“مصر العشة ولا القصر.. في كل حارة حسرة وفي كل قصر زينة”، وغيرها الكثير من المقابلات التي اعتمدها الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، الشهير بالفاجومي، شاعر العامية المصرية، في نضاله ضد الطبقية، حيث استطاع أن يجد حلولًا لكثير من المعادلات الصعبة، منها المعادلة بين النخبة والجماهير، ليصبح شاعر الناس، الذي يلتقى عند قصيدته الجميع.
ولعل أبرز مثال على ذلك، حدث أمام مسجد الحسين بالقاهرة الفاطمية، حيث جاء شعراء وأدباء ومثقفون وسياسيون وبسطاء، والكثير من الـ”غلابة” جمهوره الأول والأخير، حتى يحملوه إلى مثواه الأخير، بمقابر منطقة السيدة عائشة، بعد أن توفي في مثل هذا اليوم 3 ديسمبر/ كانون الأول عام 2013.
“نجم” المولود في 22 مايو/ آيار 1929 بمحافظة الشرقية، طافت أشعاره وأغانيه التي لحنها وأداها الشيخ إمام عيسى رفيق الدرب الذي توفي منتصف التسعينيات، بين بلاد العرب، كتب بالعامية المصرية وبلهجة أهل القاهرة على وجه الخصوص، حيث كان يؤمن أنها أكبر من أن تكون لغة، بل هي في وجهة نظره أهم إنجاز حضاري للشعب المصري، ورغم ذلك ضج سرادق العزاء بفنانين ومثقفين وسياسيين من جميع الدول العربية، ودأبت الأقلام الكبيرة والشابة في الصحافة العربية على تشييع الراحل على طريقتها، إذ نشرت الكثير من الملفات التي احتفت بتجربة الراحل الأدبية والنضالية، حيث كانت قصائده وقودًا لصحوة الشباب العربي في نهاية الستينيات عقب نكسة 67.
في صغره عاش بأحد الملاجئ بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وهناك قابل يتيمًا آخر سوف يكون له شأن عظيم فيما بعد وهو العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وخرج من الملجأ شابًا متمردًا لم يستطع أن ينصاع إلى أخيه الكبير، ليواجه المجهول ويكتشف العالم متنقلا بين المهن والحرف، حتى عمل موظفًا بورش النقل الميكانيكي، وهناك اعترض بعض المسؤولين أثناء سرقتهم لمعدات من الورشة، فاتهموه بعدها بالتزوير، ليقضي أول 3 سنوات مع السجن.
في السجن تتحول كتاباته العاطفية الساذجة إلى قصائد شعرية تحمل تجربة تميز صاحبها بملامح واضحة، أهلته للمشاركة بمسابقة المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون، ويفوز بالمركز الأول عن ديوان “صور من الحياة والسجن” والذي كتبت مقدمته الراحلة سهير القلماوي.
برفقة الشيخ إمام عيسى، من أسطح أحد البنايات في حارة “خوش قدم” التي صارت ملتقى الفنانين والمناضلين، قدم “الفاجومي” الكثير من الأغاني الوطنية والسياسية، التي طالما انحازت للفقراء والبسطاء، وكانت سوطًا يجلد السلطة، وهو ما جعل منه زائرًا مقيمًا في السجون والمعتقلات، حيث دخلها في عهد الملك فاروق لأول مرة، وبعدها في عهد جمال عبد الناصر، ثم أنور السادات.
“المقاومة” أحد ركائز مشروع “نجم” الشعري، فطالما قدم للقضية الفلسطينية الكثير من القصائد والأغاني، والتي رددتها فلسطين لأيام بعد رحيله، حيث أقيم عزاء في مدينة “رام الله”، إلى جانب الكثير من الأمسيات التي أقيمت لتأبين الراحل في عدة مدن وقرى فلسطينية.
وحينما اندلعت ثورات الربيع العربي، كان أحمد فؤاد نجم والذي تجاوز الثمانين حينها، في مقدمة التظاهرات والمواجهات وعلى أكتاف المتظاهرين بأغنياته وكلماته التي كانت وقودًا لإشعال الحماسة، حتى أن أول توصيف لشباب الثورة وشهدائها كان من إحدى قصائده “الورد اللي فتح في جناين مصر”.
يذكر أن الجائزة التي أطلقتها مؤسسة ساويرس لشعر العامية، وتحمل اسمه، سوف تعلن أسماء الفائزين بدورتها الثانية في 20 ديسمبر/ كانون الأول، وكان من المقرر أن يعقد حفل تكريم الفائزين اليوم، إلا أن إدارة الجائزة قالت أنه يجري الاستعداد لحدث ضخم يحمل الكثير من المفاجآت، وكان الشاعر مصطفى إبراهيم قد فاز بالمركز الأول في الدورة الأولى الجائزة.
