في مواجهة خلافة “داعش”.. القاهرة تصدر “الإسلام وأصول الحكم”
في عشرينيات القرن الماضي، حيث الخلافة العثمانية تلتقط أنفاسها الأخيرة، بعد أن أجهز عليها المستعمر الأوروبي وقطع أوصال الإمبراطورية النائمة، وبينما الإنسان في الجهة الأخرى من العالم يتطلع إلى مزيد من التقدم، تلهف حكام الدول المحتلة لإحياء الخلافة مرة أخرى، حتى ولو تحت الاحتلال، حينها وتحديدا في العام 1925، صدر كتاب لواحد من علماء الأزهر، يعمل قاضيا بالمحاكم الشرعية، عنونه بـ”الإسلام وأصول الحكم: بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام”، وموقع باسم مؤلفه الشيخ علي عبد الرازق.
وما أن صدرت طبعته الأولى، حتى شبت معارك حقيقة طاحنة، قلما شهدت ساحات الثقافة العربية مثلها، ليظل الكتاب محاصرا من قبل السياسي والديني، حتى عام 1966، الذي شهد صدور طبعة جديدة في بيروت، لتتوالى بعدها الطبعات، حتى إصدار القاهرة لطبعة جديدة مؤخرا، من تقديم: السفير ممدوح عبد الرازق، وتقع في 183 صفحة، من القطع المتوسط، ضمن سلسلة الأسرة التي تصدرها الهيئة العامة المصرية للكتاب.
مثّل صدور الكتاب، والمعارك التي تلته، خطوة في مسار الصحوة الوطنية التي اشتد عودها، وصار لها خطاب ذو خصوصية، لا يتكلم لغة الماضي، ولا يتمثل فكر المستعمر، وساندت الكاتب في مواجهته، مثل عباس العقاد وسلامة موسى وغيرهم، حتى أن وزير الحقانية آنذاك عبد العزيز باشا فهمي، استقال احتجاجا على ظلم الدولة لــ”عبد الرازق”.
رأى “الديني”، الذي تمثل حينها في هيئة كبار علماء الأزهر، أن “عبد الرازق” ضال، يهدد “السلطة الشرعية” ممثلة في الباب العالي، ووجهت إليه 7 تهم منها: أنه جعل الدين لا يمنع من أن جهاد النبي كان “في سبيل الملك لا في سبيل الدين، وأنه اعتبر نظام الحكم في عهد النبي موضوع غموض أو نقص وموجبا للحيرة، فضلا عن اعتبار مهمة النبي بلاغا للشريعة مجردة عن الحكم والتنفيذ، وأنكر أن يكون القضاء وظيفة شرعية، واعتبر حكومة أبي بكر والخلفاء الراشدين من بعده كانت لا دينية.
على جبهة أخرى، قريبة من رجال الدين، رأى “السياسي”، ممثلا في الملك فؤاد الأول، الحالم بالخلافة، تهديدا مباشرا لطموحه في انتقال العرش من تركيا إلى مصر، فتحالف مع هيئة كبار العلماء، وأصدروا قرارا بفصل “عبد الرازق” من المحاكم الشرعية، وإخراجه من الهيئة.
ويتزامن صدور الطبعة الجديدة من “الإسلام وأصول الحكم” مؤخرًا، مع اصطفاف وزراء الثقافة بالدول العربية الإسلامية، هذه الأيام بالعاصمة العمانية مسقط، خلال مؤتمر الإيسيسكو لوزراء الثقافة التاسع، لمواجهة الأفكار التي تؤسس للإرهاب وثقافة التطرف، وتهدد الثقافة العربية، ومستقبل دول المنطقة، بينما تتطلع “داعش” إلى إقامة خلافة إسلامية، لا تعترف بواقع الدول الموجودة أو ثقافتها، بل وتنتهك معالم الحضارة.
ويضم الكتاب 3 أجزاء، الأول يحتوي على فصول: الخلافة والإسلام، الخلافة وطبيعتها، حكم الخلافة، الخلافة من الوجهة الاجتماعية، ويحتوي الثاني على: الحكومة والإسلام، نظام الحكم في عصر النبوة، الرسالة والحكم، رسالة لا حكم ودين لا دولة، كما ضم الثالث فصول: الخلافة والحكومة في التاريخ، الوحدة الدينية والعرب، الدولة العربية، الخلافة الإسلامية.
