استقبلت دول غرب القارة الأفريقية اللبنانيين قبل 100 عام تقريبا، بينما استقبلتهم أمريكا اللاتينية في أربعينيات القرن الماضي، وهم من أصبحوا اليوم في مراكز قوة ونفوذ اقتصادي في القارتين.
تذكر مصادر تاريخية، أن الهجرات اللبنانية إلى غرب أفريقيا تزايدت قبل عام 1918، إلا أنها فعليا بدأت في القرن التاسع عشر، حيث هاجرت مجموعات لبنانية كبيرة إلى دول مثل غانا، التي سميت بـ«ساحل الذهب»، وفي 1880 وصل أول مهاجر لبناني إلى «مقاطعة سيراليون»، وقتما كانت تحت الانتداب البريطاني.
وفي أمريكا اللاتينية عرف «الثوريون العرب» وأغلبهم لبنانيون بمساهمتهم الكبيرة في إنجاح الثوارت ومساندتها في بوليفيا وكوبا والأرجنتين والإكوادور، التي عيّن فيها اللبناني خوليو ثيودورو سالم أول رئيس للجمهورية بعد نجاح ثورة 1944.
نشر المذهب الشيعي
وصل تعداد اللبنانيين في غرب أفريقيا في بداية الألفية الجديدة إلى مئات الآلاف، وبحسب مؤرخين فإنهم ساهموا في نشر المذهب الشيعي في أرجاء الدول التي استقبلتهم، ويشكل الإسلام ديانة غالبية سكان هذه المنطقة البالغ عددهم 250 مليون نسمة.
ووفقا لما أشارت إليه صحف ووسائل إعلام عربية عام 2010، فإن 7 ملايين مسلم شيعي في غرب أفريقيا، وبحسب إحصائيات شبه رسمية، فإن معظمهم كانوا من السنة ثم تحولوا للتشيع على يد رجال الدين التابعين لحزب الله وإيران على حد سواء.
وبحسب مركز نماء للبحوث، ومقره العاصمة السعودية الرياض، فقد تحولت دول غرب أفريقيا إلى مراكز نشر التشيع و«تشييع السنة»، وهي دول: غامبيا، نيجيريا، النيجر، بنين، بوركينا فاسو، توغو، سيراليون، غانا، غينيا بيساو، غينيا كوناكري، ليبيريا، موريتانيا، ساحل العاج، السنغال، مالي.
وكان أول مركز إسلامي في غرب أفريقيا في السنغال أنشأه تلميذ المرشد الأعلى للثورة الإيرانية روح الله الخميني عام 1978، أي قبل نجاح الثورة في اعتلاء كرسي الحكم في طهران بأقل من عام، وتتخذ هذه الثورة مبدأ شهيرا هو «تصدير الثورة» للعالم.
اقرأ أيضا: العلاقات السودانية الإيرانية.. عودة للقطيعة
وفي أمريكا اللاتينية، التي وجدت ضالتها في التحالف مع إيران، كان المد الشيعي أقل أهمية بالنسبة لطهران وحزب الله في حين كانت المصالح السياسية والاقتصادية شغلهما الشاغل.
«مرتزقة» في سوريا واليمن
اتهمت فصائل معارضة سورية حزب الله بالاستعانة برتزقة أفارقة للقتال في أرجاء سوريا بعدما بات تدخله في سوريا مؤكدا قبل عامين، ونقلت صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية عن مصدر بارز، رفض ذكر اسمه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن المسلحين على بعض الجبهات رصدوا تواجد أفارقة في صفوف حزب الله.
وبعد سيطرة مقاتلي فصائل المعارضة المسلحة على منطقة جسر الشغور شمال البلاد، نقل راديو سوريا الحرة مقطع فيديو يوثق جثث قتلى لمرتزقة أفارقة في صفوف الجيش السوري وميليشيا حزب الله الموالية له، وقال مصدر موثوق: «بعد ملاحقة المسلحين لهؤلاء في المنطقة قتل عدد كبير منهم في اشتباكات وكانوا أفارقة».
وفي اليمن في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اتهم محافظ شبوة عبدالله النسي المتمردين الحوثيين بنقل مقاتلين أفارقة إلى مناطق نفوذهم وجبهات القتال في البلاد، مشيرا إلى أنهم نقلوا عبر ميناء بلحاف لتصدير النفط ثم إلى صنعاء.
إلى حيث «الثروة الدفينة»
تجمع علاقات سياسية وثيقة إيران بغالبية دول غرب أفريقيا وأمريكا اللاتينية، خاصة فنزويلا الغنية بالنفط، إلا أن العقوبات الأمريكية والدولية على طهران دفعتها لاستخدام حزب الله كذراع لها في تلك الدول.
أشارت وسائل إعلام ومسؤولين أمريكيين رسميين إلى تغلغل رجال أعمال حزب الله في دول غرب أفريقيا ونقلت وكالات أنباء أمريكية وعالمية أن 90% من اللبنانيين في هذه المنطقة مسلمون شيعة يسيطرون على 70% من اقتصادها الصناعي، وأوضحت أن هؤلاء يعملون في مجال تملك الأراضي والمناجم الغنية بالمعادن الثمينة كالماس والنفط وغيرها.
