في ذكراه الـ66.. الرومانسية العربية بوصلة “الملاح التائه”
“كان شابًّا منضور الطلعة، مسجور العاطفة، مسحور المخيلة، لا يبصر غير الجمال، ولا ينشد غير الحب، ولا يحسب الوجود إلا قصيدة من الغزل السماوي ينشدها الدهر ويرقص عليها الفلك”.. لعل الشهرة التي نالتها جملة أحمد حسن الزيات، أحد كبار كتاب النهضة، ترجع إلى اتساعها لوصف شاعر بقامة علي محمود طه، الملاح التائه، الذي رحل عن دنيانا في مثل هذا اليوم، قبل 66 عاما، حيث توفى عام 1949.
ضرب “طه” مثلًا في التحول الجذري والثوري، الذي لا ينشغل بالغبار ولا بالأصوات العالية عن الطريق إلى الغاية والمثل التي ينشدها، إذ جاء شعره ثورة نحو الجمال بالجمال، الذي يفرض حضوره أدوات موسيقية وتخيلية جديدة، تحقق الخصوصية، طارحا الحرية الفردية منهاجا ورؤية رحبة، لا تحدها اللغة ولا تقيدها التقاليد الشعرية السابقة عليه.
من قرية الخواجات بالمنصورة، شرقي دلتا مصر، إلى القاهرة حيث مدرسة الفنون التطبيقية، طريق يمتد حتى العام 1924، حيث مضي الشاب الشاعر في رحلته نحو منجز أدبي، سوف يكتب له الخلود فيما بعد، بالاطلاع على الآداب الغربية، بعد أن تشرب بالموروث العربي والإسلامي، لتنفتح أمامه آفاقًا كان من الضروري أن تخلق شكلا جديدا في التعبير، وهو ما تبلور في نشأة مدرسة أبوللو الرومانسية التي كان هو أحد مؤسسيها برفقة إبراهيم ناجي، وعلي العناني، وكامل كيلاني، ومحمود عماد، وجميلة العلايلى صلاح أحمد إبراهيم.
لشاعر الجندول، كما يطلق عليه في مصر والوطن العربي، نسبة لقصيدة (الجندول) الشهيرة المغناة، عدة دواووين مثلت نقطة تحول في الشعرية العربية الحديثة وخطوة نحو الحداثة، حيث نشر الملاح التائه، ليالي الملاح التائه، أفراح الوادي، أرواح وأشباح، زهر وخمر، الشوق العائد، هي وهو، صفحات من حب، شرق وغرب.
وغنى له المطرب والموسيقار المصري الراحل محمد عبد الوهاب، 3 أغنيات هي: الجندول، كليوبترا وفلسطين، الأخيرة تعد علامة في تاريخ الأغنية الوطنية العربية المقاومة والتي تنبهت لأهمية الوحدة العربية في وقت مبكر، ويقول فيها: أخي.. جاوز الظالمون المدى/ فحق الجهاد وحق الفدا، أنتركهم يغصبون العروبة مجد الأبوة والسؤددا؟
وليس أدل على شخصية الشاعر الكبير علي محمود طه، ومنجزه الأدبي، أكثر من قصائدة، ومنها مستهل أبيات قصيدة ميلاد الشاعر، والتى تلخص رؤيته للشعر والشاعر، حيث يقول: هبط الأرض كالشعاع السنيّ/ بعصا ساحر وقلب نبيّ/ لمحة من أشعّة الرّوح حلت/ في تجاليد هيكل بشريّ، ألهمت أصغريه من عالم الحكـمة/ والنّور كلّ معنى سريّ/ وحبته البيان ريّا من السحـر/ به للعقول أعذب ريّ/ حينما شارفت به أفق الأرض/ زها الكون بالوليد الصّبيّ.
