أعادت حادثة الجبل الأخيرة في لبنان، ذكريات تاريخ دموي أليم لكل اللبنانيين، فكثيرا ما كانت منطقة الجبل مسرحا لحوادث الفتنة الطائفية لا سيما بين الدروز والموارنة المسيحيين، أو سجل الحرب الأهلية من سبعينيات إلى تسعينيات القرن الماضي.
لم تكن حادثة الجبل الأخيرة رهينة الصدفة، بل هي مجهزة ومعلبة في إطار التناحر السياسي، ورغبة وزير الخارجية جبران باسيل في تصفية حسابات مع أحد زعماء الدروز، وزعيم الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط.
جولات باسيل تشعل الجبل
الحادثة الأخيرة التي خيم معها مخاوف شرارة الحرب الأهلية، جاءت عندما أغلق مناصرو وليد جنبلاط الطرقات الجبلية اعتراضا على جولة سياسية أعلن عنها وزير الخارجية وزعيم التيار الوطني الحر، جبران باسيل.
وهذه الجولة جاءت بعد تعبئة سياسية ومذهبية بلغت ذروتها من جبران قبل مرور الوزير صالح الغريب في منطقة قبرشمون الجبلية .
الأمر أدى إلى وقوع الاشتباك المسلح بعد محاولة التعرض للوزير شخصيا ما فتح اشتباكا بين عناصر الحزبية وأدى ذلك إلى توتر هو الأول من نوعه وبهذا المستوى في منطقة جبل لبنان في العقدين الأخيرين.
الجبل والشرارة التاريخية للحرب
وتعود حوادث الجبل في التاريخ اللبناني إلى ما يقارب الـ170 سنة، منذ الاحتلال العثماني، وقت أن كان جبل لبنان ولاية ثم متصرفية عثمانية، يستغل فيها المحتل التركي خط التماس الطائفي بين المكونين الأساسيين كل من الدروز والموارنة.
انطلقت أول شرارة في جبل لبنان بما سمي مجازر 1860، وهو صراع في لبنان وسوريا قام بين الموارنة من جهة والدروز والمسلمين من جهة أخرى.
وقد بدأ الصراع بعد سلسلة من الاضطرابات توجت بثورة الفلاحين الموارنة على الإقطاعيين وملاك الأراضي من الدروز، وسرعان ما امتد إلى جنوب البلاد حيث تغير طابع النزاع، فبادر الدروز بالهجوم على الموارنة.
بلغ عدد القتلى من المسيحيين حوالي 20,000 كما دمرت أكثر من 380 قرية مسيحية و560 كنيسة، وبالمثل تكبد الدروز والمسلمون خسائر كبيرة كذلك، وامتدت الأحداث إلى دمشق وزحلة وجبل عامل وغيرها من المناطق.
وجاءت هذه الفتنة مرحلة ثالثة بعد اشتباكات طائفية أقل حدة حصلت عامي 1840 و1845 بين الموارنة والدروز أيضًا
حوادث متفرقة وقت الانتداب الفرنسي
وراهنت قوة الاحتلال الفرنسي في لبنان، على النزاع التاريخي بين الدروز والموارنة، وكانت دائما ما تأجج الصراعات بينهما.
لكن كان للزعماء السياسيين في لبنان وقت الانتداب، دورا كبيرا في عدم تطور الحوادث المتفرقة إلى حرب في الجبل.
إغتيال كمال جنبلاط واشتعال الجبل
لم يكن الزعيم كمال جنبلاط، والد وليد ،سياسيا درزيا بكونه زعيما لبنانيا، وقد جاء مع اغتياله في 16 مارس 1977 ، إشعال أكبر لشرارة الحرب الأهلية التي ضربت لبنان في أبريل 1975.
وعلى الرغم من أن المتهم الأول في اغتيال الزعيم جنبلاط في بعقلين بجبل لبنان، هو النظام السوري، إلا أن الحسابات التي كانت تقسم الموارنة، ذهبت باتهامات لتيارات مسيحية أيضا، مما جاء بأحداث عنف ومواجهات قتال في الجبل.
حرب الجبل
حرب الجبل هو الاسم الذي أطلق على الاشتباكات العنيفة التي دارت في خريف 1983 بين قوات اليمين اللبناني المسيحي ضد قوات الحركة الوطنية اللبنانية التي كانت تضم قوات عسكرية من الموحدين إضافة إلى مسلحي اليسار اللبناني.
و أخذ القتال منحى طائفيا وتحول إلى حرب بين الموارنة والموحدين، وآلت الغلبة في الأخير إلى الموحدين.
وارتكبت خلال هذه الحرب العديد من المجازر في حق المدنيين من الفريقين، وتسببت الحرب والمجازر التي تلتها في تدمير العشرات من قرى المنطقة وتهجير سكانها.
