في ذكرى النكسة.. كيف تحرر المصريون من سجن الهزيمة؟  

اختلفت المدارس العسكرية، وفق دراسات الأكاديميات والمؤسسات البحثية الأمنية والعسكرية، ومراكز الدراسات الاستراتيجية، عقب حرب الأيام الستة بين مصر وإسرائيل، حول نتائج المعركة، التي تعد هزيمة ونكسة عربية، إلا أن صدمة «الهزيمة» لم تستمر سوى ساعات فقط ، بحسب دراسة عسكرية نشرت في باريس في شهر سبتمبر/ أيلول 1967 ، واستخدمت تعبير «انتفاضة الإرادة» المصرية عقب ساعات من هزيمة يونيو/ حزيران 1967، وكيف رفض الشعب المصري الاعتراف بالهزيمة، وكيف رفض ـ وفي سابقة تاريخية ـ أن يتنحى رئيس الجمهورية والذي تحمّل المسؤولية كاملة، عن الهزيمة، وكيف تمسك الشعب بقائد خسر المعركة، وخرجت موجات متلاحمة من الجماهير يومي 9 و 10 يونيو/ حزيران، ترفض تنحي الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وترفع شعار «سنقاتل».

 

النصر فى ساحات القتال معناه كسر إرادة الخصم

بعد أيام من نكسة الخامس من يونيو/ حزيران 1967 ، كان التساؤل داخل الدوائر العسكرية : كيف تحرر المصريون من سجن الهزيمة ؟! ويقول خبراء عسكريون مصريون، إذا كانت الحرب «حطمت القوة المسلحة لمصر»، لكنها «لم تحطم الإرادة المصرية»، وفي منطق الصراع وقانونه، فإن الهزيمة تعني تسليم طرف بالكامل لطرف آخر، فإذا رفض هذا الطرف أن يسلم وهو مالك لإرادته، فهو إذن غير مهزوم، والنصر فى ساحات القتال معناه كسر إرادة الخصم..وأكثر من هذا فإن هذا الطرف إذا صمم على المقاومة وأعطى لنفسه إمكانية العودة باقتدار إلى ميدان الصراع، فهو إذن لم ينهزم بل هو ـ أكثر من ذلك ـ استعاد لقوته فرصتها من جديد حتى في إحراز النصر.

 انتصار «رأس العش»

وتشير مراكز بحثية ألمانية، متخصصة في مجال الدراسات والبحوث والأوراق البحثية العسكرية والأمنية والإستراتيجية الدولية، إلى أن  الإنسان المصري الجريح ،  بدأ سلسلة من العمليات العسكرية الناجحة بعد ثلاثة اسابيع فقط من تاريخ الهزيمة.. ففي الساعات الأولى من صباح 1 يوليو/ تموز 1967 بدات معركة «رأس العش»، حين تقدمت قوة مدرعة إسرائيلية على امتداد الضفة الشرقية لقناة السويس، من القنطرة شرق في اتجاه الشمال، بغرض الوصول إلى ضاحية بور فؤاد المواجهة لمدينة بورسعيد  على الجانب الآخر للقناة، كان الهدف احتلال بور فؤاد، وكانت المنطقة الوحيدة في سيناء التي لم تحتلها إسرائيل، وتهديد بورسعيد ووضعها تحت رحمة الاحتلال الإسرائيلي.

وعندما وصلت القوات الإسرائيلية إلى منطقة «رأس العش» جنوب بورفؤاد، وجدت قوة مصرية محدودة من قوات الصاعقة المصرية  عددها ثلاثين مقاتلًا مزودين بالأسلحة الخفيفة. في حين كانت القوة الإسرائيلية تتكون من عشر دبابات مدعمة بقوة مشاة  ميكانيكية في عربات نصف مجنزرة،  وفوجئت القوة الإسرائيلية بصمود ومقاومة القوات المصرية التي أنزلت بها خسائر كبيرة في المعدات والأفراد وأجبرتها على التراجع جنوبًا..ثم عاود جيش الاحتلال الهجوم مرة أخرى، إلا أنه فشل في اقتحام الموقع بالمواجهة أو الالتفاف من الجنب، وكانت النتيجة تدمير بعض العربات نصف المجنزرة وزيادة خسائر الأفراد، وأضطرت القوة الإسرائيلية للانسحاب.بعد الهزيمة، ولم تحاول إسرائيل بعد ذلك محاولة احتلال بورفؤاد  مرة أخرى.

