فوق جبل “أرارات” طرأت الفكرة .. ثم أبحرت سفينة السادات إلى القدس
38 عاما لم تنه الجدل حول زيارة الرئيس المصري محمد أنور السادات للقدس المحتلة في التاسع عشر من نوفمبر 1977، و لاتزال الأراء والمواقف متضاربة أحيانا، ومتصادمة حينا آخر، حول نتائج الزيارة وتداعياتها المتواصلة على الساحة العربية حتى الآن .. بين من يرى الزيارة أحدثت شرخا عميقا داخل الأمة، وتصدعا في جدران البيت العربي، انحرفت معه السياسات والتوجهات العربية إلى مواقف أكثر ترهلا وعجزا .. وبين من يرى أن الزيارة كشفت عن فكر السادات السابق لعصره ، مدركا أن الزمن والمواقف الدولية إلى جانب إسرائيل، والتي لا يمكن إنكار وجودها وتواجدها في المنطقة، وأن “فلسفة السلام” هي التي ستحرك أحداث العالم في المستقبل، وأن فتح الأبواب مع الأعداء كفيل بغلق أبواب الحرب والدماء، وأن سلاما سيئا خير من حرب جيدة !!
ظلت المواقف والآراء والتحليلات متباينة ومتناقضة حتى اليوم، ولكن بقيت الزيارة كما يقول الدكتور بطرس غالي، وزير الدولة المصري للشئون الخارجية وأمين عام الأمم المتحدة الأسبق ، في لقاء سابق معه، أن الزيارة سوف تبقى أخطر وأهم حدث في العالم، من حيث المبادرة الأولى وغير المتوقعة عربيا، ومن حيث إعلاء منهج ومفهوم السلام .. وطرحت تساؤل سابق أمام وزير الإعلام المصري الأسبق ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، محمد فائق : لماذا لم يقم الرئيس السادات بزيارة “تل أبيب” عاصمة الكيان الذي بادر بزيارته، وطالما هي زيارة رسمية، ولماذا حطت الطائرة في القدس ؟ فقال : بصراحة لم يخطر هذا السؤال في تفكيري ؟
الزيارة المفاجئة والتي أشعلت بركانا من الغضب داخل الساحة العربية ، وقتئذ، بدأت بفكرة طارئة فوق جبل “أرارات” في تركيا، والذي يقال أن سفينة نوح جنحت ثم رست فوقه، ووفقا لمذكرات دان باتير، المستشار الإعلامي لرئيسي الوزراء السابقين إسحاق رابين ومناحيم بيجن، إنه سأل الرئيس المصري الراحل أنور السادات متى طرأ على باله فكرة زيارة إسرائيل، فأجابه بأن هذا حدث حلال رحلة جوية قام بها من بوخارست إلى طهران لزيارة شاه إيران، وعندما حلقت الطائرة في سماء تركيا، وبالتحديد فوق جبل “آرارات”، طرأت الفكرة في ذهنه، فكرة زيارة القدس .. ولم تكن مفاجأة الزيارة قاصرة على الدول العربية، ولكن داخل الشارع السياسي المصري أيضا منذ اللحظات الأولى للفكرة، حينما خطب السادات داخل البرلمان المصري في التاسع من نوفمبر 1977مؤكدا ” أن إسرائيل ستدهش حينما تسمعني الآن أقول أمامكم إني مستعد إلى الذهاب لبيتهم نفسه، إلى الكنيست الإسرائيلي ذاته.
واستبق الرئيس الأمريكي، وقتئذ، جيمي كارتر،ردود الفعل عربيا ودوليا، بالقول أن السادات يشبه أول رجل صعد إلى سطح القمر .. واتفق معه في التعبير المستشار النمساوي (رئيس الدولة) آنذاك، برونو كرايسكي، بأن السادات يعرف تماما قيمة سلاح الحرب وفاعليته، كما يدرك في الوقت نفسه معنى السلم وحسناته.
ولم تكن زيارة السادات للقدس مجرد فكرة طارئة عابرة، ولكن سبقتها مجموعة من الاتصالات السرية، وجرى لقاء سري بين مصر وإسرائيل في المغرب تحت رعاية الملك الحسن الثاني، بين وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه دايان، ونائب رئيس الوزراء المصري حسن التهامي.وفي أعقاب ذلك، زار السادات عددا من الدول، منها رومانيا، وتحدث مع رئيسها آنذاك تشاوشيسكو الذي أكد له، كما قيل، أن بيجن”رجل قوي وراغب في تحقيق السلام”.
وهكذا تبلورت الفكرة واختمرت تماما فوق جبل “أرارات” وبقي السادات أول رئيس عربي يلقي خطابا أمام الكنيست، وأول من جاهر من القادة العرب برغبته في السلام مع إسرائيل التي وقع معها في 26 مارس 1979 “اتفاقية كامب ديفيد” للسلام.
