في ذكرى ميلاد (زعيم الأمة) الذي أعاد تصحيح مسار التاريخ العربي

كانت مصر والأمة العربية على موعد مع التاريخ، في ذلك المساء من يوم 15 يناير/كانون الثاني 1918 .. حين ولد الطفل الأول لموظف  «البريد» الصعيدي البسيط، عبد الناصر حسين خليل، وفي تلك الليلة التي غيرت كل شيء بعد 34 عاما في مصر والوطن العربي.. كانت مصر على موعد مع (رجل العدالة الاجتماعية ونصير الفقراء) .. وكان العرب على موعد مع (رجل القومية العربية).. بينما كانت أفريقيا على موعد مع (رجل التحرير). وعلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية كانت أمريكا اللاتينية أيضا على موعد مع (رجل الثورة.. النموذج والقدوة).

كانت مصر والأمة العربية، على موعد مع ظاهرة تاريخية عربية، أعادت تصحيح مسار تاريخ الأمة، وأيقظت روح الاستقلال الوطني والقومي، بكل ما تعنيه اليقظة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

زعيم الأمة الاستثنائي

كان كتابه «فلسفة الثورة» الذي قدمه في السنوات الأولى لثورة يوليو 1952، هو دستور الزعيم (الحلم) والاستثنائي في تاريخ الأمة.. الكتاب وثيقة تاريخية، رسخت لفكرة أن النهوض بالأمة العربية يأتى فى المقام الأول عبر حماية الأمن القومى العربى والتفاعل الأفريقى والترابط الإسلامى، تلك الأسس وضعها عبدالناصر قبل أكثر من نصف قرن، ورسم رؤية ونهج فى الداخل والخارج، مكانه خلال تلك الحقبة من إحداث انتصارات ضخمة، تخللها تجارب مريرة، وفترات إنجاز وقصور شكلت فى مجملها مرحلة تاريخية من أدق المراحل التي مرت بها مصر والأمة العربية، ليحمل عن جدارة لقب «زعيم الأمة».

الزعيم ـ وكان مولده حلما عربيا طال انتظاره عبر التاريخ الحديث ـ أعطى أمته العربية يقينا متجددا بأنها موجودة، وأعطى لهذا اليقين المتجدد بالوجود حركته التاريخية، وأنجز بهذه الحركة مهاما كبيرة على أرضها، وحول أرضها، وفي العالم.

 كان سدا عاليا في وجه مؤامرات القوى الخارجية

الكاتب والمفكر الكبير الراحل أحمد بهاء الدين، والذي قال عنه الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين  هيكل، «لقد كان بهاء الدين من أبرز المفكرين العرب، يمتلك قدرة فائقة على استشراف المستقبل، وتحليل الواقع بموضوعية ». أحمد بهاء الدين كتب مقالا قبل نصف قرن تقريبا، يلخص تجربة ومعنى وقيمة جمال عبد الناصر، ويحمل نبؤة عن المستقبل تحققت بحذافيرها، ورسم «بهاء الدين» خريطة العالم العربى فى حال غياب عبد الناصر والانقلاب على سياساته.

بقول أحمد بهاء الدين: الشرق الأوسط، منطقة هامة وحساسة لا يمكن أن تغفلها أى قوة كبرى من حسابها. وكل قوة من القوى تحمل فى مخيلتها «خريطة» تتمناها لهذا الشرق الأوسط، وتعمل على تحقيقها. وعبدالناصر، يقف كحجر عثرة فى طريق كل من يرسم خريطة من هذا النوع للمنطقة.. فرنسا يوماً وإنجلترا يوماً آخر وأمريكا يوماً ثالثاً وإسرائيل كل يوم، وهي متعلقة كل يوم بذراع من يرسم خريطة للمنطقة تناسب هواه وهواها..والمشكلة هي زعامة عبدالناصر.

