانب آخر وفي الوقت ذاته قام ترامب مراراً وتكراراً بانتقاد هؤلاء الحلفاء ووصفهم بالعبء على “الكرم الأمريكي”، واقترح أن تكون التزامات الولايات المتحدة الرسمية مشروطة. في مقابلة جرت في 17 يوليو/تموز مع مضيف فوكس نيوز، تاكر كارلسون، شكك ترامب في جوهر مبدأ الدفاع الجماعي للناتو، متسائلاً: لماذا يجب أن يموت الأمريكيون للدفاع عن مونتينيغرو (الجبل الأسود)؟ الذي انضم إلى الحلف في العام الماضي!

ومن المرجح أن يجد موقف ترامب دعمًا لدى العديد من الأمريكيين – نصفهم (وفقًا لاستطلاع جديد لرويترز/ ايبسوس) يعتقدون بأنه على الولايات المتحدة التوقف عن مساعدة حلفائها ما لم يزيدوا من الإنفاق الدفاعي. وبلا شك .. هنالك من الحلفاء من اقشعر جسده حينما سمع بنتائج ذلك الإستطلاع. أسلوب ترامب الارتجالي – بما في ذلك الإعلان عن تعليق ما أطلق عليه المناورات العسكرية (الإستفزازية) في شبه الجزيرة الكورية دون إبلاغ سيول (أو حتى البنتاجون) – واستعداده لاسترضاء موسكو، على سبيل المثال من خلال الدعوة إلى تخفيف العقوبات الغربية التي فرضت بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم، وقد خالف بهذا التفاهمات البديهية والمبرمة كافة مع حلفاء الولايات المتحدة، مما زاد من سيل تطمينات الدبلوماسيين الأمريكيين ومسئولي الدفاع مؤخراً. وللتغلب على حالة عدم اليقين، يتحوّط الحلفاء من خلال بناء قدراتهم الدفاعية كشكل من أشكال التأمين الذاتي ولفصل أنفسهم عن قرارات الحياة والموت الصادرة عن التاجر في واشنطن. وفي آسيا، تنفق اليابان مبالغ غير مسبوقة على الدفاع، وتسعى كوريا الجنوبية إلى السيطرة الوطنية على جيشها في حالة الحرب مع كوريا الشمالية، بدلاً من الاستمرار في قبول القيادة الأمريكية.

في أوروبا كانت العواقب وخيمة أكثر. لقد أدت إهانات ترامب إلى نفاد صبرها من كونها “ممسحة” أمريكية وحفزتهم لبحث فكرة “الإستقلال الإستراتيجي”. وتدعو اصوات متصاعدة من داخل الاتحاد الأوروبي إلى تحمل مسؤوليات الدفاع وتطوير قدراته بعيدا عن حلف الناتو الذي يسيطر عليه قائد الحلف الأعلى الذي يأخذ أوامره من البيت الأبيض.

لا زال هذا التفكير الأوروبي للاستقلال في مهده، لكن الإشارات واضحة. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وافق الاتحاد الأوروبي على ما يسمى بـ “التعاون البنيوي الدائم” (PESCO)، وهي مبادرة تسمح لـ 25 من أعضائه الـ 28 بتوحيد جهود الدفاع. في حين أنه بعيد كل البعد عن فكرة (منظومة الدفاع الأوروبي المتكامل) الطموحة في خمسينيات القرن العشرين، فإن (بيسكو) هي نواة لترتيب دفاع قاري كامل. ولهذه الأسباب، انتقد السفير الأمريكي في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كاي بايلي هتشيسون، ذلك باعتباره تهديدًا لسلامة التحالف وسيمس بالموارد التي تغذي ميزانيته . لكن إدارة ترامب لا تستطيع أن تفعل ذلك في كلا الاتجاهين. لا يمكنها أن تصر في الوقت نفسه على زيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي بينما تقوض الثقة المتحالفة في الضمانات الأمنية الأمريكية ثم تفاجأ عندما يستثمر الأوروبيون في قدراتهم المستقلة! هذا الإحساس بالتضامن هو بالضبط ما يقوضه ترامب بأسلوبه المتعجرف الذي يفترض أن (الأتباع) ليس لديهم من بدائل.

