في الذكرى الخامسة للحرب.. غزة بين إعادة الإعمار واستمرار العدوان
تصادف اليوم الذكرى الخامسة للحرب الإسرائيلية العدوانية التي شنتها قوات الاحتلال على قطاع غزة، والتي أطلقت عليها “الجرف الصامد” واستمرت لمدة 51 يوما، عام 2014، وجاءت بعد سلسلة من الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها الاحتلال في الضفة الغربية وغزة.
وألحقت الحرب على غزة دمارًا كبيرًا في البنية التحتية وأوضاعًا إنسانية كارثية صعبة، ما زالت آثارها ماثلة إلى الآن، وقد استطاعت الفصائل الفلسطينية خلالها الصمود في وجه الترسانة العسكرية الإسرائيلية الضخمة التي زجت بها لحسم المعركة مع الفصائل الفلسطينية.
وبدأت إسرائيل في عدوانها على غزة، في تاريخ 7/7/2014، بقصف أحد الأنفاق التابعة لحركة حماس في مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، أدى إلى استشهاد 7 عناصر من كتائب القسام الجناح المسلح لحماس،إضافة إلى قيام عدد من المستوطنين باختطاف وحرق وتعذيب الطفل محمد أبو خضير في القدس المحتلة.
كما قام بإعادة اعتقال العشرات من الأسرى المحررين في صفقة شاليط، أعقبها احتجاجات واسعة في القدس وداخل عرب 48 ومناطق الضفة الغربية.
كل هذه الجرائم التي قام بها الاحتلال والمستوطنون، كانت سبباً رئيسياً في تصعيد وتيرة الأحداث الميدانية في قطاع غزة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، حيث أطلقت المقاومة الفلسطينية ما يزيد على 40 صاروخا تجاه المستوطنات والبلدات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة.
حصيلة الحرب
وأدت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى استشهاد 2174 مواطنا فلسطينيا معظمهم من المدنيين الأبرياء، منهم 530 طفلاً، و302 امرأة، كما قتل 11 من العاملين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) و23 من الطواقم الطبية العاملة في الإسعاف.
وزعم الاحتلال الإسرائيلي أن المقاومة الفلسطينية أطلقت ما يقارب 4564 صاروخاً خلال المواجهة الدامية، اعترضت القبة الحديدية 735 منها، فيما أعلنت عن مقتل 70 إسرائيليًا بينهم 64 جنديا قتلوا خلال المعارك على حدود قطاع غزة.
خسائر فادحة
ألحقت الحرب الدامية على غزة بخسائر فادحة في البنية التحتية وعدد كبير من المنازل السكنية والمنشآت الاقتصادية والتعليمية والدينية والثقافية والصحية حيث قدرت قيمة الخسائر بأكثر من 3 مليارات ونصف المليار دولار.
وارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي عددا من المجازر البشعة التي لاقت استنكارا دوليا وأمميًا من بينها مجزرة الشجاعية التي نفذتها مدفعية جيش الاحتلال الاسرائيلي صباح الأحد 20 يوليو 2014، وراح ضحيتها أكثر من 74 قتيلًا.
وجاء من بين الضحايا 17 طفلاً و14 امرأة و4 مسنين، ومئات الجرحى من المدنيين، كما نفذ الاحتلال سلسلة طويلة من المجازر في جميع محافظات غزة، خاصة بين العائلات الفلسطينية، حيث قتل المئات من أفرادها خلال تدمير المنازل والبنايات السكنية فوق رؤوس سكانها.
المقاومة الفلسطينية
وأبدت المقاومة الفلسطينية مقاومة شرسة وقوية في الميدان الذي شهد جرائم دامية نفذها الاحتلال تجاه المدنيين, فيما حملت المقاومة العديد من المفاجآت التي أربكت الاحتلال, تمثلت في استخدامها صواريخ محلية الصنع استطاعت أن تصل إلى مسافة 160 كيلومترا, كما استخدمت سرايا القدس صاروخًا من نوع براق, استطاع أن يخترق مدينة تل أبيب ويزعزع أمن سكانها الذين أخذوا يفرون لملاجئهم.
والمفاجأة الكبرى كانت عندما أعلنت كتائب القسام في 14 يوليو أنها أطلقت أكثر من طائرة من دون طيار نحو عمق إسرائيل.
