لبنان على أبواب فوضى «غير محكومة»
حذرت الدوائر السياسية في لبنان من حدوث فوضى أمنية واقتصادية «غير محكومة»، في ظل مناخ من التوتر شل يد السلطات التشريعية والرئاسية والتنفيذية في مواجهة حشود المتظاهرين التي عادت للشارع بعد «استراحة المتظاهر»، ليشهد لبنان، أمس، «أحد الإصرار»، حيث وعمّت التحركات والمسيرات مختلف المناطق منذ الصباح، فيما نفذت مظاهرات مركزية في الساحات الكبرى، و ذلك تزامنا مع الدعوة لإضراب عام شامل في كافة أنحاء لبنان غدا الثلاثاء.
الحياة في الحراك .. والخيبة في الانتظار
الحراك الشعبي في لبنان يهدف إلى التغيير من مفاهيم الطائفية السياسية إلى مفاهيم المواطنة والمدنية، ولكن دون أية مؤشرات للتغيير في الواقع !!.
وبعد فترة «قصيرة» وصفت بأنها كانت أشبه بـ «استراحة المحارب»، عادت موجات التظاهرات للشارع اللبناني، وتزامنت مع نداء السياسي اللبناني الشيعي البارز، حسين الحسيني، رئيس مجلس النواب الأسبق ومؤسس حركة أمل، مطالباً اللبنانيين، بعدم الثقة في السلطة.
وقال: « من أسرف كل الإسراف في إفقاركم، ممن لم يعرف حدا في إذلالكم، ممن لا عيش له إلا بإكراهكم، وتفرقة صفوفكم، وبث العداء في نفوسكم، لا تنتظروا سوى الشر..لكم الحياة من أنفسكم، ولكم الخيبة من الانتظار».
- حسين الحسيني ـ وهو سياسي شيعي بارز ـ كان لافتا للمراقبين في بيروت، خاصة مع عودة الحراك للمربع واحد، رافعا مطالب تشكيل حكومة مصغرة مؤقتة بصلاحيات تشريعية استثنائية من خارج السلطة السياسية تعمل على إنقاذ لبنان من الأزمة الاقتصادية عبر فرض ضرائب تصاعدية وتخفيف عبء الدين العام، ومنع تهريب رؤوس الأموال الكبيرة من البلاد، والعمل على إجراء انتخابات نيابية مبكرة تحت قانون عادل يضمن صحة تمثيلنا، مع خفض سن الاقتراع إلى 18 عاماً».
ويرى سياسيون لبنانبون «مستقلون»، أن رسالة الرئيس الحسيني، قد عبرت عن شواهد وحقائق المشهد السياسي العام والشارع اللبناني، محفزا الشعب على التظاهر، بقوله: ” لكم السلطة، وقد أخفق من وليتم على أنفسكم، بإرادة منكم أو بترك، فلتباشروا العمل من أنفسكم لإعادة تكوينها لكم لا عليكم.. لكم السلطة بالمبادرة، أما بالانتظار فلن تكون إلا عليكم. وفرص الخير إنما تمر مر السحاب».
لبنان دخل مرحلة بالغة الخطورة
وتقول صحيفة «لوموند الفرنسية، إن لبنان قد دخل مرحلة بالغة الخطورة من الناحية المالية، فلم يعد ينفع الكلام المُنمّق عن تجنب الانهيار الاقتصادين حيث لايوجد أمامنا سوى مؤشرات سلبية لمسار انحداري بدأ يتسارع منذ عام 2016.
والهندسات المالية كانت البداية لتُستكمل مع الإجراءات التقشّفية وأزمة الدولار، وأخيرا طلَبُ جمعية المصارف سنّ قانون لتشريع القيود على التحويلات المصرفية من أجل إنّها الأزمة الشاملة التي أنهت أكذوبة الاقتصاد الحر، ولا ينفع معها سوى حلول تُصيب بنية النموذج الاقتصادي.
استراحة متظاهر
يتفق سياسيون ومراقيون، على أن الذي عاشه لبنان على مدى ثلاثة أسابيع كان قرعاً قوياً في جرس التقريع والتنبيه، وضرورة الفرز بين الصالح والطالح، وقبْل أن يرمي الثاني الوطن وأهله بكل مساوئه وأطماعه ومشاريعه غير الخيِّرة ـ بحسب تعبير المحلل السياسي اللبناني، فؤاد مطر ـ وربما تطلب الأمر الخلود إلى اختصار الاحتجاجات وربما تقليصها، إلاّ أن ذلك لن يكون أكثر من استراحة متظاهر، ولا بد من جولات بعد استراحات. وعموماً فإن الإلفة حدثت بين الساحة ومَن عليها من الاحتجاجيين.
«الثورة ـ الثروة»
- ويبقى أن الأسابيع الثلاثة التي عاشها لبنان والمرشحة للمعاودة بقوة رداً على التلكؤ، لم تكن فقط مجرد ملامح ثورة، وإنما كانت تأسيساً لثروة تراثية وفصلاً في الكتاب الذي يؤرخ لبنان المتجدد، ثروة كتلك التي يتباهى بها الفرنسيون والأمريكان والإسبان والمصريون وغيرهمز. ومثل هذه «الثورة ـ الثروة» كانت حُلْماً وباتت حقيقة.
تجميد حسابات السياسيين في البنوك
ومع صيحات التحذير من «التلكؤ» وعدم الاستجابة لمطالب الشارع اللبناني، والتصدي بحسم وجرأة لمظاهر الفساد، مما يساهم في انفلات «فوضى غير محكومة»، ومن الصعب تقدير حساباتها فيما بعد .. فقد طالب، السياسي اللبناني والنائب السايق، بطرس حرب، بتجميد حسابات السياسيين في البنوك..وأعلن عن نيته التوجه غدا الثلاثاء إلى مدعي عام التمييز لرفع إخبار بحق كلّ السياسيين يطلب منه فيه «أن يطلب من الهيئة الخاصة في مصرف لبنان تجميد كل من لديهم حسابات وإسمي سيكون من أول هؤلاء المسؤولين».
- وقال بطرس حرب، في تقديره لمجريات الأحداث الساخنة داخل لبنان: « المسؤولية الأساسية اليوم تقع على عاتق رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يجب أن يلتزم بأحكام الدستور.. والسلطة السياسية لم تفهم بعد ما يحصل، فالأساليب التقليدية لم تعد صالحة بل عليهم أن يسمعوا للناس»
مظالم اقتصادية تغذي الاحتجاجات
وحذرت «وكالة بلومبرج» الأمريكية، المتخصصة في الشئون الاقتصادية ، من فوضى اقتصادية «غير محكومة»، طالما بقيت المشكلة قائمة في قلب المظالم الاقتصادية، التي تغذي الاحتجاجات الجماهيرية اللبنانية الحالية، وهي قضية من قضايا الاحتيال المنظم. ولن تتلاشى المشكلة الراهنة بمجرد حل الحكومة أو تغييرها ـ حتى في ظل وجود مجلس وزراء من الخبراء ـ أو عن طريق ضخ مزيد من رؤوس الأموال من البلدان العربية، وسوف يتطلب الأمر فرض التدابير والإجراءات الصارمة، بما في ذلك التقليم الإلزامي لكثير من أثرياء مواطني البلادن بحسب تقرير الوكالة الأمريكية.
