في ذكرى النكبة: الخيارات والجبهات مفتوحة على كل الاحتمالات
ترصد الدوائر السياسية والعسكرية تطورات الأحداث داخل فلسطين المحتلة، ومع متابعة الاحتمالات القائمة.. ويرى سياسيون ومحللون أن للقدس رمزيتها، وأن حي الشيخ جراح فاض بجغرافيته ووقائعه ليضع المنطقة أمام إحتمالين لا ثالث لهما: إما تتراجع إسرائيل حداً للخسائر.. أو تندفع عسكرياً، وعندها يصبح سؤال الخيارات والجبهات مفتوحاً على احتمالات متعددة.
ويبدو أن قدر مدينة القدس العربية المحتلة، أن تتصدر سطور التاريخ، منذ تاريخ ما قبل الميلاد ووصولا إلى الزمن الحيّ الراهن..ويرى المؤرخ الفرنسي «فانسان لومير»، أن الأحداث الساخنة الجارية في فلسطين المحتلة، قد أعادت القدس إلى موقعها في قلب القضية الفلسطينية..وقال «لومير» الذي أشرف على كتاب «القدس: تاريخ المدينة – العالم من البدايات حتى أيامنا هذه»، الصادر عن دار «فلاماريون» الفرنسية عام 2016، إن هبّة القدس وتداعياتها، قد أعادت القدس الى صدارة قضية الاحتلال الإسرائيلي، وأغلقت مسلسل معاهدة أوسلو التي أرجأت البحث بقضية القدس الى نهاية مفاوضات السلام.
انتفاضة الجيل الجديد من الفلسطينيين
وبينما ترى صحيفة «التايمز» البريطانية، أن تداعيات هبّة القدس سوف تدفن صفقة ترامب قبل أن تزدهر، وأن «أخطاء إسرائيل الفادحة في القدس»، وضعتها أمام احتمال اندلاع انتفاضة جديدة، واحتمال حقيقي بأن صفقة القرن لدونالد ترامب ستموت قبل أن تزدهر..وهو ما أشارت إليه أيضا صحيفة «ليمانيتي» الفرنسية، بـ « انتفاضة الجيل الجديد من الفلسطينيين» ضد الظلم والتمييز العنصري والإهانات الممارسة ضد القدس الشرقية.
البعد الثالث الخطير
وما تراه الدوائر السياسية في إسرائيل بـ «البعد الثالث والخطير» لتداعيات «هبّة القدس»، هو انتفاض البلدات العربيّة داخل الخط الأخضر،نصرة للقدس وغزّة: مصابون ومعتقلون خلال مظاهرات حاشدة انطلقت في سخنين، وحيفا، والنّاصرة، ورهط، والطيرة، والطيبة، وأم الفحم، ودير الأسد، والبعنة، وطمرة، وعرعرة النقب، وباقة الغربية، ومجد الكروم، ويافا، وكفر قرع، وقلنسوة، وعرعرة، والمشهد، وبلدات أخرى، احتجاجًا على اعتداءات الاحتلال الإسرائيليّ في مدينة القدس المحتلّة، وفي قطاع غزة المُحاصَر.
وخلال المظاهرات، رُفعَت الأعلام الفلسطينية، وهتف مشاركون بشعارات مندّدة باستمرار العدوان الإسرائيليّ، فيما حمل مشاركون لافتات كُتِبت عليها شعارات مندّدة بالاحتلال وجرائمه.
الاتجاهات المتوقعة: الحرب أو تراجع إسرائيل
والآن.. أصبح الحديث عن الاتجاهات المتوقعة: أولاً، رضوخ اسرائيل في قضية حي الشيخ جراح مقابل وقف إطلاق الصواريخ.. ثانياً، رفض اسرائيل الرضوخ وعندها لا مناص من حرب تبدأ بتنفيذ عدوان ضد غزة وتتوسع الى انتفاضة في الضفة الغربية.
وفي ظل الاحتمال الثاني، بحسب تقديرات المحلل السياسي اللبناني، إلياس فرحات، ليس مستبعداً دخول الجبهة الشمالية على خط الحرب في لحظة ميدانية ما، وعندها تكون المنطقة قد دخلت ليس في أيام قتالية بل في حرب واسعة جدا.
