بدأت وتيرة الصدام تتصاعد بين قبائل سيناء، وعلى رأسها قبيلة الترابين، وتنظيم داعش الإرهابي المتمركز في سيناء، ووصلت الأوضاع بين الطرفين إلى طريق مسدود، لاسيما في منطقة جنوب رفح، بعد قيام عدد من المنتمين لقبيلة الترابين بالسيطرة على مداخل ومخارج قرية البرث والسوق الخاص بها، الذي كانت تستخدمه عناصر التنظيم للحصول على احتياجاتها، وبدأت سيارات تابعة للقبيلة تطوف شوارع القرية، وتقوم بعمل أكمنة وتلاحق عناصر التنظيم في منطقة الصبات والعجراء، جنوب رفح.
بدورها، أصدرت عشائر قبيلة الترابين بيانا شديد اللهجة، دعوا فيه عقلاء وحكماء القبائل البدوية في محافظة شمال سيناء، بالتواجد الفعلي في الميدان وتشكيل ما سموه خلية مشتركة لإدارة الأزمة على الفور وصف جهود القبائل لرأب الصدع، الذي قد يتسلل ويهدد استقرار المكان.
وشدد بيان القبيلة على أنهم غير عاجزين عن الرد على التجاوزات التي تحدث من قبل داعش ضد قبيلتهم، لكنهم ينتظرون الوقت المناسب للرد، مؤكدين أن أي اعتداء على أبناء القبائل، هو جرم مشهود وليس له سند أو نصير من أي من القبائل، وأن حرمة بيوت العشائر هي خط أحمر لا يقبلون أن تنتهك، كما أن العلاقة بين القبائل السيناوية قوية وراسخة، ولن تستطيع البنادق المأجورة ولا مخططات الموساد الإسرائيلي أن تخترقها.
ووجهت الترابين تحذيرا شديد اللهجة لمن سمتهم بثلة الدخلاء من ولاية سيناء أو أكناف بيت المقدس أو غيرهم، مؤكدين أن تصرفاتهم لا تمت للإسلام بصلة، وأن أحكامهم وأفكارهم هي محض افتراء، لكن من يدخل بيوتهم وينتهك حرمتهم من داعش ويقتل أبناء القبيلة فقد صار لدي القبيلة مهدور الدم بعلم الجميع، لا دية له ولا حق ولا مسكن ولا مأمن ولا ملاذ هو ومن يسانده ويدعمه، مؤكدين في الوقت ذاته على تثمينهم لدوروجهود الحكومة المصرية وجيشها في ترسيخ الأمن ومحاربة الإرهاب وعواقله في كافة أنحاء الجمهورية.
الصدام بين الترابين وداعش قد يكون وصل إلى مراحله الأخيرة، بعد وصول المسار بينهم إلى نفق مظلم، لاسيما بعد عدد من الوقائع التي حدثت بينهم خلال الأيام الماضية، انتهت بقيام قبيلة الترابين بحرق أحد أعضاء داعش حيا، ردا على قيام التنظيم بقتل اثنين من أبناء القبيلة وحرق سيارتين محملتان بالسجائر تخص أحد أبناء القبيلة، الأمر الذي قابلته القبيلة بإلقاء القبض على 4 من أعضاء التنظيم من سوق البرث وحرق أحدهم.
ورد التنظيم بتفجير سيارة مفخخة في كمين لأفراد من قبيلة الترابين، أسفر عن مقتل 40 من أبناء القبيلة وإصابة آخرين، الأمر الذي قابلته الترابين بتجهيز شبابها وعدد من سيارات الدفع الرباعي ومطاردة التنظيم والدخول معهم في صدام مسلح مباشر.
حالة الشد لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة بين القبيلة والتنظيم، فبين الفترة والأخرى تحدث بينهما، اشتباكات وصدام مسلح، أثر تمادي التنظيم في معاداة القبيلة وأفرادها، الأمر الذي جعل الأخيرة في حال استنفار متواصل لصد اعتداءات التنظيم المتكررة – بحسب ما ذكرته مصادر سيناوية.
وسبق أن قام تنظيم داعش الإرهابي بقتل المواطن محمد شتيوي من قبيلة الترابين، الذي يبلغ من العمر 57 عاما أمام نجله واستولوا على سيارته، بحجة تعاونه مع الأجهزة الأمنية، حيث أطلقوا 3 رصاصات عليه أدت إلى مقتله في الحال، عقب نزول من سيارته.
صراع التنظيم مع القبيلة لم يكن خلال هذه الأونة فقط، ففي عام 2015، استنفرت القبيلة أفرادها ضد التنظيم الأرهابي بعد قيامهم بقتل أحد أفراد القبيلة، بعد قيام التنظيم بتوزيع بيان تهديد ووعيد للأهالي في العريش ورفح بعدم الاستجابة لقبيلة الترابين والخروج معهم لقتال التنظيم.
وبالفعل بدأت القبيلة هجماتها ضد التنظيم بعد مقتل عبد الباسط الأسطل أحد أفراد القبيلة، وتدمير منزل رجل أعمال بالقبيلة يدعي إبراهيم العرجاني، حيث قام شباب من القبيلة باقتحام منطقة العجراء الصحراوية، جنوب رفح، وأشعلوا النيران في مخابئ وعشش لعناصر التنظيم.
وأكدت مصدر من قبيلة الترابين لـ”الغد” حقيقة ما حدث ليلة أمس بين قبيلة الترابين وبين لأعضاء التنظيم الإرهابي، مؤكدا أن القبيلة لن تتهاون ضد التنظيم، وهي قادرة على ردعة، وتوقيفه عند حده، لأنه تخطي كل الحدود – بحسب وصفه.
وأشار المصدر، الذي فضل عدم نشر اسمه، إلى أن التنظيم قام خلال الشهر الماضي بقتل أحد أبناء القبيلة ورمز من رموزها، فضلا عن قيامه بفرض الإتاوات، وانتشار أعضاء في السوق بين الناس، وهو ما استفادت منه القبيلة وقامت بإحكام السيطرة على السوق والاشتباك مع التنظيم وتكبيده خسارة فادحة والقبض على 3 من عناصره.
من جانبه، قال الدكتور عبد الرحيم عمير، أمين شؤون القبائل العربية بشمال سيناء، إن أفرادًا من قبيلة الترابين قتلوا بأيدي الإرهاب في شمال سيناء، وإن الجميع يعلم أن أبناء سيناء يتعاونون مع القوات المسلحة المصرية من أجل القضاء على الإرهاب، ولكن هناك حقيقة أنه في بعض الأحيان قد لايكون التعاون ظاهراً بشكل واضح، لافتا إلى أن قبيلة الترابين شنت حربًا على الإرهابيين في سيناء ثأراً لقتلاها.
وأضاف عمير، في تصريح لـ«الغد»، أن عملية القضاء على الإرهاب في شمال سيناء استغرقت وقتا أطول مما هو مطلوب، نظرا لتعامل القوات المسلحة المصرية مع عدو غير نظامي يتخفى وسط المدنيين، لافتا إلى أن الجيش المصري حريص تماماً على حياة المدنيين، وهو ما يصعب تلك المهمة، معربا عن آماله في القضاء على الإرهاب في أقرب وقت، بالتعاون مع المخلصين من قبائل سيناء، مشدداً على أن قبيلة الترابين تقود مبادرة لتوحيد قبائل سيناء ضد الإرهابيين، مشددًا على أن العلاقة بين قبائل سيناء والجيش المصري لها خصوصية شديدة.
