أدى رفض الحكومة العراقية نتائج الاستفتاء على الانفصال، الذي أجراه إقليم كردستان العراق، في 25 سبتمبر/ أيلول، وما تلاه من عملية عسكرية هجومية، إلى القضاء على آمال الأكراد بالانفصال عن العراق، فضلا عن خسارتهم مكتسبات نعموا بها منذ عام 2003.
وذكر جون بيك، صحفي مستقل، مقيم حالياً في إربيل، يركز في عمله على الحروب والقضايا الإنسانية، كيف عبر مع مجموعة من الصحفيين خطوط الجبهة الكردية صباح 16 أكتوبر/ تشرين الأول دون أن يدركوا ذلك، لم يكن هناك سوى قلة من المسلحين بأسلحة خفيفة يرتدون زياً خاكي اللون أو سراول جينز، وقد وقفوا بجانب الطريق السريع خارج كركوك.
وتابع الصحفي طريقه خارج المدينة الواقعة في شمال العراق، ظناً بأنه سيجد مقاتلي البشمركة، وقد تخندقوا في مواقع دفاعية، ولكن بدل ذلك، التقى قوات عراقية حكومية تشق طريقها نحو كركوك، وتضم عربات هامفي تعلوها رشاشات آلية، وتنقل جنوداً تمرسوا خلال أشهر من القتال ضد داعش، ولوح هؤلاء الجنود وحيوا الصحفيين، وتابعوا تقدمهم نحو المدينة.
ويلفت بيك، في مجلة “نيوستيتسمان“، لصفقة عقدها البشمركة، مع قوات عراقية، وانسحبوا بموجبها من كركوك، ولكن بعدما استفاق أكراد من سكان كركوك، وأدركوا أن من يفترض بهم حمايتهم قد رحلوا، نظم بعضهم ميليشيا مؤقتة، ووقفوا إلى جانب الطريق السريع، وقد بدا أولئك الأكراد متوترين، وأدركوا بأنهم لن يصمدوا، ولكنهم انتظروا وتحدثوا بقوة وتصميم، فيما انشغل آخرون بحفر خنادق في المكان.
وقال سروان، كردي، 25 عاما: “سنقاتل حتى الموت، ولن نسمح للجيش العراقي بدخول كركوك”، ومر بجانبه رجل أشيب كان يقود دراجة نارية، وسار باتجاه القوات العراقية، لكنه عاد بعد دقائق ليخبرهم أن العراقيين قادمون”، ولدى سماعهم أصوات طلقات نارية وقذائف مدفعية، اعتلى معظم الرجال سياراتهم وعادوا إلى المدينة.
ويشير بيك لتأييد معظم الناخبين الأكراد للانفصال عن العراق، ولكن لكي يكون كردستان دولة فاعلة وقوية، يحتاج للسيطرة على كركوك، وعائداتها من حقول النفط، وتقع محافظة كركوك ضمن أراضٍ متنازع عليها بين بغداد وأربيل، ولكن الأكراد سيطروا عليها منذ صيف 2014، عندما هربت قوات عراقية أمام زحف داعش، وفي بداية العام الحالي، ومع تقهقر داعش في العراق، تعهد رئيس الوزراء، حيدر العبادي، بإعادة المحافظة إلى السيطرة الفيدرالية.
وكما يلفت الصحفي، لم تستغرق عملية السيطرة على كركوك سوى بضع ساعات، وقتل دفاعاً عن المدينة قرابة 30 مقاتلاً كردياً، ولكن الباقي منهم غادروا، مع عشرات الآلاف من المدنيين، هرباً من القتال، وقد تجمع هؤلاء على الطريق نحو أربيل، بعدما مروا أمام تمثال، أنشئ في بداية العام، بارتفاع 21 متراً، يجسد مقاتلاً من البشمركة حاملاً العلم الكردي.
وبالقرب من جسر، وقف المقاتل من البشمركة باران عبد الله، 25 عاماً، يراقب خروج الأكراد من المدينة، وقال: “يا ليتني مت قبل أن أرى ما يجري الآن. آسف، لا أعرف ماذا أقول”.
وفي مكان آخر من المدينة، هلل بعض السكان العرب والتركمان لدى وصول القوات العراقية إلى شوارعهم.
ويشير بيك لنهاية صادمة وسريعة لسيطرة الأكراد على المدينة، ولوقعاتهم بالاستقلال. فقد تتالت انسحابات البشمركة الذين تخلوا عن حقول نفط كبرى تقع بالقرب من كركوك، وشكلوا طابوراً مخزياً من العربات المدرعة والشاحنات المحملة بأسلحة ووحدات تبريد وقطع أثاث وثلاجات، وعلى الفور لحق بهم رفاقهم عند انسحابهم من مناطق كسنجار ومخمور وبعشيقة، والتي تعهد البارزاني، رئيس كردستان، بأن تكون جزءاً من كردستان الجديدة.