إذا كان لدى الأوروبيين أي شكوك في السابق حول ترامب وإمكانية تخليه عن شخصية التاجر والتحول لشخصية الرئيس، فإن هذه قد حسمت لصالح الأولى في مايو/أيار عندما تخلى ترامب عن الصفقة النووية الإيرانية على الرغم من توسلات قادة فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة. هذا وقد نفى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي سعى إلى التأثير على ترامب من خلال إقامة علاقة شخصية دافئة، ولكن انتهى هذا كله حينما يقول ترامب له: “لماذا لا تغادر الاتحاد الأوروبي؟” وأنا أتعهد باتفاق تجاري ثنائي كحلاوة لهذا الخروج؟!

وأشار ترامب إلى أنه من الآن فصاعدا سوف تكون الأولوية للساحة الداخلية للولايات المتحدة، عوضاً عن أن تكون الوصي على النظام العالمي وبالتبعية بطلة الحرية والإنسانية. لقد تركت عودة الولايات المتحدة إلى عقلية الإنكفاء وهو ما كان سائداً ما قبل عام 1941 شركاءها الديمقراطيين يتساءلون: حسناً لقد نزعها أطلس عن كتفيه، من سيحملها الآن؟ لقد قام العديد من النقاد بترشيح ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وحتى رئيس الوزراء الكندي جوستين ترودو كزعيم جديد للعالم الحر. لكن لا أحد من هؤلاء القادة يأمر بأي شيء قريب من السلطة الوطنية والثقل الدبلوماسي في تحمل ذلك العبء. إذا كان النظام الدولي القائم على القواعد هو البقاء، فسيكون مشروعًا جماعيًا، بقيادة الاتحاد الأوروبي، بالتعاون الوثيق مع شركاء ديمقراطيين آخرين تم تأسيسهم (مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا) والناشئة (مثل الهند).

سأل أنتوني دوركين ومارك ليونارد من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. الاحتمالات تبدو طويلة. لقد ضعفت الكتلة بسبب الأزمات المتتالية من خلال تدفق اللاجئين والنازحين من الحروب، والإرهاب، ومنطقة اليورو، و بريكست، والقوميين المتطرفين في تصاعد في إيطاليا وأوروبا الشرقية. والخلافات بين الاتحاد الجمركي والنقابة السياسية – والاعتماد بشكل مفرط على محور فرنسي – ألماني . وبالتالي فإن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى الوحدة والديناميكية والحسم كونه إرتبط طويلاً بالولايات المتحدة. وسيجد الاتحاد الأوروبي صعوبة في متابعة المسيرة ضد الهجمات الاستبدادية من روسيا والصين وأعداء آخرين للحرية السياسية والنظام الليبرالي كهوية للعالم الحر.

لقيادة العالم، سيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى مضاعفة جهوده للإصلاح الداخلي، والوقوف ضد القوى الشعوبية والقومية المتطرفة، وإعادة تأكيد التزامه بفتح التجارة، وتوسيع قدراته العسكرية المستقلة، وزيادة مساهماته في المنافع العامة العالمية (خاصة اﻟﺘﻐﻴﺮ اﻟﻤﻨﺎﺧﻲ)، وﻳﺠﺪ ﺻﻮﺗﻪ إيقاعاً ﻣﺘﺴﻖاً ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن. هذا طريق طويل وشاق. ومع ذلك، يبقى الاتحاد الأوروبي أفضل أمل لليسار المتطرف (الراديكاليين الليبراليين) وهم ينتظرون لرؤية ما إذا كانت شخصية التاجر في البيت الابيض تسعى لتشكيل مسار جديد دائم في الدور العالمي لأمريكا أم أنه مجرد منعطف وطني مؤقت على يد رئيس فريد من نوعه! “كما تزرعون، ستحصدون”، يقول الكتاب المقدس، وترامب يرى بأن العكس قد يكون صحيحًا أيضًا. ولكن من المؤكد أن التاجر في البيت الأبيض قد نجح ببيع بذور الخلاف الذي سيدوم طويلاً بعد رحيله.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]