وسط إجراءات أمنية مشددة وغير مسبوقة في فنلندا، من الحدود إلى إغلاق المجال الجوي فوق هلسنكي، تبدأ ظهر اليوم قمة الساعات الثلاث بين رئيسي القوتين الأعظم، روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية، «بوتين ـ ترامب»، بغداء عمل فى القصر الرئاسى «الأصفر»، يعقبها على الفور الاجتماع الثنائي، لمناقشة مجموعة من الملفات الدولية، وسط سقف منخفض من التوقعات، وإقرار بدور روسيا العالمي، وفي أول قمة تمثل حقل ألغام سياسي محتمل في الداخل بالنسبة لترامب، بينما تمثل انتصارا جيوسياسيا لنظيره الروسي.
توقعات منخفضة
جدول أعمال القمة مفتوح، وغير محدد، والتوقعات أيضا محدودة، وبحسب تعبير وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فإن توقعاته منخفضة أيضا، وإنه سيعتبر القمة ناجحة لو تمخضت فقط عن اتفاق لإصلاح خطوط الاتصالات التي انقطعت بين الجانبين..وهو ما يتفق مع تصريح الرئيس الأمريكي «ترامب»، إنه سيدخل القمة «بتوقعات منخفضة».. بينما قال جون بولتون، مستشار ترامب للأمن القومي، إن الولايات المتحدة لا تتطلع لتحقيق «إنجازات» وإن الاجتماع لن يكون منظما!!
قمة الكلمات الطيبة !!
والواضح أن الطرفين لا يتوقعان أن تتمخض القمة عن انفراجات كبرى باستثناء الكلمات الطيبة والاتفاق على إصلاح العلاقات الأمريكية الروسية المتدهورة، وربما التوصل لاتفاق بشأن بدء محادثات في قضايا مثل الأسلحة النووية وسوريا..وقد يتفق الزعيمان، اللذان امتدحا قدرات بعضهما البعض القيادية عن بعد، على بدء زيادة عدد العاملين في سفاراتي بلديهما وعودة الممتلكات الدبلوماسية المصادرة بعد موجة من الطرد والتحركات العقابية في أعقاب تسميم جاسوس روسي سابق في بريطانيا.
ويبقى أبرز ما يتصل بقمة «ترامب ـ بوتين» : وهو قلق أوروبي..و «مخاوف وارتباك» الإدارة الأمريكية:
- والقلق الأوروبي، يرجع إلى خشية عقد أي صفقات منفردة مع روسيا على حساب الحلفاء الغربيين للولايات المتحدة..كما تخشي عواصم أوروبية أن تشهد قمة ترامب وبوتين اعترافا من الرئيس الأمريكي بضم روسيا لشبه جزيرة القرم وهو ما سيساعد علي رفع العقوبات المفروضة علي موسكو.. وحذر وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، الرئيس ترامب من مغبة عقد أي صفقات منفردة مع روسيا، دون تنسيق مسبق مع أوروبا..ويشعر حلفاء واشنطن وساستها بالقلق من أن يقدم ترامب تنازلات كبيرة متسرعة..ويعتقد بعض الساسة في الغرب أن القمة ستنعقد خلال واحد من أهم مفترق الطرق للغرب منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 كما يخشى بعض حلفاء حلف الأطلسي من أن بوتين قد يسعى لإبرام اتفاق كبير يقوض الشراكة عبر الأطلسي.
- أما «مخاوف وارتباك» الإدارة الأمريكية، ترجع إلى خشية سيطرة «شخصية» الرئيس بوتين على الرئيس ترامب، والذي لا يجيد لعبة المفاوضات، وحث 6 من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين في رسالة، الرئيس ترامب، علي عدم التفاوض مع بوتين القوي بمفرده..كما أبدى كبير الديموقراطيين في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي، مارك وارنر، قلقه من ترامب خلال لقائه بوتين اليوم.. وقال السيناتور وارنر من ولاية فرجينيا،«نحن نعلم أن ترامب لا يقوم بالكثير من العمل التحضيري لهذه الاجتماعات». ويشير وارنر إلى خلفية بوتين في جهاز الاستخبارات الروسي (كي. جي. بي.)، مبدياً خشيته من «استغلال» بوتين ترامب خلال القمة.. وقال «يجب أن يكون هناك آخرين مع ترامب في الغرفة».
ووفق مصادر رسمية فلندية، سيعقد الرئيسان في البداية لقاء ثنائيا مع المترجمين الفورين فقط في القصر الرئاسي قبل أن ينضم إليهما أعضاء وفديهما علي مائدة الغداء. ويختتم اللقاء بمؤتمر صحفي مشترك.. وبينما تؤكد التصريحات التي سبقت القمة، أن الزعيمين سيتطرقان إلى قضايا أساسية أهمها: أوكرانيا، القرم، حلف شمال الأطلسي، ملف الأسلحة الإستراتيجية، سورية، الملف النووي الإيراني، والتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية 2016. ومن المنتظر أن يبحث الزعيمين ملفات اأخرى منها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأفغانستان، وبعبارات عامة مكررة..ويرجح أن يتطرقا إلى مواضيع اقتصادية مثل العقوبات الغربية على روسيا والنفط.. ومن المؤكد أن روسيا لن تمانع في تكرار عدم تدخلها في الانتخابات الأمريكية، والتأكيد أنها لن تتدخل مستقبلاً.
وفي حين يُرجح أن تتواصل الخلافات بين ترامب وبوتين، حول الملف النووي الإيراني، فإن موسكو تسعى إلى منع انزلاق الأمور إلى حرب ضد طهران.. أما ملف أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، فمن المتوقع ، كما يرى خبراء في موسكو، أن يحدث اختراق جزئي في الملف الأوكراني. فمع إصرار الجانب الروسي على رفض التراجع عن ضم «القرم» ومراهنته على الزمن في أن يرضخ الأوروبيون للأمر الواقع، يمكن أن يبحث الطرفين السبل للبدء بحل سياسي مع تعهد روسي بعدم التدخل في شؤون أوكرانيا يتضمن حكماً ذاتياً لمنطقة «دونباس» وحل موضوع المراقبين على الحدود مع روسيا وإنهاء العمليات العسكرية وتبادل الأسرى والبدء بإعادة دمج شرق أوكرانيا وإعادة إعماره مقابل تخفيف تدريجي على مراحل متوازية عن العقوبات المفروضة على روسيا.