وأكدت الفصائل الفلسطينية ومن بينها كتائب القسام في الذكرى الخامسة لحرب 2014, أن المقاومة استخدمت تكتيكات عسكرية كبدت العدو خسائر فادحة وزعزعت أمنهم, وتمثل ذلك في المواجهة مع العدو من نقطة صفر, واستخدام المعابر الوصولية تحت الأرضية -الأنفاق- والقتال في المناطق المبنية بنجاح في العمليات الهجومية والدفاعية أيضاً.
كما تم تحييد قدرات العدو الإستخباراتية بشكل عام من خلال حصر التواصل عبر شبكات تواصل آمنة يصعب اختراق العدو لها.
وقالت حركة حماس، إن معركة العصف المأكول جاءت في ظلّ تغول من قبل الاحتلال وقطعان مستوطنيه في الضفة الغربية والقدس؛ يوم أن أحرقت مجموعة من المحتلين جسد الطفل محمد أبو خضير، وأن المقاومة الفلسطينية أبدعت في المعركة على كل الصعد؛ العسكرية والإعلامية والشعبية؛ ولم ينجح الاحتلال في عزل المقاومة عن حاضنتها الشعبية، التي واصلت الالتفاف حولها.
وأضافت حماس في بيان لها في ذكرى الحرب على غزة، “أن نتائج معركة العصف المأكول تشكل علامات فارقة لتأكيد أننا ومن خلف شعبنا لن نقبل بتمرير أي مؤامرة تصفوية بحق القضية الفلسطينية ولو وقف من خلفها مَن وقف، فلن تمر صفقة القرن، ولن يثنينا عن هذا الموقف لا تهديد ولا أي ورش ومؤتمرات تعقد هنا وهناك”.
أموال الإعمار
بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي الشرس عن القطاع والتوصل لوقف إطلاق نار برعاية مصرية, وما خلفته قوات الاحتلال الإسرائيلية من خسائر فادحة في جميع القطاعات, تم عقد مؤتمر لإعادة إعمار غزة, في القاهرة برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومشاركة 50 منظمة وحكومة.
وتعهدت الدول المشاركة بتقديم 5.4 مليار دولار للفلسطينيين، نصفها لإعادة إعمار القطاع الذي لحق به دمار واسع، فيما جاء النصف الآخر لتلبية بعض احتياجات الفلسطينيين.
ولا يزال مشروع الإعمار يسير بوتيرة بطيئة حتى يومنا هذا, إذ إن بعض الأموال لم تصل إلى القطاع، بالإضافة إلى استمرار آثار العدوان الإسرائيلي على القطاع وساكنيه, فهناك الآلاف من الأسر التي لا تزال مهجرة بسبب منازلها المدمرة, ويعيشون في منازل مستأجرة في ظل ظروف إنسانية واقتصادية صعبة.
الإعلام الإسرائيلي
وكتبت صحيفة “يديعوت أحرونوت” تحت عنوان “الحرب التي لا تنتهي أبدًا”، أن سكان مستوطنات غلاف غزة، يعيشون منذ عام ونصف العام، في واقع مستحيل، خاصةً بعد هدوء استمر نحو 3 سنوات ونصف من انتهاء هذه الحرب.
وأضافت يديعوت، في تقرير لها اليوم الأحد، أنه تخلل خلال هذه الفترة من العام ونصف، 12 جولة قتال وتصعيد عسكري ما بين حماس وإسرائيل، حيث كانت تستمر هذه الجولات من 24 ساعة إلى يومين كحد أقصى، ويتم خلالها إطلاق المئات من الصواريخ، ما أوصل السكان في الغلاف إلى حالة من الارتباك والقلق المستمر من تصعيد الأحداث في أي لحظة.
وأشارت الصحيفة إلى أحداث مسيرات العودة، وتأثيرها على حياة السكان، حيث بدأ يأخذ الرعب والخوف عند سكان غلاف غزة منحى جديدا من تهديد الصواريخ والأنفاق، إلى البالونات الحارقة، التي لا تكاد تتوقف منذ عام ونصف العام، مؤكدةً أن السكان لم يعودوا يشعرون بالأمان الذي فُقد منذ العملية العسكرية في 2014، والذي جعل سكان جنوب إسرائيل إما في الملاجئ وإما يتجولون في الشوارع.
