نؤكد الدوائر السياسية في بيروت، أن رئيس الحكومة الأسبق، سعد الحريري، بدأ يسترد ما خسره في الشارع اللبناني، منذ استقالته قبل عام تقريبا، في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، تحت ضغط مطالب الشارع اللبناني في ظل الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي وصفت بـ «ثورة تشرين» في لبنان.
الحريري بدأ مشاروراته الخاصة
الحريري الذي جاء إعلانه مفاجئا للجميع، بأنه «المرشح الطبيعي» للحكومة، من المقرر أن يبدأ مشاوراته اليوم، مع رؤساء الحكومة السابقين «نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام»، للتنسيق معهم بشان مرحلة ما بعد ترشحه، وسيتشاور أيضاً مع نواب كتلتة «المستقبل» ليبدأ بعدها المشاورات بدءاً من مطلع الأسبوع المقبل، مع الكتل النيابية، لتوفير الضمانات السياسية والاقتصادية التي من دونها لا يمكن التعويل على المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان بوقف الانهيار المالي والاقتصادي وقطع الطريق على تدحرج البلد نحو الزوال.
مؤشرات ايجابية على طريق الترشح
وداخل المشهد السياسي اللبنانين تبدو الصورة ايجابية لصالخ مساندة ترشح «الحريري» لرئاسة الحكومة، ويتردد في بيروت، أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، سيتجاوز السجال بينه وبين الحريري وسيبقى داعماً لتسميته في الاستشارات النيابية، وفي نفس الوقت، هناك محاولات جارية بعيداً عن الأضواء، لتبريد الأجواء بين الحريري، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع..أما بالنسبة إلى «حزب الله» فإنه يدرس موقفه على خلفية عدم اختلافه مع حليفه زعيم حركة امل ورئيس مجلس النواب، نبيه بري. برغم أن «بري»، كما تقول أوساطه، بادر إلى الترحيب بقرار «الحريري».
«قنبلة الحريري» السياسية
مراقبون وصفوا قرار «الحريري» المفاجىء، بأنه «قنبلة سياسية» حقيقية، وسط الركام والفراغ السياسي والأزمتين الاقتصادية والصحية المستحكمتين في لبنان، بحسب تعبير الباحث والمحلل السياسي اللبناني، إياد أبو شقرا.
ولكن ما يستوقف المحلل السياسي الجاد هو: كيف تحوّل رأي سعد الحريري، الزاهد في السلطة، عندما استقال مع حكومته تجاوباً مع انتفاضة الشارع في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي؟.
أسباب تغير موقف الحريري والعودة لترشحه لرئاسة الحكومة
ويرجع «أبو شقرا» تحول موقف الحريري إلى ثلاثة أمور مهمة جداً، بالتوازي مع الانهيار المالي والاقتصادي السريع، بما في ذلك السقوط الحر لسعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي.
- الأول، أنه بعد استقالة الحريري، ذهب الشعار الثوري (كلّن يعني كلّن) أدراج الرياح..إذ لم تسقط الانتفاضة إلا الضلع الأضعف في {ثلاثي الحكم}، أي رئيس الحكومة السنّي، في حين لم يكتف الضلعان الآخران، أي رئيس الجمهوري المسيحي ورئيس البرلمان الشيعي، بتثبيت موقعيهما، بل عمدا أيضاً إلى فرض رئيس حكومة سنّي من خطهما السياسي.
- والثاني، هو جائحة {كوفيد-19} التي ضربت لبنان، كما ضربت العالم أجمع في مطلع العام 2020. إلا أن الفارق هنا كان مفاقمة الجائحة وتداعياتها هشاشة الوضع المعيشي اللبناني. وكان تأثير الجائحة قاتلاً للقطاع السياحي وغيره من قطاعات الخدمات، وتأثير كارثي على التحويلات المالية والاستثمارات.
- والثالث، التفجير في مرفأ بيروت، يوم 4 اغسطس/ آب الماضي، الذي قتل نحو 200 شخص وجرح حوالي 5 آلاف، ودمّر نحو نصف مباني العاصمة ملحقاً خسائر في العقارات فقط قدّرها بما يقارب 5 مليارات دولار أو يزيد.
وهكذا، كان لا بد من مبادرة ما مع تسارع الانهيار والاستعصاء في بلد جريح مفلس، بلا حكومة، ولا ثقة مالية، وجيوش من المواطنين الحالمين بالهجرة، في منطقة هي أصلاً على مفترق طرق سياسي وأمني.
ترشح الحريري تزامن مع مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل
وبينما يرى الخبير اللبناني، محمد شفير، أن ترشح الحريري لرئاسة الحكومة، يأتي متلازماً مع بدء المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية لترسيم الحدود البرية والبحرية برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أمريكية لحل النزاع حول النقاط المختلف عليها، وستتمثل واشنطن في الجولة الافتتاحية التي تسبق بدء الاستشارات النيابية بمساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر الذي سيصل بيروت الثلاثاء المقبل للقاء قيادة الجيش وعدد من أركان الدولة تحضيراً لانطلاق الجولة الأولى.
توقعات انفراجة اقتصادية
وفي هذا السياق نقل «شقير» عن قطب سياسي لبناني، بأن الجميع يرحبون ببدء مفاوضات ترسيم الحدود، وكان يُفترض أن تنطلق قبل 3 سنوات، أما وأنها ستنطلق الأربعاء المقبل فإن لبنان يعلق عليها أهمية كبرى لما سيترتب على إنجاز عملية الترسيم من نتائج من شأنها أن توقف الانهيار الاقتصادي لأنها تتيح للبنان الإفادة من بدء التنقيب عن ثرواته من نفط وغاز في هذه المنطقة، كما أن ترسيم الحدود يتلازم مع ما يتردد من معلومات بأن واشنطن تنوي تجميد العقوبات التي كانت ستفرضها على شخصيات لبنانية من دون أن تسحبها من التداول، وهذا ما يريح الفريق المتحالف مع «حزب الله» شرط أن يبادر إلى تسديد دُفعة سياسية على الحساب تتعلق بتسهيل ولادة الحكومة الجديدة.