 

إغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات» ومن عليها (مائه فرد ودفعة من طلبة الكلية البحرية)

وبعد أربعة شهور ونصف تقريبا،  من تاريخ هزيمة يونيو/ حزيران، تلقت إسرائيل صدمة إغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات» بصاروخين  من طراز «ستايكس» (صواريخ بحرية سطح ـ سطح ) مما أثار اهتمامات وأبحاث معاهد الفكر العسكري،  فقد كانت العملية البحرية المصرية هي الأولى من نوعها في تاريخ الحروب البحرية، وبداية مرحلة جديدة من مراحل تطوير الأسلحة البحرية و استرتيجيات القتال البحرى في العالم، فقد تم في هذه العملية تدمير مدمرة حربية كبيرة بلنش صواريخ للمرة الأولى في التاريخ.زوكانت البداية صباح يوم 21 أكتوبر/ تشرين الأول 1967 مع متابعة تحركات المدمرة الإسرائيلية إيلات بالقرب من المياه الإقليمية لمصر في المنطقة شمال بورسعيد.

استمرت المدمرة الاسرائيلية ايلات في العربدة داخل المياة الإقليمية المصرية ليلة 21 أكتوبر/ تشرين الأول 1967 في تحد سافر، مما تطلب من البحرية المصرية ضبطا بالغاً للنفس إلى أن صدرت توجيهات إلى قيادة القوات البحرية بتدمير المدمرة ايلات، وعلى الفور جهز قائد القاعدة البحرية في بور سعيد لنشين من صواريخ (كومر) السوفيتية، والجدير بالذكر أن لنش الصواريخ (كومر) السوفييتي مجهز بصاروخين سطح – سطح، من طراز (ستايكس) الذي تزن رأسه المدمرة واحد طن، وكانت إجراءات الاستطلاع والتجهيز بالصواريخ قد تمت في القاعدة البحرية قبل الخروج لتدمير الهدف، وبمجرد أن صدرت أوامر قائد القوات البحرية بتدميرالمدمرة عند دخولها المياه الإقليمية ، خرج لنشان صاروخيان من قاعدة بورسعيد لتنفيذ المهمة. هجم اللنش الأول بإطلاق صاروخ أصاب جانب المدمرة إصابة مباشرة فأخذت تميل عل جانبها ، فلاحقها بالصاروخ الثاني فتم إغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات» على مسافة تبعد 11 ميلاً بحرياً شمال شرق بورسعيد بعد الخامسة مساء يوم 21 أكتوبر/ تشرين الأول 1967 وعليها طاقمها الذي يتكون من نحو مائه فرد إضافة إلى دفعة من طلبة الكلية البحرية كانت على ظهرها في رحلة تدريبية.

تدمير الغواصة الإسرائيلية «داكار» و78 ضابطا وبحارا إسرائيليا

وبعد 7 شهور فقط من تاريخ الهزيمة..أقيم احتفال في ميناء «بورت سميث» الانجليزي  يوم 9 يناير/ كانون الثاني 1968 بمناسبة بدء إبحار الغواصتين الجديدتين «داكار» و«دولفين» من انجلترا لدعم قوات إسرائيل  البحرية، وبعد بضع ساعات، تلقت الغواصة «داكار» أوامر جديدة بالاتجاه إلى الشواطئ البحرية، وتحديدا إلى ميناء الإسكندرية، للتجسس علي أحواض لنشات الصواريخ المصرية بمقر قيادة القوات البحرية المصرية، ومهاجمة قطع بحرية كان مقررا أن يستقلها الرئيس جمال عبد الناصر صباح يوم 25 يناير/ كانون الثاني، لمشاهدة مناورة لوحدات البحرية المصرية، وعلى الفور جنحت الغواصة الإسرائيلية إلى الشواطئ المصرية واقتربت جداً من ميناء الإسكندرية، وفي يوم 23 يناير/ كانون الثاني 1968 أرسل قائدها رسالة من كلمة واحدة إلى قادته في «تل أبيب»، تقول «تمام».