ذلك أننا إذا أردنا فى حقيقة الأمر أن نلخص دور عبدالناصر إلى أقصى درجات التلخيص، وأن نلخص الموجة التى دفعها والتى حملته في نفس الوقت لقلنا: إن معركته هى معركة من يريد أن تكون «الإرادة» فى المنطقة العربية إرادة عربية، والقول فى مستقبل العرب للعرب.. ضد الذين يريدون أن تكون الخيوط المحركة فى المنطقة مربوطة فى النهاية إلى أيد غير عربية وإرادات غير عربية.

مغزى الارتباط العميق بينه وبين الجماهير العربية

هذا هو مغزى زعامة عبدالناصر. وهذا هو مغزى الارتباط العميق بينه وبين الجماهير العربية. هذا الارتباط الذى تحاول إسرائيل أن تدمره..عبد الناصر يعترض طريق الجميع.. جميع الغرباء عن المنطقة..ولهذا تفكر إسرائيل والذين وراءها والذين هم معها بقلوبهم، أنهم لو كسروا هذه الحجرة، لو كسروا هذه القيادة ونفوذها.. فإنهم يتوقعون أن تتشتت المنطقة وأن تزيغ الأبصار فيها زمناً طويلاً، ويصبح  الكلٌ يتلفت حوله باحثاً عن ملاذ، عن مَخرج، عن مظلة واقية..ومن يحاول الصمود بمفرده فسيكون ضعيفاً، معزولاً، سرعان ما يحاط به.

أليست هذه صورة الواقع العربي الراهن في القرن الحادي والعشرين؟!

قيادة عبدالناصر تعترض طريق جميع الغرباء عن المنطقة

ويضيف الكاتب والمفكر الكبير الراحل:  على العكس فهم يرون أن مجرد استمرار عبدالناصر رافعاً الراية يشد العزائم وينفث روح المقاومة والرفض قى أكثر من قطر عربى ولو دون مبادرة منه.. كالمقاتلين الذين يلمحون ـ في دخان المعركة وترابها واضطرابها ـ رايتهم وهي لا تزال مرفوعة فيتشجعون ويلتحقون بالصفوف.

وجود عبدالناصر يجعل اللعبة كلها مربوطة به ويحجر بالتالى على حرية الذين يريدون أن يلعبوا فى المنطقة. والقوى الكثيرة التي تريد أن تتخلص منه تريد أن تسترد حرية اللعب وأن تضع كل منها قواعد اللعبة التى تناسبها وهى حرية لا يتمتعون بها فى وجود قيادة عبدالناصر وما تمثله لدى الجماهير العربية..قيادة عبدالناصر تعترض طريق الجميع.. جميع الغرباء عن المنطقة..وقيادة عبدالناصر تحمي الجميع، الذين هم من المنطقة.

أعرف ساسة ورسميين وأفراداً عاديين فى أقطار عربية شتى.. ليسوا من الملتقين مع أفكار عبدالناصر ولم يكونوا دائماً من الواقفين معه.. ولكنهم حتى هم فى ساعات الظلام والخطر والغموض يجدون أن وجود زعامة عبدالناصر فى المنطقة تعنى لهم شيئاً، تعنى عدم القفز إلى المجهول.

ويتابع بهاء الدين في مقاله عن الزعيم (الحلم) : يقول لى مسئول فى ركن قصى صغير من أركان العالم العربى: الأجنبى حين يتعامل معنا يحسب الآن حساب أننا من الأمة العربية وهذا شيئ أوجده عبدالناصر.