وصنفت الولايات المتحدة الأمريكية القياديان في حزب الله: قاسم تاج الدين و عبد المنعم قبيسي ضمن قائمة الإرهاب، فالأول رجل أعمال يحمل الجنسية السيراليونية وتبرع بعشرات الملايين من الدولارات للحزب، وتعاون مع أشقائه في إدارة شركات تابعة للحزب في عدة دول بغرب أفريقيا، واعتقل في بلجيكا عام 2008 بتهم الاحتيال وتبييض الأموال وتهريب الماس، بينما قام الثاني بجمع تبرعات كـ «ممثل شخصي» للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله فى كوت ديفوار واستخدم سلطته لتجنيد أعضاء جدد للحزب في هذا البلد.
وفي أمريكا اللاتينية لم يكن حزب الله بعيدا عن اللعب سياسيا واقتصاديا منذ ما يقرب من عقدين، حسبما ذكره معهد واشنطن بدراسات الشرق الأدنى، ففي 1994 أعلن المدعي العام في الأرجنتين ألبرتو نيسمان إصدار مذكرة توقيف دولية لـ”صامويل سلمان الرضا” الكولومبي من أصل لبناني، الذي يشتبه بأنه ناشط في حزب الله، وكان يعيش سابقا في بوينس آيريس بتهمة الاشتراك في تفجير مقرات الجمعيات الخيرية اليهودية التي أودت بحياة 85 شخصا وجرح نحو 300.
وفي أغسطس/ آب 2014 اعترف ابن رئيس سورينام دينو باوتيرس البالغ من العمر 41 عاما خلال محاكمته في نيويورك بدعم حزب الله عبر تهريب أسلحة وكوكايين، وجاء ذلك عقب قضائه 8 سنوات سجنا في بلاده بعد إدانته عام 2005 بتهمة قيادة عصابة مهربي كوكايين وأسلحة، وأُطلق سراحه بعد 3 سنوات لحسن سلوكه وانتخب والده رئيسا للبلاد في 2010 ثم عينه مديرا لعمليات مكافحة الإرهاب، وكان باوتيرس الأب قاد انقلابات عسكرية متتالية أعوام: 1980 و1987، ثم 1990 و1991.
اقرأ أيضا: فيديو| تعرف على 23 دولة غابت عن التحالف الإسلامي؟
وتتهم واشنطن حزب الله وإيران بالقيام بنشاطات مشبوهة في غرب أفريقيا التي تمثل مصدرا رئيسيا في اقتصاداتهما وتمويل أنشطتهما حول العالم، وفي سبتمبر/ أيلول 2013 قال وكيل وزارة الخزانة الأمريكية للاستخبارات المالية والإرهابية ديفيد كوهين، إن «غرب أفريقيا أكثر أهمية لحزب الله من إيران التي تشكل الراعي الأول له، فما يحصلون عليه من طهران تقلص بفعل العقوبات، وضعفت قدرتها على تمويله، وهناك ما يشير إلى أن الحزب لا يجمع المال فقط في غرب أفريقيا، وإنما يستخذدم هذه المناطق أيضا للتخطيط والقيام بنشاطات”.
ملاحقة أمريكية ودولية
بحسب تقارير إعلامية فقد أعلنت التحقيقات الأمريكية حول أنشطة حزب الله سنة 2011 وكشفت عن تورطه في شبكة تبييض أموال عالمية تعمل من خلال عشرات البنوك لإيصال مئات ملايين الدولارات إلى لبنان باستخدام عصابات تجارة المخدرات وتجار السيارات في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وغرب أفريقيا، وقال «كوهين» وقتها: «المبالغ التي تم إيصالها إلى حزب الله لا يمكن الاستهانة بها، دفع البنك الكندي اللبناني غرامة بـ102 مليون دولار لإغلاق القضية».
وتعد هذه الفضيحة أحد أكبر الفضائح التي تلاحق سجلات حزب الله، وبحسب تقارير سرية لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي FBI نشرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، فإن الزعيم الروحي لـ«حزب الله»، الذي حذف اسمه في التقرير بحسب معهد واشنطن، قال إن تجارة المخدرات مقبولة أخلاقيا حال بيعها لمن وصفهم بـ«لزنادقة الغربيين كجزء من الحرب ضد أعداء الإسلام».
وأشار المعهد إلى أن وثائق وتحقيقات أشارت إلى توسع رجال حزب الله المدعوم بالأساس من إيران في تجارة المخدرات والسلاح في أمريكا اللاتينية في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، ويديرها ناشط رئيسي في الحزب في باراجواي يدعى أسد أحمد بركات الذي ورد اسمه في قوائم الإرهاب لدى واشنطن وتل أبيب أيضا، وتمكنت سلطات البرازيل من اعتقاله في مايو/ آيار 2013 بعدما فشل متلاحق لوكالات الاستخبارات في دول عدة للقبض عليه.
وألقي القبض في يونيو 2005 على اللبناني راضي زعيتر الذي اتهمته الإكوادور بإدارة شبكة مخدرات مولت حزب الله بـ70% من أرباحها، وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2006 أدرجت السلطات الأمريكية صبحي فياض على قوائم الإرهاب، باعتباره أحد أهم الناشطين التابعين لحزب الله في منطقة الحدود الثلاثية بين الأرجنتين والبرازيل وباراجواي متهمة إياه بالتورط في تجارة المخدرات لصالح حزب الله منذ 1995، وفي 2008 اعتقلت واشنطن فايد بيضون ذو الاسم المستعار «ميجال جارسيا» بتهمة الاتجار بالكوكايين لصالح حزب الله، وهو نجل أحد أكبر العائلات الشيعية بجنوب لبنان.
