حادثتا انتحار هروبا من «الفقر والجوع»، فجرت مشاعر السخط والغضب داخل الشارع اللبناني، بينما تردد الدوائر السياسية والإعلامية في بيروت « لم نكن نصدّق أن ثمة في لبنان من يموت من الجوع».. ويشير المراقبون في لبنان إلى أن «المجهول» يفتح أبوابه أمام لبنان الذي أصبح يواجه خيارات صعبة ويقف أمام مفترق طرق دون حل.
حادثتا انتحار في يوم واحد
ما حدث في لبنان ـ أمس ـ تجاوز كل التوقعات، حادثتا انتحار في يوم واحد: ربّ عائلة ينتحر برصاصة في شارع الحمرا بسبب العوز والفاقة، وعجزه عن تأمين لقمة العيش لعائلته، وآخر يسير على الطريق نفسه، ويغادر معاناته الموجعة بشنق نفسه بحبل، بعد أن غرق في بحر الأزمات التي تتقاذف البلاد والعباد، ويقول تقرير صحيفة اللواء اللبنانية، أدركنا في الأشهر الأخيرة أن نسبة الفقر تضاعفت أكثر من مرة، وأن الطبقة الوسطى سقطت بسرعة صاروخية إلى خط الفقر، وأن عجز الحكم الحالي، عن معالجة الأزمات المزمنة والطارئة، وخاصة هذا التخبط المعيب في التعامل مع صندوق النقد الدولي، واستمرار التراجع في سعر صرف الليرة اللبنانية، سيجر الويلات على البلد.
اللبنانيون سئموا كل السياسيين
لبنان يغلي بالسخط، بحسب تعبير الباحث السياسي اللبناني، عمّار نعمة، واللبنانيون باتوا يتلقون بلامبالاة وبكثير من السخط السجال الدائر حول تغيير حكومي أو تعديل وزاري. هم سئموا السياسيين بمختلف ألوانهم وبات كل ما يهمهم اليوم يتمثل في كيفية مواجهة أعباء الأزمة الاجتماعية والاقتصادية المستفحلة وواقعهم المزري، ومواجهة متطلبات الحياة الكريمة في ظل الارتفاع الهائل في الأسعار الذي يمس أسس معيشته ومتطلبات الحياة.
التمرد أو العصيان
ويرى المحلل السياسي الروسي الشهير، الكسندر نازاروف، في مقال بموقع روسيا اليوم، أن كل ما يتردد في لبنان، من وعود حول ضرورة الإصلاحات الاقتصادية التي سوف تنقذ لبنان، ليس سوى عبارات إنشائية «فارغة»، فلا شيء يمكنه أن يعيد لبنان إلى مستوى معيشته السابق، وحتى القروض والمساعدات الأجنبية لن تفعل سوى أن تؤجل الكارثة لفترة قصيرة للغاية.
إن الإصلاح الاقتصادي الواقعي الوحيد المطروح على الحكومة اللبنانية هو خفض الليرة اللبنانية إلى مستوى يوازن التجارة الخارجية، بمعنى أن تنخفض الواردات إلى قيمة تساوي الصادرات. أي أن إنشاء «توازن صفري» أو إيجابي للتجارة الخارجية والمدفوعات وحده هو ما يمكن أن يوقف الليرة عن استمرار انهيارها، وهو ما يعني خفضا كارثيا لمستوى المعيشة، وإجبار المواطنين على تقليل الاستهلاك بعدة أضعاف، وهو ما قد يدفع للتمرد والعصيان.
قد يكون هناك جانب آخر حتمي وضروري للإصلاح الاقتصادي الحقيقي، وهو التخلف عن سداد الديون. ولكن طالما أن الحكومة تسعى إلى الحصول على مساعدات غربية، يصبح من غير المرجح ألا تتخذ خطوة كهذه حتى تفلس تماما.
خياران لا ثالث لهما !!
ويقول « نازاروف»، لبنان يقف أمام مفترق طرق، ولا أرى أمامه سوى خيارين لا ثالث لهما:
- الأول، يتطور الوضع اللبناني من تلقاء نفسه. يرفض الغرب منحلبنان القروض التي يطلبها، لحاجته إلى تدمير حزب الله، حتى لو حدث ذلك على حساب تدمير لبنان نفسه. وتستمر الليرة اللبنانية في الانخفاض، وتزداد معدلات الفقر في البلاد، وينهار الاقتصاد بشكل تلقائي..
وربما تسقط الحكومة الحالية، وحتى قد لا يكون لحزب الله تأثير حاسم في الحكومة الجديدة، لكن الحكومة الجديدة هي الأخرى لن تحل المشاكل، ولن تلبث إلا أن تسقط هي وما يليها من حكومات، حتى تصل الليرة والاقتصاد اللبناني إلى توازن جديد في مكان ما بالقاع.
