لأعلى سعر.. التمثيل أقوى من التمثيلية
تتظاهر بالجهل عن علاقاته العاطفية لكي لا تهز سفينة زواجهما، إلى أن لمحت امرأة تُشاغب في حياة زوجها، فتتفرج بصمت، تعرف جيدا أنها لو أثارت الموضوع فلن تجد تأييد من النساء الأخريات وينحو باللائمة عليها، ينذرونها مغبة تصليب رأيها. فهي لعنة أن تولد فتاة في رقعة جغرافية شرق أوسطية، لا يختفي تخوين الأنثى وإن وهن.
قلب مرء تائه ما بين امرأتين، وجميلة (نيللي كريم)، وليلى (زينة) تتباريان على قلب رجل هشام (أحمد فهمي)، وكل يجذب في اتجاه في وضعية شد حبال، وزواج جميلة وهشام بدا معصوم لكن تكديسات تغير هيئته إلى صراع بائس ينضح معه الشر المعشش داخل النفس البشرية.
ليلى هي عصب المسلسل، فإن طلت ابتلع المشاهد تفاحة آدم خاصته التي تعلو وتهبط بسرعة، وبأداء إعجازي من (زينة) تراها مخيفة بدهائها، فيها من المكر والغواية ما يجعلها تصل إلى أهدافها, وبثعلبيتها الخبيثة كل من حولها محكوم عليه بلعنة طغيانها، تذبح وتتنزه في جنائز فرائسها كمعزية، شخصية ذات وجهين أحدهما تربطها علاقة صداقة قوية بـجميلة (نيللي كريم)، تدخل بيتها وتقف بجوارها في زفافها، في هيئة نقمة مغلفة في شكل نعمة، ووجه آخر يخفي شر جليل، شر يحركها لإيذاء كل من يقترب منها بدوافع غير مغتفرة، وتتوج جهودها للإيقاع بزوج جميلة بزواجها منه سرا.
نيللي تجيد دور المرأة الطيبة ومجاراة الآخرين بروح بريئة «على نياتها» فتنال جراء طيبة قلبها، ونتساءل هل النيات الطيبة، أم أن الكل مزيف. ولكن طبيعة الإنسان ليست طيبة هكذا تقول القاعدة يا عزيزي. فتظهر نزعة تخريبية لدى من يكونوا طيبين ومبجلين في الأحوال العادية، ومع مرور الزمن تصير «أنت آخر» وتصير جميلة أو شخص يشبه جميلة. فأصبحت نيللي بعفوية وارتياح وغير تكلف متجهمة حادة المزاج، فلم يكن البطش من شيمها لكنه بات الآن ففي الحرب كل شيء متاح، وباتت مهيأة للشجار، طائشة كعيار انطلق «علي وعلى أعدائي»، فبعدما كانت مرحة أصبحت غريبة عن من يعرفونها، لم يرونها غاضبة وعدائية إلى هذه الدرجة من قبل، تبدوا عليها آثار علامات التعب والاستياء بشكل يتجاوز عمرها، كما لو أنها كبرت عدة سنوات خلال هذه الأيام.
هل خانها هو أولا ثم أهملت هي جسدها؟
تتحول جميلة من باليرينا جميلة إلى منقبة بدينة، فوجدت على وجه زوجها أمارات التحفظ، وبعد خيانته لها تتخبط وتذبذب، وتعود للكعب العالي وتصفيف الشعر ولبس رداء نسوي، فعند الصدمات تزلزل النفوس زلزلة هائلة. كانت غير محجبة ثم تصير الآن ثم يحدث شيء في حياتها فتنزعه، مثل مرء يخيل أنه مؤمن ثم يلحد ويرجع مؤمن ثانية ثم يصبح شكوكي وهكذا حتى يقترب من الحقيقة. وجميعنا معرضون للتغيير إنها رحلة من هنا إلى هناك. الدين بكليته أعمق وأعظم من الأجزاء الصغيرة المكونة له، على رأي شمس التبريزي.
يحاكي المسلسل (كتابة مدحت العدل، وإخراج محمد العدل) أقنعة المجتمع المصري، أدمغة ثلاثة تطاول فئات تشبهها في الشارع، ثلاثة أدوار أدخلته المنازل، زينة الأجمل في اختيار الدور وأدائه. نيللي تمسك الشخصية من تفاصيلها ولنقل نراه أداء يريحها فهي في الحياة كما على الشاشات (بالرينا) فهذا ملعبها وهي ماهرة، ورداء البائسة الذي طالما لعبته ببراعة تتقمصه بكل تفاصيله لأنها تعلم أيضا أنه يناسبها تماما كونها أجادته في أدوار سابقة (لايعني هذا أن تكرر دائما أدوارا مشابهة). أحمد فهمي يتجلى أداؤه بمرور الحلقات، وعم مخلوف (نبيل الحلفاوي) التمثيل عنده بدون فذلكة، أب خائف على ابنته من مجتمع الأحكام واللسان الطويل، والأولوية عنده لغناء يعد مزاجه ويرفعه للعلالي، فهو وابنته يفقهان الفنون.
حرب النساء على رجل باتت صناعة مملة، ولكن هنا لا بأس به، فالعمل قادر على جعلك تنتظر، ليس لفرادة القصة، بل تجسيدها. وللقطات السينمائية التي نفذها محمد العدل تأثير فوري ومباشر، تمنح المشاهد مفعول بأنه جزء منها، نص مدحت العدل مشبّع بالصدمات، نمط السرد وعرض الشخصيات يجذب، ظهور «نجوى فؤاد» متأخرا لكنه يأتي بقوة.