الخيار العسكري.. مخاطر وأخطار
الساعات والأيام المقبلة، ولا سيما ردة فعل المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية سوف تحدد معالم الاتجاه الذي ستذهب اليه الامور، علماً بان تهديد المناورة العسكرية الشاملة فقد مفعوله وبالتالي يصبح خيار المضي بها لزوم ما لا يلزم لا بل يلقي اعباء على القيادة الاسرائيلية من دون طائل..وإذا كانت إسرائيل تريد الإطاحة بالاتفاق النووي، عندها يصبح الخيار العسكري مؤشرا لمخاطر وأخطار من نوع مختلف، في ظل حتمية توسع النزاع وترابط الساحات، من دون إغفال حقيقة أن محادثات فيينا مستمرة وإيقاعها إيجابي حتى الآن.
بالتالي لا تبدو اللحظة الأمريكية مواتية لسلوك مغامر من هذا النوع، بحسب تعبير إلياس فرحات، ناهيك عن مناخ التعاطف الدولي والعربي والإسلامي مع الفلسطينيين. يكفي أن نشاهد أعلام فلسطين ترتفع في شوارع باريس ولندن وشيكاغو واسطنبول وعشرات المدن الأوروبية..
من يملك القدس يملك فلسطين
وهكذا ..في ظل مناخ ساخن وشديد التوتر.. تبرز حقيقة أن للقدس رمزيتها..وتعود القدس المحتلة لتتصدر متابعات العالم، في الذكرى الـ 73 للنكبة العربية الكبرى في العام 1948، وحيث كانت المؤامرة أوضح ـ وربما أوقح ـ في مجريات الأحداث بإتجاه فتح أبواب فلسطين أمام هجرة اليهود، وكانت القدس هي عنوان الدعاوى التبشيرية في كل خطوة، وهي المقصد والهدف الأكبر، وكان البحث عن اللحظة المناسبة، أن يدخل الحلم إلى عالم الحقائق السياسية، ومنذ البدايات الأولى للحركة الصهيونية، حيث دأب منظورها على ترسيخ ما يسمونه الهدف الأعظم في أذهان يهود العالم، وهو إحتلال القدس لتصبح عاصمة لدولتهم المنتظرة «إسرائيل».. وأن من يملك القدس يملك فلسطين.
المؤامرة الدولية في مطلع القرن العشرين
احتل الحلفاء مدينة القدس في 9 ديسمبر/ كانون الأول 1917، وأنشأت بريطانيا حكومة عسكرية في فلسطين، قبل أن تكمل احتلالها لشمال فلسطين، في سبتمبر/ أيلول 1918، ولاقى هذا الاحتلال تشريعا دوليا بعد ثلاث سنوات عبر نظام «الانتداب» الذي دام حتى عام 1948 عندما أعلنت بريطانيا عن نيتها التخلي عن انتدابها على فلسطين، وأحالت قضيتها إلى الأمم المتحدة
إدارة الحركة اليهودية باتجاه فلسطين
كانت الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، وتكثيف الاستيطان في القدس بالذات، واحدة من أهم ركائز الدعوة لتحقيق هذا الهدف ( ولم تكن هناك قاعدة يهودية كافية تستطيع أن تتحمل عبء هجرة يهودية مؤثرة). ويكفي أن نذكر أن عدد اليهود في فلسطين عام 1488 لم يتجاوز سبعين أسرة يهودية ، وفي عام 1521 أصبح عددها ألف وخمسمائة أسرة ، وفي عام 1841 بلغ عدد اليهود في فلسطين 3200 نسمة ، ورغم ذلك كان الحلم الأكبر لايزال فاعلا داخل وجدان حاخام القدس ، وهو يرسل بإسم العشرات فقط من سكان القدس « حجاب » واق من الشر إلى الملكة « فيكتوريا» 1849 في أعقاب مؤتمر يهودي صغير عقد في لندن برعاية أسرة « روتشيلد » يطلب من الحكومة الإنجليزية أن تسهل لليهود استعمار فلسطين على نمط ما يحدث في مناطق أخرى من حركة الاستيطان الأوروبي في أفريقيا وأستراليا وكندا !