- الخيار الثاني، أن تضع الحكومة البلاد في وضع اقتصاد تعبوي. .إنه ذلك الاقتصاد الذي تركز فيه الدولة كل موارد المجتمع في أيديها لتحقيق هدفين: دحض العدوان الخارجي، وتوفير الحد الأدنى المقبول من متطلبات المعيشة في ظل الظروف القاسية.
والخيار الأول، يطرح سؤالا حول كيفية النظر إلى أي قمع للاضطرابات، دون ضمان اتباع نهج متساو لجميع المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والطائفية؟ وسيكون من الصعب للغاية على دولة لديها مثل هذه الخلفية والتاريخ والتكوين العرقي الطائفي أن تتجنب انزلاق إجراءات قمع الاحتجاجات الاجتماعية واسعة النطاق إلى جحيم الحرب الأهلية.
أما الخيار الثاني، فهو يتضمن نظاما صارما من أجل الاستقرار أيضا.. ويصبح السؤال: هل يمكن تقديم الدعم للفقراء على حساب الأغنياء، وإجراءات أخرى مماثلة إلى تقليل احتمالات أو على الأقل خفض مستوى الاحتجاجات في لبنان؟ أعتقد نعم.
«الاشتراكية» اللبنانية
ويضيف الباحث السياسي الروسي: من الواضح لي، أن أي محاولة ناجحة من قبل لبنان للخروج من الأزمة، ستشمل مجموعة واسعة من الإجراءات التي لا يمكن وصفها سوى بالاشتراكية – ضمانات اجتماعية واسعة النطاق من الدولة، تخفيف الأعباء عن الفقراء على حساب الأغنياء، وتأميم بعض قطاعات الاقتصاد ـ وإذا نجا لبنان من الأزمة الحالية، فسوف يتحول لفترة، إلى ما يمكن وصفه بالأكثر اشتراكية مما هو عليه الآن.
الشارع سيتحرك لإسقاط الحكومة
ويرى سياسيون ومحللون لبنانيون، أن الحكومة الحالية تحمل جزاء كبيرا من أسباب الأزمة التي تخنق لبنان، ورغم أن غالبية الشرائح الشعبية لم تتوسم الكثير من الحكومة الحالية، إلا أنها تأملت منها أن تشكل نقلة عن الحكومات الماضية. لكن هذه الحكومة التي ارتدت لبوساً تكنوقراطيا، سرعان ما كشف تحاصص المناصب بين السياسيين النقاب عن مكنونها.ز ويقول عمار نعمة، في ظل بلد يغلي بالسخط، اختارت مجموعات الانتفاضة الشعبية في غالبيتها، إعطاء حكومة الرئيس حسان دياب فرصة، وهذا ما حصل عند غالبية الناشطين على الأرض، حتى شمل الرأي الجميع مع هبوب وباء «كورونا» الذي وفر فرصة إضافية للحكومة للعمل حتى انتهت فترة السماح لها من دون إنجازات تُذكر إذا ما استثنينا المجال الصحي الذي قارعته بنجاح.
- لكن فترة السماح تلك فاقمت من سوء الوضع العام في ظل ارتفاع سعر صرف الليرة ومعه الأسعار التي بلغت مستويات قياسية.. وقد دفع سوء الأمور بمجموعات المنتفضين الى العودة الى الشارع الذي سيشهد تزخيما للتحركات وتنوعا في وسائل الضغط لإسقاط الحكومة والإتيان بحكومة مستقلين تتماهى مع مطالب حركة 17 أكتوبر/ تشرين الأول.
مصير الحكومة بيد من: الشعب أم حزب الله ؟
من الواضح، أن كل القوى اللبنانية والدولية تعزف على نغمة تغيير حكومة حسان دياب، بحسب الباحثة السياسية اللبنانية، منال زعيتر، ولكن هناك ثابتة أساسية لا يمكن لواشنطن وحلفائها تجاوزها وعنوانها أن الثنائي الشيعي والقوى الداعمة له داخليا ودوليا لن يفاوضوا حول اية حكومة لتخلف حكومة دياب اذا كان احد الشروط استثناء حزب الله من المشاركة فيها حتى لو وصل سعر صرف الدولار الى ١٠٠ ألف ليرة وزادت الضغوطات على لبنان بكل أشكالها السياسية والاقتصادية والأمنية.
وعليه، أكدت مصادر مؤثرة في تحالف 8 آذار (حزب الله، حركة أمل، تيار المردة، والتيار الوطني الحر)، أن حكومة دياب ما زالت وستبقى موجودة وبدعم كامل من الثنائي الشيعي حتى ايجاد بديلة بشروط الثنائي ومشاركة الحزب.. من هنا يمكن الجزم أن بدء التفاوض الجدي لايجاد اخراج مناسب لاقالتها والبحث عن البديل يبدأ من هذه النقطة، وكل طرح خلاف ذلك مرفوض.