موعد مصر مع زعيم استثنائي

وإذا كانت الأمة العربية على موعد مع التاريخ بمولد «جمال عبد الناصر حسين»..فإن مصر كانت في المقدمة وهي موعد مع زعيم استثنائي بدل أحوالها بما يشبه الحلم، فقد رحل عبد الناصر، بعد أن تحقق له حلم إنشاء  أكبر قاعدة صناعية فى العالم الثالث، حيث بلغت عدد المصانع التى أنشأت فى عهده 1200 مصنع ، منها مصانع صناعات ثقيلة وتحويلية وإستراتيجية (تم بيعها وخصخصتها بثمن بخس بعد رحيلة).. وتم إدخال الكهرباء والمياه النظيفة والمدارس والوحدات الصحية والجمعيات الزراعية إلى كل قرى مصر، وتم ضمان التأمين الصحي والإجتماعي والمعاشات لكل مواطن مصري .. وزيادة مساحة الرقعة الزراعية بنسبة 15% ، ولأول مرة تسبق الزيادة فى رقعة الأرض الزراعية الزيادة في عدد السكان. وزاد عدد الشباب فى المدارس والجامعات والمعاهد العليا بأكثر من  300 % .. وزادت مساحة الأراضي المملوكة لفئة صغار الفلاحين من 2,1 مليون فدان إلى حوالى 4 مليون فدان .. وكل ذلك تم بدون ديون على مصر.

كان اقتصاد مصر أقوى من اقتصاد كوريا الجنوبية

رحل واقتصاد مصر أقوى من اقتصاد كوريا الجنوبية، ولدى مصر فائض من العملة الصعبة تجاوز المائتين والخمسين مليون دولار بشهادة البنك الدولى،  وبلغ سعر الجنيه الذهب 4 جنيه مصر..ولم تكن عملة مصر مرتبطة بالدولار الأمريكى، بل كان الجنيه المصرى يساوى ثلاثة دولارات ونصف، ويساوى أربعة عشر ريال سعودى بأسعار البنك المركزى المصري.. رحل الزعيم الإستثنائي ولم تكن هناك بطالة، ولم تكن هناك أزمة تعيينات أو وسائط أو رشاوي.. وربما كان الأهم ، والأكثر أهمية ، أن مصر لم تسمع  في حياته عن «فتنة طائفية».

قبل رحيله بلغت نسبة النمو الاقتصادي 8%

وربما لا يعرف كثيرون.. أن الاقتصاد المصري، على الرغم من هزيمة الجيش في  5 يونيو/ حزيران 1967  استطاع أن يتحمل تكاليف إتمام بناء مشروع السد العالي الذي اختارته الأمم المتحدة عام 2000 كأعظم مشروع هندسى وتنموى فى القرن العشرين، والذى يعادل فى بناؤه 17 هرما من طراز هرم خوفو.. ورغم آثار الهزيمة العسكرية،  فإن الإرادة المصرية لم تهزم ، وتم بناء مجمع مصانع الألمونيوم فى نجع حمادي، وهو مشروع عملاق بلغت تكلفته ما يقرب من 3 مليار جنيه .. واستطاعت مصر فى ظل نكسة 67 أن تحافظ على نسبة النمو الإقتصادى كما كان قبل النكسة، بل أن هذه النسبة زادت فى عامى 1969 و 1970 وبلغت 8 % سنويا، وفقا لتقرير وزارة المالية المصرية والبنك الدولي .. واستطاع الاقتصاد المصري عام 1969 أن يحقق زيادة في فائض الميزان التجاري ــ  لأول وآخر مرة فى تاريخ مصر ــ  بفائض قدرها 46.9 مليون جنية بأسعار ذلك الزمان.. وتم وضع حدود دنيا وعليا للرواتب والمرتبات، مراعاة للمساواة والعدالة الاجتماعية بين أفراد الشعب، فلا أحد يعيش برفاهة وبذخ، ولا أحد يعيش دون مستوى الكفاف.

ويبدو أن العدالة الإجتماعية رحلت..مع رحيل جمال عبد الناصر

 

وفي مجمل الأحوال فإن الملائكة لا يسكنون الأرض ، والرجل الكبير ــ رحمه الله ــ خاض تجربة متفردة في تاريخ مصر والأمة العربية.. وللتجربة إيجابيات وسلبيات ، ولكنه حاول أن يحدد ملامح المشروع العربي الكبير، وهو يحمل هموم أمته ، قاصدا العبور إلى مرحلة التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي ، وقد كان عظيما مع كل المحاولات .. ولأنه لا يمكن إلا أن يكون هكذا.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]