وكان قد تم تحديد مكان الغواصة بدقة، ومحاصرتها دائريا، وصدر أمر الي المدمرات بإلقاء قذائف الأعماق داخل نطاق الهدف، وبدأت المدمرات بإلقاء القذائف واحدة تلو الأخري وبأعداد كبيرة،  وهبطت «الغواصة داكار» إلى  أقصي عمق ممكن لتفادي الصدمة الإنفجارية، لكن هذه الإجراءات لم تفلح كمحاولة للهروب من العبوات الأنفجارية المصرية، وتوقفت قطع البحرية المصرية عن القاء حممها بالمياه بعدما تأكدت ردارات الرصد السمعية بأنه لم يعد هناك أصوات أو إشارات لاسلكية تصدر من الغواصة والتي بدأت بالإنزلاق الي أعماق بعيدة تتكفل وحدها بسحق الغواصة ومن فيها، وبعد عدة ساعات شوهدت بقع زيتية ومخلفات تطفو علي سطح المياه مما قطع الشك باليقين أن الغواصة قد قضي عليها، وتحولت إلى مقبرة حديدية تضم 78 ضابطا وبحارا إسرائيليا.

 

وفي مساء 25 يناير/كانون الثاني 1968 أي بعد 48 ساعة كاملة من اختفاء «داكار»، وقف وزير الحرب الإسرائيلي أمام الكنيست ليقول : «بكل الحزن والأسف أبلغ الشعب الإسرائيلي بفقدان الغواصة داكار!!وكان طلب المساعدة في البحث عن الغواصة داكار أحد المطالب الأساسية التي تقدمت بها إسرائيل إلى الرئيس المصري الراحل أنور السادات، خلال مرحلة التفاوض التي أدت في ما بعد إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 بين السادات ومناحيم بيغين رئيس الوزراء الاسرائيلى الأسبق. وبالفعل سمحت القيادة المصرية لإسرائيل بالبحث ست مرات على الأقل عن حطام الغواصة المفقودة شاركت في إحداها وحدات تابعة لقوات البحرية الأمريكية «المارينيزۛ»..دون جدوى .

تدمير السفينة « بيت شيفع»، وناقلة الجنود « بات بام »، والرصيف الحربي لميناء إيلات

وخلال الأيام الأولى من صدمة النكسة..عبر جنود الضفادع البشرية مسافة 24 كيلومترا لشن الغارات المصرية على ميناء إيلات الإسرائيلي، وهي ثلاث عمليات عسكرية بحرية أسفرت عن تدمير السفينة « بيت شيفع»،  وناقلة الجنود «بات بام»،  والرصيف الحربي لميناء إيلات..وكان لهذه العمليات أيضاً أهمية أخرى وهي اعادة الروح المعنوية ليس للقوات المسلحة فقط ولكن للمصريين جميعاً..ولم  تتصور إسرائيل أن يتم استهدافها في عقر دارها.

 

كيف استطاع المصريون أن يتحرروا من سجن الهزيمة؟

وأكد خبراء عسكريون ، أن هناك دروسا مستفادة، وهناك تجربة تناولتها دراسات عسكرية غربية، عن جيش يعيد بناء نفسه من الصفر، ليكون مستعدا لخوض معركة النصر، بعد ثلاث سنوات ونصف فقط، حيث وضعت خطة «غرانيت 1» ثم «غرانيت 2» وهي التي عدلت بعد سنة لتحمل خطة الفريق سعد الدين الشاذلي «المآذن العالية»، فكيف يتمكن جيش من إعادة بناء قدراته في زمن قياسي لم يسجل من قبل؟

 

وفي ذلك التوقيت بعد نكسة 1967 كان القرار المصري بقبول التحدي، والقرار بالطبع مرادف دقيق لمعنى الإرادة المصرية، وهي خارج حسابات الهزيمة..مما دفع  وزير الدفاع الإسرائيلي، وقتئذ، موشى ديان للتساؤل ـ وهذا مسجل في وثائق المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ـ ما هو السر؟ كيف استطاع المصريون أن يتحرروا من سجن الهزيمة؟

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]