كانت حركة الأحداث متسارعة طوال سنوات 1944 و1945 و1946 ومع الشهور الأخيرة من عام 1947 زمن إصدار قرار التقسيم ، وإتصالا بالشهور التي سبقت حرب 1948 ، لفتح أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية بإتجاه ( المركز ) والأطراف ..أي « القدس» والقرى والمدن الفلسطينية .. وفي الأسبوع الأخير من شهريناير/ كانون الثاني 1944 كان قرار الكونغرس الأمريكي كاشفا عن تأثير الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية .. وقرار الكونغرس ( بعد مناقشة مشروع القرارين رقمي 418 و419 في مجلسي الشيوخ ومجلس النواب ) ينص على : « الطلب إلى حكومة الولايات المتحدة بأن تبذل كل مساعيها الحميدة ، وأن تقوم بكافة الخطوات الضرورية لفتح أبواب هجرة اليهود إلى فلسطين ، وأن يكون لهم الحق في إستعمار هذه البلاد ، وإنشاء دولة يهودية حرة ديمقراطية فيها » !!
شهادة «شارل شابلن»
وحين كانت حشود المهاجرين اليهود تأخذ طريقها إلى فلسطين .. ويقترب عدد اليهود في فلسطين من أربعمائة ألف قبل قرار التقسيم الصادر في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947 ، كان للفنان الشهير « شارل شابلن » تعليقا بليغا على قرار تقسيم فلسطين : « الكثير من الناس يقولون شابلن يهودي ، أنا لم أنكر أصلي أبدا ، كما أني لم أتباه به .. أنا إنسان لا يختلف عن الآخرين .. هل يقلل أصلي من شأني، أم يضفي علىّ أهمية أكبر ، لا أعتقد أنه ينبغي إرسال اليهود إلى فلسطين ، معنى هذا أن يتم إرسال الكاثوليك إلى روما ، يتعين على الأمم المتحدة ألا تعاون أي دولة للأقليات أو المجموعات العنصرية ، ولو تقرر هذا فإن الأمر يعني أن الحرب كانت دون جدوى ( يقصد الحرب العالمية الثانية من 1939 إلى 1945 ) من حق اليهود الذين ولدوا في دولة ما مثل بولندا أو ألمانيا أن يعيشوا في هذه الدولة مثل بقية المواطنين ، إن مولدهم وحياتهم يكفلان لهم هذا الحق ».
واستطرد شابلن : « يتحتم عدم تحويل فلسطين إلى معسكر إعتقال لليهود ، إن هذا ( التصدير ) لليهود يؤدي في الواقع إلى وجود مشكلة يهودية .. أنا أعرف أن الكثير من اليهود وقعوا ضحية الدعاية ، لقد تلوثوا دون وعي بالكراهية لليهود ، ويعيشون في حالة رعب وخجل من أنفسهم ، ولا شك أن هذه أكبر مأساة في عصرنا .. إن اليهود يسعون بأنفسهم إلى الهروب ، وإلى حفر قبورهم بل إلى إحتقار ذواتهم .. إن تسلل السم الهتلري في جسد العالم جعل المضطهدين يضطهدون أنفسهم ، لقد تحولوا إلى جلادين لأنفسهم » .
تطهير الأرض من أصحابها
و « تطهير الأرض من أصحابها » أو طرد السكان العرب من الفلسطينيين ، كان محور إرتكاز «مؤامرة» إغتصاب الأرض ، وأحد الأصول في المشروع الصهيوني كما تصوره المؤسسون الأوائل ، وكما عبر عنه « يسرائيل فرنجفيل» ـ أديب يهودي إنجليزي ـ وعرف بكتابه « أطفال الجيتو» ـ والذي قام بزيارة فلسطين عام 1897 وعاد ليعلن : «إن أرض إسرائيل أضيق من أن تستوعب شعبين » ثم وجه كلماته لتجمع يهودي في نيويورك عام 1904 قائلا : «علينا أن نكون على استعداد لطردهم من الأرض بقوة السيف» !!
ممارسات «المغناطيس السلبي»
وفي عام 1914 كتب « يوسف فايتس »ـ المدير الأسبق للصندوق القومي اليهودي ـ في مذكراته : «ان أرض إسرائيل ليست صغيرة على الإطلاق إذا ما فرغناها من العرب ، وإذا وسعنا قليلا حتى الليطاني شمالا ، ومرتفعات الجولان شرقا » !! وتعتمد ممارسات طرد الفلسطينيين من وطنهم ـ حسب رؤية « رحبعام زئيفي » وهو من كبار الضباط السابقين ومؤسس حركة ( مولدت ) ـ بالقيام بنشاط مثل المغناطيس السلبي، لدرجة تجعلهم ينهارون ، ويضطرون للرحيل ليبحثوا لأنفسهم عن حياة وإستقلال في مكان آخر !! ويقول « إسرائيل شاحاك » رئيس الرابطة الإسرائيلية لحقوق الإنسان : «أن للتوراة فرض على ذهن القارئ ، حيث عدد المرات التي ذكر فيها أن الله نفسه يأمر أطفال إسرائيل بعدم ترك واحد غير يهودي حيا على أرض إسرائيل ، بل يأمر بإبادة غير اليهود ، والفرض لمقدس فوق كل الفروض .. »!!
أوهام «الوديعة المقدسة »
والنصوص التوراتية التي توصي بذبح وإبادة غير الإسرائيليين ، تدرس لأطفال المدارس وتشكل وعيهم ، بخلق عقيدة أن تكون الأرض من البحر إلى النهر لليهود ، ودون تنازل يخل بالثوابت ، وهي عقيدة تتحمل مسئوليتها الأجيال القادمة .. وحرص إسحق شامير ، زعيم الليكود ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ، على أن تكون تلك العقيدة في مصاف « الوديعة المقدسة » وبإعتبار « أن زعماء الحركة السابقين تركوا رسالة واضحة تقضي بضرورة الإحتفاظ بأرض إسرائيل الممتدة من البحر المتوسط إلى نهر الأردن ، وديعة للأجيال المقبلة ، ولإستيعاب الهجرة الجماعية لليهود » .. في كلمة القاها بمناسبة إحياء ذكرى مؤسس كتلة الليكود في 18 / 11 / 1990
« القدس» : منطقة المركز .. ما بين البحر والنهر
وفي حقيقة الأمر ، فإن المشروع الإسرائيلي للقدس الكبرى ، أو ما يعرف بمنطقة المركز ، هو الركيزة الأساسية لكل مخططات إسرائيل الخاصة بضم المزيد من الأراضي الفلسطينية واستيطانها بواسطة اليهود ، إذ تعتبر القدس مركزا لكل الأرض والتجمعات البشرية فيما بين البحر المتوسط ونهر الأردن ، أي مركزا لكل الأرض الفلسطينية قبل التقسيم .. وتشمل منطقة المركز التي يخطط لها المشروع ” مدينة القدس” نفسها ، وكل القرى الممتدة من حدودها الشمالية حتى قرى بيت عور، والطيرة ، ثم مدينتي رام الله والبيرة ، لتمتد شمالا بحيث تصل إلى عين يبرود ، ودورا القرع ، وكذلك كل القرى الممتدة من حدودها الجنوبية حيث بيت لحم ، وبيت ساحور، وبيت جالا ،حتى نحالين ، ثم بيت فجار، وتفوح ـ وتقدر مساحة المنطقة كلها بحوالي 45 كيلو مترا في الإتجاهين الشمالي والجنوبي ، و15 كيلو متر شرقاز